الدبلوماسية اللينة والاقتصاد الجبار ركيزتا استراتيجية الصين

القوة العالمية بين انكفاء واشنطن واجتهاد بكين

بكين تسعى لسد الفراغ الذي تركته واشنطن بدبلوماسية حاسمة ــ أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أمضت الصين جانباً كبيراً من العام 2014 تبذل المساعي لإحياء مفهوم كانت اليابان قد أعلنت عنه قبل سبعة عقود، حين كانت قوة امبريالية تسعى لفرض هيمنتها على المنطقة تحت شعار «آسيا للآسيويين». إلا أن الجهود الصينية قد لا تؤول إلى الخاتمة السيئة ذاتها التي وصلت إليها اليابان.

عادةً ما تميل التغييرات المتسارعة في توزيع السلطة إلى زعزعة العلاقات الدولية. وتذكي مقاومة القوى العظمى لنظرائها الصاعدين المطالبين بالحصول على دور أكبر في وضع الأجندة العالمية، التوترات، وتخلّ بالنظام العالمي القائم. وينطبق هذا تماماً على التطورات الأخيرة، في العلاقات الصينية الأميركية، ويعتبر المحرك الأساسي لسياسة الصين القائمة على مبدأ «آسيا للآسيويين». ووجهت الصين، أخيراً، ضربةً إلى النظام الإقليمي بإعلانها بشكل أحادي عن منطقة تحديد الدفاع الجوي فوق مساحة واسعة من بحر الصين الشرقي.

اضطرت الولايات المتحدة، أخيراً، إلى تحويل انتباهها إلى روسيا المتجهة، بقيادة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نحو إعادة السيطرة على الوضع الجيوسياسي للاتحاد السوفييتي أثناء فترة الحرب الباردة. حين اتضح لروسيا أن ارتفاع نسبة المشاعر المؤيدة لأوروبا في أوكرانيا يهدد سلطتها الإقليمية، فاجتاحت القرم وضمته لها، وبدأت تدعم الانفصاليين في شرقي أوكرانيا، فدفعت الولايات المتحدة وأوروبا إلى فرض عقوبات سياسية واقتصادية قاسية عليها.

تبدل المصالح

وغدت الصين في ظل هذا الصراع الدائر، نوعاً من الحليف الأميركي بالفعل، علماً أن صفقات الغاز التي يتم التفاوض عليها منذ زمن بعيد بين الصين وروسيا قد تنعكس تعميقاً في العلاقات الثنائية بين البلدين.

يذكر أن الصين كانت قد أوقفت القروض عن روسيا منذ اجتياح القرم، مما يعني في المنظور البعيد أن الصينيين يعتبرون روسيا مجرد تابع للموارد الطبيعية، وليس حليفاً نداً.

شهد العام 2014 كذلك تبايناً واضحاً في السياسات الصينية والأميركية حيال مسألة كوريا الشمالية، حيث أعرب الرئيس الصيني شي جينبينغ عن عدم استعداده للتغاضي عن أي تصرف منفلت يصدر عن حكام كوريا الشمالية، سيما فيما يتعلق بمسألة الأسلحة النووية. ودفع ذلك بكوريا الشمالية، التي تعتمد على المساعدات الصينية إلى إرسال محاورين إلى اليابان وروسيا وكوريا الجنوبية. إلا أن النظام أعلن وقف الاختبار النووي الرابع، عقب قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة بشأن وضع حقوق الإنسان في كوريا الشمالية.

وأتى تغير موازين القوى للعام 2014، جزئيا، بنتاج طموحات روسيا التوسعية، أو صعود الصين العسكري والاقتصادي، وانحسار القيادة الأميركية الدولية. فالرئيس الأميركي باراك أوباما غير قادر، أو مستعد، للإمساك بزمام الأمور في التعامل مع أزمات سوريا، وليبيا، مما دفع بالمتصدين للتفوق الأميركي إلى إظهار التجاسر عام 2014، فيما دب الخوف في قلوب الحلفاء. لا بد للقوة الدولية أن تتجمع في مكان ما، وإن لم تتمكن أميركا من الاضطلاع بدورها القيادي على الساحة الدولية، فسيدخل طرف بديل على الصورة.

ويبعث ابتعاد الصين، أخيراً، عن سياسة لي الأذرع ووجود تقارب مصالح بينها وبين نظام بقيادة الولايات المتحدة، على الأمل بألا تكون مصدر زعزعة إقليمية واسعة النطاق في العام 2015. علماً أن القادة الصينيين باتوا أكثر استعداداً لمناقشة وضع شرعة مسلكية مرتبطة ببحر الصين الجنوبي.

الدبلوماسية الناعمة

ويبقى العنصر الأبرز في دفاع الصين جهودها لتحسين العلاقات مع اليابان. وتعزز دبلوماسيتها الجديدة الأكثر ليونة سياسة خارجية مغايرة. قدمت الصين حوافز اقتصادية سخية للدول الآسيوية الجنوبية الشرقية المجاورة، وأوهنت إرادتها على التكتل لمواجهتها. تتحول الصين، في الواقع، من اعتماد القوة الصلبة إلى اعتماد الناعمة في المنطقة، وتوظف قوتها الاقتصادية في تحدي المؤسسات المسيطر عليها من الغرب.

بانتظار التعافي الشامل للاقتصاد الأميركي من ذيول الأزمة الاقتصادية العالمية، وتنامي مستوى الاختلال الوظيفي الذي يعتري السياسة الأميركية، تسيطر حالة من الفراغ على هالة القوة العالمية. وهو فراغ تتمنى الصين شغله بدبلوماسية حاسمة واقتصاد جبار، بدءاً من آسيا. ولا يقتصر ذلك على أن آسيا للآسيويين فقط، بل قد يشمل دوراً إقليمياً متناقصاً للولايات المتحدة سيما مع تحويل أميركا اهتماماتها إلى الداخل خلال موسم الانتخابات الرئاسية الذي ينطلق في العام 2015.

تصعيد مطرد

شكل إعلان منطقة تحديد الدفاع الجوي تصعيداً لموقف الصين الحازم أصلاً في المنطقة، في ظل إرسال الرئيس الصيني بشكل دوري سفن المراقبة البحرية، وتطبيق قانون الصيد في المياه المحيطة بالجزر، مما أثار موجةً من الاحتجاجات في كوريا الجنوبية واليابان، ودفع بالولايات المتحدة، التي حفزها غضب الحلفاء إلى إرسال قاذفتين إلى منطقة تحديد الدفاع الجوي.

وتواصل ارتفاع حدة التوترات في مطلع 2014، ورفع هامش المخاوف من حدوث «حرب عرضية» بين الصين واليابان، قد تستدعي تدخل أميركا، التي تعتبر الحليف الأساسي لليابان. أضف إلى كل ذلك التوترات المتزامنة والمتعلقة بمطالبة الصين بجزر بحر الصين الجنوبي وحلقاته المرجانية، حيث بدت تلوح في الأفق دلائل صدام صيني أميركي محتوم.

Email