العنف ثابت وحيد في اليمن ينبغي محاسبة المسؤولين عنه

فشل أممي بجعل صنعاء نموذجاً للانتقال السياسي

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

 في أحد صباحات يناير الماضي دوى صوت انفجار هز السفارة الإيرانية في صنعاء، وأثار الرعب في إحدى المناطق الهادئة عادة من المدينة. لقد جعل العنف، الذي تصاعد كثيرا منذ ذلك الوقت، من اليمن أخطر بقاع الأرض، وتسلل خلسةً ليصبح القاعدة والعرف هناك، ومضى يتغلغل في مفاصل البلاد، ويحث الميليشيات على ارتكاب الفظاعات، وشلّ أي شكل من أشكال المحاسبة والقصاص.

وقد حذر الكثير من اليمنيين، وأنا من ضمنهم، على مدى العامين الماضيين من مخاطر المسار السياسي الذي تنتهجه الأمم المتحدة في اليمن تحت شعار: «النموذج الانتقالي»، الذي جرّ في نهاية المطاف المزيد من العنف بدلاً من إحلال السلام، وقضى على كل أمل بنشر الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتماسك المجتمع.

إشارات مرعبة

في عام 2012، طرح الرئيس الأميركي باراك أوباما اليمن كأنموذج للسلام الذي يمكن الاحتذاء به وتطبيقه في العراق، لكن لم تكد تمضي بضعة أشهر حتى سقط اليمن في أيدي الميليشيات.

في حين جلبت السياسة التي اتبعتها الأمم المتحدة الأذى إلى اليمن، أكثر مما عادت عليه بالنفع، فبعد أن وضعوا حياة اليمنيين تحت رحمة الميليشيات، أخيراً، غادر الدبلوماسيون جميعاً العاصمة، صنعاء، متجهين إلى أماكن أكثر أماناً، وخلفوا أرتالاً من المواطنين اليمنيين العاديين على غير يقين ما إذا كانوا سيعودون إلى عائلاتهم آمنين كل يوم.

لقد أمضت سفارات العالم في صنعاء أياماً في حرق أوراق الملفات في محاولة لعدم ترك أثر، إلا أنها أرسلت بفعلتها تلك إشارات مرعبة، تدل على غياب ثقتها بالمسيرة الانتقالية التي سبق أن دعمتها قلباً وقالباً.

تصاعد دموي

اندلعت، في يناير الماضي الاشتباكات في العاصمة اليمنية مع إقدام الحوثيين على خطف مسؤول حكومي رفيع، وانطلقت شرارة الاقتتال في محيط القصر الرئاسي، فاستقال الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ورئيس الوزراء خالد بحاح أحد أبرز الشخصيات السياسية في اليمن، وتداعت البلاد مجدداً، حيث عمّ العنف البلاد من شمالها إلى جنوبها.

بعد سنوات من إعطاء آمال كاذبة لليمنيين، وفرض واقع سياسي أوجد الصراعات بدلاً من إحلال السلام، شرعت الأمم المتحدة في مساعيها نحو صفقة عقيمة جديدة، في حين كان اليمنيون غارقين في التساؤل حول ما وصلت إليه الأمور، وأين أصبحوا هم منها. وعلى الرغم من مدى التردي الذي تبدو عليه الأوضاع في هذه المرحلة، فإننا لم نصل إلى الحضيض بعد.

شهدت صنعاء، أخيراً، الاعتداء الأكثر دموية الذي استهدف مسجدين وقتل ما يزيد على 140 من المصلين، وأصاب أكثر من 200 منهم. في حين انطلقت، في وقت لاحق من اليوم عينه، الطائرات من صنعاء بقيادة الحوثيين في محاولة لتصفية هادي.

بعد أربع سنوات على مرور مجزرة الكرامة، عام 2011؛ تلك الحادثة المأساوية في تاريخ اليمن التي أزهقت أرواح 50 معارضاً يمنياً قضوا على يد قوات أمن الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، يصعب على المرء التصديق بأن اليمن قد انزلق أكثر فأكثر إلى الهاوية.

لقد أصبح العنف وتدني مستوى الحياة المظهرين الأبرز لليمن. وقارب عدد اليمنيين الغارقين في وحول الأزمة الإنسانية المستمرة في البلاد 16 مليون شخص. في حين تضاءل مستوى الخدمات الأساسية الفاعلة، وباتت أشبه بالمناسبة النادرة التي تطل مرةً كل عام.

لقد تحولت شوارع اليمن الآمنة، وفضاؤها المدني في الوقت الراهن، إلى مساحات تشغلها الميليشيات، ويعشش فيها انتحاريون مجهولو الهوية. أما في صنعاء فالموت وحده يملأ الأجواء ويتنقل بحرية وأمان.

سياسة عقيمة

يستدعي إحلال السلام في اليمن، من مكونات عملية الانتقال السياسي بأدواتها وعرابيها، الإقرار أولاً أن المسار الذي فرضوه على اليمن لم يوصل البلاد إلا إلى الكارثة، وقاد اليمن مباشرةً إلى الجحيم.

لقد سحب المجتمع الدولي اليمن من يده إلى عملية الانتقال السياسي تلك، وعليه أن يتحمل مسؤولية فعلته. لقد قطع العالم أوصال اليمن، وحان الوقت لأن يدفع ثمن ما اقترفت يداه.

أما سياسة إدارة الحوارات العقيمة غير الهادفة، في ظل احتلال مؤسسات البلد فليس سوى مضيعة للوقت، ونهج يتسبب في قتل المزيد من اليمنيين. ينبغي على من تراخوا واستغرقوا يوماً في حلم «النموذج اليمني» أن يصحوا، ويصلحوا الضرر الذي تسببوا به لها.

حالة كآبة

لقد أمضيت يوم جمعة من يناير الماضي، قبيل إخلاء السفارات، وقبيل تفجير السفارة الإيرانية في صنعاء، غارقاً في حالة من الكآبة وأنا أقدم واجب التعزية لأربع عائلات يمنية قضى أبناؤها في حادثة تفجير بالقرب من أكاديمية الشرطة في صنعاء.

أحد هؤلاء، ويدعى وائل، صديق من المدرسة القديمة كان قد ذهب في ذاك اليوم المشؤوم للتسجيل في أكاديمية الشرطة ليرجع جثةً هامدة. أما الثاني، ويدعى أمير، فقد رحل عن الدنيا تاركاً وراءه زوجةً مريضة وولدين توكل مسؤوليتهم اليوم لعائلة أخيه وأقاربه.

Email