قلق أميركي أوروبي من المضاعفات الأمنية وتدفق اللاجئين

التحرك الأممي في «فوضى ليبيا» بلا خطة واضحة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

غذت الأمم المتحدة، أخيراً، الخطى في محاولتها التفاوض على توقيع اتفاقية بين الأطراف المتنازعة في ليبيا. وجرت الجولة الأولى من المفاوضات برئاسة الممثل الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا برناردينو ليون، وعقدت لقاءً بين السياسيين المتنازعين، في غدامس الليبية، على أن تجرى جولة أخرى من المفاوضات قريباً.

ويكمن مفتاح توقع فشل محادثات الأمم المتحدة في القول إنه حتى إذا تم إعلان اتفاق واضح، فإنه سيكون على الطراز الليبي المحض، أي أنه سيعيش لفترة قصيرة، قبل أن يستأنف مناصرو الأطراف المتنازعة القتال، بحيث لا تشكل ضرورة تدخل الأمم المتحدة مجدداً في ليبيا صدمةً لأحد. يأتي ذلك في حين يرى البعض ان التحرك الأممي في "فوضى ليبيا" من دون خطة عمل واضحة المعالم والنهايات.

الظاهر والمضمون

وفي حين تسعى كل من الأمم المتحدة والسودان إلى تسوية النزاع الحاصل بين حكومتي طبرق وطرابلس، فإن من الواضح أن أية محادثات جارية هدفها الاستعراض فقط. وكان من المقرر أن تمهد نتائج مفاوضات الخرطوم، التي لم يحضرها سوى أعضاء حكومة طبرق، الطريق إلى بدء تعاون نحو توقيع اتفاق عربي شمال إفريقي مشترك للمضي قدماً.

وهي مسألة تشكل وفق مصادر الأمم المتحدة الملمة بالأمور، خطوة على المسار الصحيح. في الوقت عينه، ينفي الاجتماع، نوعاً ما، أن الخرطوم هي الداعم الرئيسي لجماعة الإخوان المسلمين، وقطعاً حركة فجر ليبيا في طرابلس. أي أن الاجتماع ونتائجه مجرد كلام فارغ لا أكثر.

جهود فارغة

أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن دعوة جميع الأطراف الليبية إلى اعتماد أعلى درجات الترفع لضمان وقف أعمال العنف، وإتاحة الفرصة لإقامة الحوار.

وجاء ذلك، قبيل تحذير الأعضاء الرئيسيين للمجتمع الدولي، في بروكسل، من أن فشل اللاعبين الأساسيين في المشاركة في المحادثات سيؤدي إلى اتخاذ «إجراءات إضافية» لحماية وحدة واستقرار ليبيا وازدهارها، في إعلان يبدو تمهيداً لتدخل قوات «ناتو.

ضرورة "ناتو"

تقرع الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون، بمن فيهم فرنسا وإيطاليا طبول الحرب بصمت، في الوقت التي اعتبرت أن عملية "ناتو" المنفذة عام 2011 ما كان يجب أن تحصل. وتشعر هذه الدول الآن بالقلق حيال ليبيا، التي تشكل بنظرها مرتع الإرهاب الذي قد يجتاح جميع دول المغرب العربي، ويدفع بالمزيد من اللاجئين إلى جنوبي أوروبا، ويؤكد على الضرورات الأمنية لـ"ناتو".

وتتخذ القوات الأجنبية مواضع أقرب إلى ليبيا، فيما يبدو تدخلاً حتمياً ناجماً عن التهديد الأمني، الذي يطال الاتحاد الأوروبي ككل. يتعين على "ناتو" اتخاذ إجراءات حيال مخيمات "داعش" بشكل عاجل، وبغض النظر عن نتائج المفاوضات، التي تدخل فيها الأمم المتحدة كوسيط.

وتقبع على هامش الأحداث روسيا، التي اختتمت منذ وقت قريب منتدى التعاون العربي الروسي في الخرطوم. وصادف أن حدث الاجتماعان بشكل متكافئ، فالكرملين يريد لمحادثات الأمم المتحدة أن تحقق النجاح، ويعتبر أن عدم تدخل "ناتو" مجدداً في ليبيا قضية تحتل اهتمام روسيا على أعلى المستويات.

من جهة أخرى، قد يدرك الكرملين أن عودة قوات "ناتو" إلى ليبيا مجدداً تجعل من حجة موسكو المتعلقة بالثورات الملونة، المحرّض عليها من قبل واشنطن وبروكسل، أكثر قبولاً، وتضعف بالتالي انجذاب "ناتو" لأوكرانيا.

التقسيم والنفوذ

وتلعب بعض الدول دوراً في تقسيم ليبيا إلى مناطق نفوذ خاضعة لسيطرتها بوجه دول عربية أخرى. فالسودان تدعم حركة فجر ليبيا، ولا تخفي حكومة أنقرة دعمها للمؤتمر الوطني العام المتمركز في طرابلس وحكومة عمر الحاسي غير المعترف بها من قبل المجتمع الدولي، بوجه برلمان وحكومة عبدالله الثني، وما من مفاوضات تقوم بها الأمم المتحدة ستمنع هذا الانقسام.

في النهاية، من الواضح أن خطوط المعركة قد رسمت، وأن الأمم المتحدة تخوض في هذه الفوضى من دون خطة عمل واضحة. إحلال السلام في ليبيا ليس بالمعادلة السهلة، والتنبه إلى حقيقة إبعاد الأمم المتحدة وإدخال حلف "ناتو" على خط التسوية قد يحشد أصواتاً مطالبة أسرع مما هو متوقع.

المصالح والواقع

كالعادة، فإن الأمم المتحدة وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تفشلان في فهم الوضع على أرض الواقع. فالجهات الممثلة بحركة فجر ليبيا عبارة عن متشددين ووجودهم يجذب جميع الأشرار من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سيما عناصر تنظيم »داعش" المتمركزين حالياً في درنة، والآخذين بالانتشار في جميع أنحاء ليبيا.

يشكل فهم التركيبات القبلية والولاءات القائمة أهمية فائقة في الدوامة الحالية التي تعصف بليبيا. فمعرفة مختلف القبائل والعشائر، التي تنتمي إليها تعتبر أمراً أساسياً من القاعدة صعوداً.

تدعم بعض الجهات الإقليمية قيام جمهورية إسلامية ذات نفوذ في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو أمر تشجعه بعض الأوساط الغربية، سيما ريتشارد أوتاواي، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس العموم البريطاني، ويرى فيه عامل مساعدة لا عرقلة في التوصل إلى تسوية الوضع الراهن.

Email