التطورات الميدانية تؤكد عكس ما يقال عن ضعف «داعش» وتقهقره

سقوط الرمادي يزيد الشقاق بين بغداد وواشنطن

القوات العراقية أظهرت عجزاً في الدفاع عن الرمادي

ت + ت - الحجم الطبيعي

مجدداً، وفي أقل من عام تخلى الجنود العراقيون عن مواقعهم أرتالاً، هرباً من زحف قوات تنظيم «داعش». وجاء سقوط مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار مبدداً لأية شكوك حيال قدرات التنظيم: فعلى الرغم من المحاولات الأميركية لتصويره على أنه مجرد تنظيم ضعيف، أثبت «داعش» أنه لا يزال قوة كبرى تتخذ موقف الهجوم في عدد من الجبهات الرئيسية على امتداد سوريا والعراق.

لا تشكل الرمادي الجبهة الوحيدة التي تشهد تقدم قوات «داعش»، حيث شن التنظيم، أخيراً، هجوماً ضد معاقل القاعدة الجوية العسكرية لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، مدعوماً بعدد من العمليات الانتحارية في مدينتي تدمر ودير الزور شرقي سوريا، كما اشتبك مع ثوار سوريين ومقاتلين تابعين للنظام عند الجهة الشرقية من مدينة حلب، ومحافظتي حمص وحماة وجنوبي مدينة القنيطرة، بالقرب من الحدود مع إسرائيل.

حتمية مغلوطة

أما في العراق، قلا تقتصر مكاسب تنظيم «داعش» على الرمادي، وقد توغل في مدينة بيجي، حيث مصفاة تكرير النفط الأكبر في البلاد، وانطلق إلى تنفيذ اعتداء على بلدة الخالدية.

لم يشكل التقدم الأخير الذي أحرزه التنظيم مفاجأة لأحد، خلافاً لاحتلاله الموصل ومناطق أخرى من العراق العام الماضي. ونفذت الولايات المتحدة سبع غارات جوية هذه المرة في الرمادي، في محاولة لمنع سقوطها، وذلك في ظل تحذير المسؤولين هناك من إمكانية الهزيمة في حال لم يحصلوا على التعزيزات الكافية.

وهكذا، فإن الرواية التي تروج لحتمية تقهقر «داعش» تبدو مغلوطة، فعوضاً عن معاناته من النقص في الموارد والعناصر، يحكم التنظيم قبضته على السكان المحليين في معاقله في الموصل والرقة وسوريا، ويجذب أعداداً هائلة من المجندين، سيما المراهقين.

على غرار احتلال الموصل، يترك سقوط الرمادي بيد «داعش» مضاعفات يتردد صداها في ساحتي القتال السورية والعراقية. ففي سوريا، ستشعر الميليشيات العراقية الشيعية المحاربة إلى جانب الأسد أنها مجبرة للعودة والدفاع عن وطنها الأم، في خطوة قد تقوض أكثر قدرة النظام على التصدي لهجمات المقاتلين الحالية. وسبق أن ظهرت بعض المؤشرات على حصول ذلك، تمثلت بإعلان قادة إحدى الميليشيات المتمركزة في دمشق العودة إلى «العراق الجريح».

توترات

يهيئ الإخفاق في الدفاع عن الرمادي كذلك أرضية لتنامي حدة التوترات بين واشنطن وبغداد حيال استخدام الشيعة في التصدي لـ«داعش»، في خلاف هو الثاني من نوعه بين الطرفين بعد معركة تكريت.

وزعم أن الولايات المتحدة قد مارست الضغط على الحكومة العراقية لئلا ترسل ميليشيا الحشد الشعبي إلى الرمادي، وأصرت على ضرورة أن تقاتل القوات المحلية والجيش تنظيم داعش هناك. وأفضى ذلك إلى توجيه بعض القادة العراقيين أصابع اللوم في سقوط المدينة، إلى أميركا لاحقاً. ومع توجه هؤلاء إلى الأنبار اليوم لمجابهة التهديد المتصاعد من «داعش»، يبدو أن الأجواء تشير مجدداً إلى مواجهة أخرى مع واشنطن، التي تخشى أن يؤجج وجود المقاتلين الشيعة التوترات الطائفية في المحافظة السنية.

أثبت قادة الرمادي المحليون جدواهم في مجالس الصحوة المدعومة أميركياً، التي يعود إليها الفضل في انهيار تنظيم القاعدة في العراق عام 2006 و2007، والتي انبرت بشجاعة كذلك العام الماضي للتصدي لتنظيم «داعش».

كما أن أصداء سقوط الرمادي ستتردد خارج حدود الأنبار. وينبغي أن يكون واضحاً بالنسبة لواشنطن أن الاستراتيجية الأميركية المتبعة لمحاربة التنظيم قد باءت بالفشل. صب البيت الأبيض اهتمامه على شن غارات جوية على العراق، ولم يحرز سوى القليل من التقدم في مجال تدريب السنة المناوئين لـ«داعش» في سوريا والعراق، فأتاح بذلك مجالاً كافياً للتنظيم للتخطيط والمناورة وإعادة الانتشار. على الرغم من محاولات الولايات المتحدة التقليل من أهمية سقوط الرمادي، تشير التطورات إلى منحىً خطير وجديد للحرب. ويبدو تنظيم «داعش» مصمماً على السيطرة على مناطق جديدة على الرغم من قوة النيران الأميركية، والدعم الإيراني لعشرات آلاف قوات الشيعة والأكراد. وأصبحت الفكرة القائلة بأن «داعش» يتعرض للخسائر ويتقهقر مجرد كلام تافه.

أمس واليوم

قال وائل عصام المراسل الصحافي السابق الذي كان جزءاً لا يتجزأ من حالة التمرد في العراق:«بات يمكن للتنظيم بعد الرمادي، تقديم نفسه على أنه القوة السنية الوحيدة القادرة للتصدي للميليشيات الشيعية. وقد فشل السنة في تحقيق مطالب مجتمعهم لقرابة عقد من الزمن، وأصبحت أداةً لتشريع قمع الحكومة لهم». خلافاً لما حصل عام 2006، حين تصدت قبائل السنة لتنظيم القاعدة في العراق، تسود اليوم خلافات عميقة بشأن ما ينبغي القيام به حيال تنظيم «داعش». وسيجد أفراد القبائل الموالية للتنظيم أنفسهم، مع سقوط الرمادي، في موقع أفضل يؤهلهم لجذب أقربائهم إلى صفوفهم، متذرعين بفشل قادة القبائل الموالية للحكومة في الأنبار. ■ القوات العراقية أظهرت عجزاً في الدفاع عن الرمادي | أرشيفية

Email