بعض الإعلاميين والسياسيين يطرحون مزاعم تخدم أهدافهم الإجرامية

«الذئاب الوحيدة» قتلة لا صلة لهم بالإسلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

ألقى الإرهابي ياسين الصالحي، اللوم على «مشكلات في البيت والعمل»، في ما يتعلق بقطع رأس صاحب المصنع الذي يعمل به في شرقي فرنسا أخيراً، وقد استخدم سكيناً في هذا الهجوم المروع لقطع رأس صاحب المصنع، قبل أن ينطلق بعربة تسليم البضائع التي يقودها إلى حاويات كيماوية، في محاولة فاشلة لنسف المصنع.

وقد أفلح سيف الدين الرزوقي، الذي قتل 38 شخصاً على الأقل على شاطئ في مدينة سوسة التونسية في اليوم نفسه، في الإمساك ببندقية آلية، ولكن الصورة النفسية التي رسمت له كانت مماثلة لصورة الصالحي، ولم يكن لأي من الرجلين سجل إجرامي.

وقد وصف أصدقاء وجيران كل من الرجلين، هذين الذئبين المستوحدين، بأنهما «عاديان»، وليس هناك دليل على أن أياً منهما قد توجه إلى الخارج للتدريب على القتال، ولم يجتذب أي منهما اهتمام المنظمات الأمنية، واعتبرا «متطرفين بذاتهما»، وليسا عضوين في خلية أوسع نطاقاً، وخلافاً للرزوقي، فإن الصالحي بقي على قيد الحياة، ويقال إنه يطرح أسباباً شخصية كعنصر تخفيف في مواجهة إجرامه السادي.

وتقول مصادر مقربة من التحقيق، إنه قلل من شأن صلاته بالإرهاب العالمي، بدلاً من الإشارة إلى أنه لم يكن يحب ضحيته، غير أنه ذكر للمحققين بالفعل، أنه مهتم بإحداث «انقلاب إعلامي»، أي الوصول إلى الشهرة أمام جمهور مؤلف من ملايين الأشخاص.

هكذا، فإنه في دقائق قليلة من الشر المحض، يمضي أشخاص مفعمون بالرغبة في الانتقام، من كونهم غير معروفين تماماً، إلى تحقيق الشهرة باعتبارهم قتلة.

في حقيقة الأمر، فإن صلة مثل هذين الرجلين بالإعلام، يبدو أنها تقوم في الجانب الأعظم منها على محاولة ملتوية منهما لتبرير وحشيتهما، فهما من خلال ربط نفسيهما بقضية أكبر، يشعران بأن نزعتهما العدمية لها هدف على نحو ما، وأن هناك سبباً لتصديهما الجبان للقتل والتدمير.

وبهذا المعنى، فإن رجالاً مثل الرزوقي والصالحي، هم من يطلق عليهم اسم الذئاب الوحيدة، والفظائع التي أقدما عليها يمكن أن يخطط لها في يوم واحد، لكن لها تأثير يثير الكثير من الدعاية والخوف.

وفي هذه الأيام، يمكن لأي شخص أن يزعم أنه على صلة بتنظيم «داعش» أو القاعدة، وكل ما يقتضيه الأمر منهم، هو الهتاف لشعارات متطرفة، والتقاط صورة إلى جوار أشلاء دموية أو علم غامض، وهذه الارتباطات تقوم عادة على ما رآه الشخص عبر الإنترنت أو التلفزيون، وأجهزة الإعلام تقوم بالباقي. والنمو الكبير في الوسائط الاجتماعية خلال العقد الماضي، جنباً إلى جنب مع تدفق الخيارات على مدار 24 ساعة يومياً، كفلا لهذه النوعية من الإرهابيين، الفرصة للإطلال على العالم، وهذا أمر يكثفه المعلقون والسياسيون الذين يربطون هؤلاء القتلة، ليس بحركات إرهابية عالمية بذاتها، وإنما أيضاً بالإسلام، والإسلام بريء من هذا الارتباط.

وهكذا، فإن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، ذهب إلى الزعم بأن عدداً كبيراً من المسلمين في بريطانيا «يؤيدون ضمنياً» «داعش» في هدوء، الأمر استحضر صورة ألوف من المواطنين المسالمين الذين يومئون برؤوسهم موافقين، فيما هم يشاهدون جريمة الإحراق أو قطع الرأس أو الخنق التالية.

وفي حقيقة الأمر، أن استنتاج أن هذه الذئاب الوحيدة هي أي شيء آخر، غير كونها مجموعة من المجرمين الذين يعانون من عقد نفسية، يشبه الإشارة إلى أن المسلحين الذين يقتلون بانتظام جماعات كبيرة من الأميركيين، هم ممثلون للجماعات التي قدموا منها.

عندما قام ديلان روف، وهو شاب أبيض في الحادية والعشرين من عمره، بذبح تسعة من الأميركيين أفارقة في إحدى الكنائس أخيراً، كانت شخصيته المؤسفة وتاريخه الشخصي السيئ واضحين للعيان، ونظراً إلى هوسه الاستحواذي في ما يتعلق بالمجموعات الإجرامية على امتداد العالم، بما في ذلك المجموعات التاريخية المنحلة، فإن ذلك يدل على ذكائه المتدني وعقد النقص الهائلة لديه، ولو أن الرئيس الأميركي باراك أوباما تلاعب بكراهية روف، وأعلن أن كثيرين من التيار الرئيس للمجتمع الأميركي يؤيدون العنصرية، لقوبل ذلك باستهجان شديد.

أساطير

إن السياسيين من خلال قيامهم بالربط بين الأفراد المنحرفين والمعادين للمجتمع، وبين الجماعات المعتدلة إلى حد كبير، إنما يدعمون الأساطير التي يروج لها الإعلام، والتي تشكل دم الحياة بالنسبة للذئاب الوحيدة. وكما أن المواقع الإخبارية التي تبث صوراً منتظمة لقتلة «داعش» وهم يقومون بقطع الرؤوس، وكما أن وسائط الإعلام تقدم لهذه المجموعة جانباً من أفضل الدعاية التي تحظى بها، فكذلك التصوير المبالغ فيه لهذه الذئاب الوحيدة، سيضمن أن الكثيرين منهم سيظهرون لاحتلال مكان أولئك الذين يقتلون أو يسجنون منهم.

Email