مرتكبوه لا يستهدفون الأبرياء وحدهم

الإرهاب مصيره الفشل بحكم طبيعة أهدافه

سياح تونس كانوا ضمن ضحايا الأحداث الإرهابية الأخيرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أصبحت تأثيرات الصدمة، على امتداد السنوات القليلة الماضية، مألوفة للغاية. فهناك الانزعاج الأولي لدى سماع نبأ حدوث هجوم إرهابي جديد، يتبعه الشعور بالخوف والتساؤل: كم عدد الذين قتلوا هذه المرة؟ وتعني السرعة التي تظهر بها الصور على شاشة التلفزيون وعبر وسائل الاتصال الاجتماعي أننا بالكاد يتوافر لنا الوقت لنعد أنفسنا لما سنراه مع بروز التفاصيل. ومن المستحيل ألا يشعر المرء بمزيد من المشاعر القوية، بما في ذلك الغضب والخوف ونوع من التعاطف العاجز مع الضحايا.

حدث ذلك مجددا خلال الأيام القليلة الماضية، حيث اندفعت قوات الشرطة وأطقم المصورين إلى موقع صناعي في شرق فرنسا، حيث اكتُشف رأس مقطوع معلق على سور. وانطلق الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عائدا من بروكسل فيما كان القادة الأوروبيون الآخرون يعربون عن تعاطفهم في مواجهة الهجوم الإرهابي الثاني الذي تتعرض له فرنسا في ستة أشهر، وأثار هذا الحدث الأخير في سلسلة كابوسية من عمليات قطع الرؤوس، شعوراً بالغاً بالحزن، ثم توالت الأنباء عن هجمتين إرهابيتين في تونس والكويت، وفي غضون ساعات بدأت الصور تبرز موضحة جثث السياح في منتجع تونس وقد غطتها المناشف.

والصدمة التي يستشعرها معظم الناس في مواجهة هذه الأحداث مبررة ، فهي ما يفصلنا عن أولئك الذين يرتكبون مثل هذه الفظائع، ولكن الصدمة يمكن أن يهيمن عليها الشلل أيضا، الأمر الذي يبدي شعورا بالعجز.

الخوف والشلل هما جوهر مثل هذه الهجمات الإرهابية، فهي تستهدف القضاء على شعورنا بالأبعاد المختلفة، والمبالغة في قوة تنظيمات مثل «داعش» والقاعدة. وقد أعلن «داعش» مسؤوليته عن جريمتين من جرائم ذلك اليوم الرهيب، ولكن مثل هذه الإعلانات عن المسؤولية يتعين النظر إليها بحذر، فقد سبق للتنظيم أن أعلن مسؤوليته عن قتل السياح في متحف باردو التونسي في مارس الماضي، ولكن الحكومة التونسية تعتقد أن جماعة متفرعة عن تنظيم القاعدة هي التي نفذت ذلك الهجوم.

أيديولوجية شاملة

تشبه التنظيمات الإرهابية التي تزعم انتماءها إلى الإسلام، والإسلام بريء منها، اسما تجاريا يمكن للأفراد أن يشتروا أنصبة منه عند مستويات مختلفة، وبعض الأنصار يتم تجنيدهم عبر الإنترنت، ولكن أيديولوجيا شاملة قوامها العنف الإجرامي تجتذب المهووسين والمضطربين ذهنيا وذوي الأحقاد، والأشخاص الذين أقدموا على قتل 11 رساما وصحافيا في مقر مجلة شارلي إيبدو بباريس في يناير الماضي، تم تجنيدهم وفق قنوات مألوفة، وكان طريقهم إلى الإرهاب مختلفا عن طريق بعض الإرهابيين الذين رفعوا علم «داعش».

لسوف يواصل تنظيم «داعش» طرح الدعاية المخيفة التي يبثها مثل لقطات الفيديو التي تصور مشاهد قطع الرؤوس والإحراق المتعمد، كما حدث للطيار الأردني الذي أحرق حيا، طالما أنه يجد جمهورا يستجيب لهذه الدعاية المسمومة، وبين مشاهديها سيكون هناك بعض الشبان الذين يستهويهم العنف السادي، ولدى التنظيم نطاق من الخيارات مما يقدمه لهؤلاء، بما في ذلك أيديولوجية معدة جيدا تزعم أنها تقدم لهم طريقا مختصرا إلى الجنة عبر خوض قسوة لا كابح لها.

لا شك في أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قد صدم شأن الكثيرين إزاء تلك الأحداث الإرهابية، ولكن لم يكن أمرا مناسبا أن يبادر إلى توجيه الاتهامات والانتقادات إلى الجالية الإسلامية في بريطانيا، وواقع الأمر أن الأديان تشمل أجنحة متنافسة ويحدثنا التاريخ أن من معتنقي المسيحية والإسلام من زعموا أن لديهم تبريرات لعمليات القتل والتعذيب، بينما الدين براء من كل هذا. ويلفت نظرنا في هذا الصدد قيام أبو محمد العدناني أحد متحدثي «داعش»، ببث شريط صوتي يهدد فيه بالكوارث من وصفهم بالكفرة في رمضان، وكان ذلك قبل 3 أيام فقط من وقوع الهجمات الإرهابية.

ضحايا

يلفت نظرنا أن ضحايا الأحداث الإرهابية الأخيرة كان من بينهم سياح يمضون عطلتهم على شاطئ البحر المتوسط في تونس، ومصلون في أحد المساجد الكويتية ومدير شركة نقل فرنسية، والذين ما كانوا ليتصوروا قط أن يكونوا هدفا لمثل هذه النزعة البربرية، وقد أودت هجمات إرهابية سابقة بحياة رجال شرطة ومتسوقين وقرويين أبرياء في أماكن متباينة من بينها مصر ونيجيريا والدنمارك وغيرها، ولست أعتقد أننا ينبغي أن نتوقف عن الشعور باستفظاع مثل هذه الأحداث، ولكننا ينبغي أن تكون الأمور واضحة بالنسبة لنا فيما يتعلق بطبيعة ونطاق هذا التهديد، فالإرهابيون يكرهون الجميع، ولكنهم ليسوا ألمانيا النازية، ولسوف يفشلون لأن كل ما يقدمونه هو القسوة والموت.

Email