أسرار وراء دعم موسكو لمفاوضات النووي الإيراني

الصين مطالبة بمكافأة روسيا على الاتفاق

لافروف أكد أن الاتفاق النووي لم يكن ليبرم لولا روسيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

احتاجت الولايات المتحدة الأميركية إلى دعم روسيا لإبرام الاتفاق النووي مع إيران، وقد أقر الرئيس الأميركي باراك أوباما بذلك بقوله: « ما كان يمكن التوصل لمثل هذا الاتفاق لولا استعداد روسيا للوقوف إلى جانبنا».

إلا أن العلاقات الروسية الأميركية تعيش هذه الفترة فتوراً لم تشهده منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث أتى الدعم الروسي بمثابة مفاجأة لأوباما نفسه. إذن، لماذا أبدت روسيا استعداداً لدعم الاتفاق النووي الإيراني الذي تصفه الأوساط الإعلامية المعادية عادةً لأميركا بأنه إنجاز شخصي لأوباما؟

أما الإجابة عن هذا السؤال فليست بسيطة، وتكمن في العقلية الخاصة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لقد أتى الدعم الروسي لعملية المفاوضات غير متناسق، ويعكس نوعاً من المشاعر المختلطة. فمن المنظور الروسي الضيق يهدد الاتفاق بإيجاد ممر ثابت متدفق من النفط والغاز إلى السوق العالمي، في الوقت الذي تهدد أسعار المحروقات المتدنية الاقتصاد الروسي. وبرز من هذا المنطلق الذي ينضح بالسلبية بالنسبة للروس العامل الصيني الحاسم على الأرجح. فالصينيون كانوا يؤيدون عقد الاتفاق لأسباب خاصة بهم، ولم يكن بوتين، بكل تهديداته في موقع التصدي لهم.

سجل متقلّب

لم يتوانَ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن الإشارة إلى أن الاتفاق لم يكن ليبرم لولا روسيا. إلا أنه ما من دليل يثبت أن زيارات لافروف العرَضية لمقار المفاوضات في كل من فيينا ولوزان وجنيف قد أثمرت عن توقيع ولو تسوية واحدة. بل إنه،خلافاً لذلك، هناك الكثير من المؤشرات التي تدل على أن موسكو قد سعت لتعقيد، حتى لا نقول تقويض، موقف مجموعة 5+1 في عدد من المفاصل الحساسة التي مرت بها عملية المفاوضات.

ففي أواسط نوفمبر 2014، أعلنت روسيا التوصل إلى الاتفاق على نحو واسع مع إيران لبناء مفاعلين إضافيين في مصنع بوشهر النووي، في ظل بروز خيار لتشييد ستة مفاعل أخرى. إلا أن الموعد النهائي، الذي حدد بتاريخ 24 نوفمبر 2014 في محادثات فيينا أغفل بشكل رسمي.

وفي منتصف أبريل 2015، أعلنت روسيا عن رفع الحظر أحادي الجانب المفروض عام 2010، على تسليم صواريخ إس-300 أرض جو لإيران. وأتت تلك الخطوة في وقت متأخر جداً أحبط إطار العمل الاتفاقية التمهيدية الموقعة بين مجموعة الست وإيران. غير أنها حضت إيران على اتخاذ موقف أكثر حزماً مع انطلاق محادثات فيينا المتعلقة بخطة العمل الشاملة المشتركة.

وفي مطلع يونيو 2015 كذلك، أعلنت روسيا أن اتفاق تبادل النفط الذي طال النقاش حوله مع إيران سينتقل إلى مرحلة التطبيق خلال أسبوع. إلا أن موعد 30 يونيو النهائي لمحادثات فيينا ألغي رسمياً أيضاً.

متلازمة الصين

امتنعت روسيا، في النهاية، عن القيام بأية مناورات غير مجدية خلال المرحلة النهائية الحاسمة من المفاوضات. وعلى الرغم من جدوى الإشادة بالخطوة تبقى المكافأة المادية التي سعت موسكو لحصدها هي الأهم.

لكن من أين عسى لتلك المكافآت أن تأتي؟ تدرك موسكو تماماً أنها في موقع الخاسر بسبب الاتفاق، لكن ليس باليد حيلة ،لأن الرابح الأساسي هو الصين. فبكين مستعدة للاستثمار بقوة في مشاريع النفط والغاز الإيرانية، وإذا تراجعت أسعار هاتين السلعتين لمعدلات أدنى، فسيخدم ذلك الاقتصاد الصيني المعتمد على مصادر الطاقة.

لربما كانت الرغبة الصينية لتوقيع الاتفاق سبباً رئيسياً في كبح روسيا لميولها بتخريب مفاوضات فيينا. وقد أصبحت روسيا بفعل عزل نفسها عن الغرب تتكئ على الراعي الصيني للتزود بالتمويل والحصول على أسواق للتصريف. وتقوم بكين لإدراكها هذا الواقع بفرض مساومات قاسية على روسيا، التي تقف مكبلةً بفعل ضيق هامش الخيارات. ومن غير المرجح أن يكافأ موقف روسيا المتعاون حيال الاتفاق مع إيران بقروض أو استثمارات صينية سخية. وفي هذه اللحظة من الضعف الدبلوماسي الروسي، يجب ألا يشعر أوباما وكيري بأي قلق حيال مكافأة روسيا كذلك.

مخاوف

وسط محاولات التعطيل والتدهور اليومي تقريباً للعلاقات الأميركية الروسية، شكلت الحاجة لضمان قبول موسكو بالاتفاق مع إيران تحديات واضحة لإدارة أوباما. وواظب البيت الأبيض على التقليل من أهمية تأكيدات القيادات العسكرية بتشكيل روسيا لـ «خطر وجودي » على أميركا، وأصر على استعداد بوتين للحفاظ «والفصل بين» مختلف مساحات التعاون.

أمام مخاوف روسيا الكبرى حيال الاتفاق النووي مع إيران فلم تكن تتمثل،بالطبع، بغياب الشفافية الكافية حول البرنامج النووي، بل حول تأثير الاتفاق على أسعار النفط. وحتى في مجال صناعة الطاقة النووية قد تكون إيران مهتمةً أكثر بالتنويع، بدلاً من الالتزام المطبق ببنود العقود الروسية.

Email