سياسة واشنطن الميكافيلية تحتم ارتداد التوافق مع تركيا في مواجهة «داعش»

أميركا تقع في أكبر أخطائها منذ غزو العراق

ت + ت - الحجم الطبيعي

قتل رجال حرب العصابات الأكراد جنديين تركيين في كمين نصبوه في جنوب شرقي تركيا، بعد استئناف القتال بين قوات الأمن التركية والمقاتلين الأكراد، الأمر الذي وضع حداً لاتفاقية وقف إطلاق النار التي دامت عامين. وأتى هذا التطور على أثر قصف المقاتلات التركية بشكل عنيف لعناصر حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل، في شمالي العراق.

وفي مؤشر على استئناف العمليات العسكرية ضد الحكومة التركية، استهدف مقاتلو حزب العمال الكردستاني مركبة عسكرية تابعة للجيش التركي على طريق بالقرب من مدينة ديار بكر. وأعقب الانفجار سيل من إطلاق النار المتبادل تعرض خلاله أربعة جنود أتراك للإصابة، وفق ما أعلنه الجيش التركي.

وأتى الاعتداء رداً على الغارة الجوية العنيفة التي شنتها القوات التركية على قواعد حزب العمال الكردستاني في جبل قنديل، أخيراً، في جانب واضح من التحرك التركي الجديد ضد التنظيمات الإرهابية، الذي قيل إنه استهدف «داعش» أيضاً.

غير أنه أتى كذلك على وقع اتهام الأكراد لأميركا بالتساهل حيال تحرك الحكومة التركية المتجدد ضد الأقلية الكردية كمقابل للسماح للطائرات الأميركية باستخدام قاعدة إنجرليك العسكرية التركية ضد مقاتلي «داعش» للمرة الأولى.

خطأ في الحسابات

وقال كامران قرداغي، المعلق الصحافي الكردي ورئيس الموظفين السابق للرئيس العراقي الأسبق جلال طالباني: يفتقر الأميركيون للذكاء كثيراً في وضع الحسابات المتعلقة بهذا النوع من الأمور. لعلهم يحسبون أن اجتذاب تركيا إلى صفهم سيغنيهم عن الأكراد.

وتنفي الولايات المتحدة منح الضوء الأخضر للاعتداءات التركية على حزب العمال الكردستاني، مقابل استخدام القاعدة العسكرية، وتدحض أي علاقة لها بالتحرك التركي ضد مقاتلي «داعش».

إلا أنه بغض النظر عما كانت أميركا تنتظره، فإن المؤشرات الأولى تدل على اهتمام الحكومة التركية المتزايد بالتحرك ضد الأكراد في تركيا وسوريا والعراق أكثر من اهتمامها بمحاربة «داعش». وقد سبق لأنقرة أن أعلنت أنها تدرج حزب العمال الكردستاني و«داعش» في خانة الإرهاب.

وصعدت الشرطة التركية، في هذه الأثناء، كل أنواع التصدي، مستخدمةً خراطيم المياه ضد المتظاهرين المطالبين بالسلام في أنقرة.

غاية أردوغان

وأسفرت التحركات عن اكتشاف أميركا أنها قد تكون ساعدت في زعزعة استقرار تركيا ودفعها للحرب في كل من العراق وسوريا، إلا أنها لم تحقق أي نجاح في القضاء على «داعش». وبذلك تكون أميركا قد اقترفت الخطأ الأعظم في الشرق الأوسط منذ اجتياح العراق عام 2003، على خلفية اعتقادها أنها تستطيع إطاحة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين وإحلال حكومة موالية لأميركا محله.

وفي الوقت الذي تتحالف أميركا مع أكراد سوريا، تصف المنظمة الأم بالإرهابية. وقد قال بن رودس، المتحدث باسم البيت الأبيض: تقر أميركا، بالطبع، بأن حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، وتمنح بالتالي الحق لتركيا لاستهدافها.

لكن رودس نفى أن تكون أميركا تزود الاستخبارات التركية بالمعلومات حول قواعد الحزب في العراق منذ 2007.

إنه حتماً نوع من الميكافيللية الخالصة في عالم سياسة الواقع، التي تبرر لماذا حققت وحدات حماية الشعب الكردي المدربة في صفوف حزب العمال الكردستاني على قتال الأتراك نجاحاً أكثر من سواها في التصدي لـ«داعش».

قد تبرز ارتدادات أخرى للتوافق التركي الأميركي، وكان أحد أسباب التحرك التركي انزعاج أنقرة من تقارب أكراد سوريا واحتلال موقع الحليف المفضل لأميركا. أضف إلى ذلك قلق أنقرة الناجم عن الاتفاق النووي الإيراني الأميركي، الذي هدد بوضع طهران في موقع متقدم على أنقرة ضمن حسابات واشنطن.

من المرجح أن تتساهل أميركا مع التحرك التركي ضد حزب العمال الكردستاني في جبل قنديل وتركيا، بينما تتصدى لتحركات الجيش التركي المتقدمة في العمق الكردي في شمال شرقي سوريا، إلا أن حزب العمال الكردستاني قد يسعى في هذه الأثناء للحصول على دعم إيران والحكومة السورية في دمشق، التي كانت لها علاقات وثيقة معها في ما مضى.

Email