مهمة السياسيين التونسيين تزداد تعقيداً

مأساة سوسة اختبار للديمقراطية التونسية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد ثلاثة ِأشهر فحسب، من إطلاق النار على 22 سائحاً في متحف باردو في تونس، تعرضت البلاد للهجوم مجدداً، حيث قام مسلح ببندقية كلاشينكوف بقتل 38 شخصاً على الأقل على شاطئ مدينة سوسة، وكان معظم الضحايا من السياح الأجانب، الأمر الذي جعل هذا مأساة إنسانية وتحدياً عميقاً لديمقراطية تونس الوليدة في آن.

يعد هذا الهجوم الجديد أسوأ حادث إرهابي في تاريخ تونس، وهو يعني أن صناعة السياحة ذات الأهمية البالغة بالنسبة لتونس ستغدو ضعيفة على نحو خطير. والتحول الديمقراطي الذي علقت عليه آمال كبار بعد الربيع العربي، يتعرض للخطر أيضاً مع تصاعد النداءات من أجل سياسة أمنية أشد صرامة.

قام المهاجم بفتح النار على الشواطئ في فندقين في بور القنطوري في الطرف الشمالي من امتداد طويل من الفنادق المطلة على الشاطئ الذي يتخلل مدينة سوسة، وهذه المنطقة تعد المقصد الرئيسي للسياح الغربيين في تونس.

ووصفت سلمى اللومي وزيرة السياحة التونسية هجوم سوسة بأنه كارثة، وأقرت بأنه ليس هناك وسيلة لضمان «مخاطرة صفرية»، ووفق أحد التقديرات، فإن العائد من صناعة السياحة والقطاعات الاقتصادية المرتبطة منها شكل 14.9% من الاقتصاد التونسي في عام 2014. وحتى لو كانت صناعة السياحة قد بدأت في الانتعاش بعد 4 سنوات من الانتفاضات 2011، فإن إطلاق النار في باردو في مارس الماضي، وهذا الهجوم الأخير في سوسة، من المؤكد أنهما سيستهلان أزمة طويلة الأمد.

استهداف سوسة

ولكن على الرغم من السجل القياسي لعدد القتلى، فإن الهجوم الأخير ليس بلا سابقة تماماً، فقد تعرضت سوسة للاستهداف من قبل ربما لأنها تجتذب أعداداً كبيرة من السياح الغربيين، فقد تعرضت الفنادق هناك للهجوم بالقنابل في عام 1987 في ذروة الصدام بين النظام التونسي والحركة الإسلامية في البلاد. وفي أكتوبر 2013، فجر انتحاري نفسه على الشاطئ خارج أحد فنادق وسط سوسة في هجوم إرهابي فاشل.

دور مهم

وليست سوسة مقصداً سياحياً فحسب، وإنما لعبت دوراً مهماً في تاريخ البلاد، وقدمت جانباً كبيراً من النخبة الإدارية التي أدارت تونس منذ الاستقلال في عام 1956.

ولم يعرف بعد بشكل مؤكد من الذي كان وراء الهجمات الأخيرة، أو ما إذا كان المهاجم من سوسة، ولكن ربما كانت هذه الهجمات من إعداد مؤيد لداعش ينتمي إلى مجموعة تونسية متشددة تعرف باسم مجموعة عقبة بن نافع، ارتبطت بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، وخاضت حملة مسلحة ضد العسكريين وقوات الأمن منذ أواخر 2012.

وربما كانت هناك عملية مزايدة بين هاتين المجموعتين وهي مزايدة يمكن أن تتصاعد بالعنف في تونس، وهناك أيضاً إشارات إلى أن داعش كان يحاول تصعيد أنشطته داخل تونس كجزء من حملته الأوسع نطاقاً لتصعيد العنف في المنطقة.

ولسوف تحسم القرارات التي ستتخذها الحكومة التونسية خلال الأسابيع المقبلة مصير التحول التونسي الهش نحو الديمقراطية، وعلى الرغم من أن نظام بن علي تم إسقاطه في انتفاضة شعبية في يونيو 2011، إلا أن الكثير من المصالح السياسية والاقتصادية للنظام السابق يظل كما هو، وتظل القوى الأمنية دونما إصلاح إلى حد كبير والدلالة العميقة لا تزال تحدث تأثيرها في البلاد.

وهناك أمل بأن تونس سوف تتغلب على هذه التحديات على نحو ما فعلت مع تحديات أخرى منذ عام 2011، وقد وجد السياسيون التونسيون على الدوام سبيلاً للتفاوض حول حلول إجماعية في كل مرة هددت أزمة فيها هذا التحول الواعد والفذ نحو الديمقراطية، ولكن هذه المهمة تغدو الآن أصعب.

إجراءات

كان هناك ميل إلى اللجوء إلى الإجراءات المتشددة باسم الأمن والاستقرار في السنوات التي تلت الانتفاضة، ويعد انزلاق تونس انزلاقاً إلى الطرق القديمة التي تعتمدها الدولة خطراً لايزال قائماً، وقد بدا هذا واضحاً عندما انطلق الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي بعد الهجوم إلى سوسة للقاء الناجين من الهجوم، ووعد بأن «إجراءات مؤلمة لكنها ضرورية» سيتم اتخاذها، ودعا محسن مرزوق مستشار السبسي ورئيس حزب نداء تونس الذي يقود الائتلاف الحكومي، إلى إنشاء قوات أمنية تابعة للقطاع الخاص، وقال: «إننا في حرب ولا بد لنا من تطبيق القانون بصرامة». وقد قامت الحكومة التونسية بالفعل بتقديم مشروع قانون ينص على سجن أي تونسي يتبين أنه أساء إلى القوات المسلحة.

Email