واشنطن تحتاج إلى تحقيقات تفضح الأكاذيب وتدين التعذيب

الخوف والذنب وراء ضجة تقرير الكونغرس

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

الصخب غير الاعتيادي في واشنطن حول تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي، بشأن برنامج وكالة المخابرات المركزية للحجز والتحقيق، خلال السنوات التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، هو حصيلة شعور بالخوف والذنب. الذنب جراء إشراف وتغاضي كبار قادة أميركا، بدءاً من الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن، عن الأساليب غير الشرعية «البغيضة» ضد المحتجزين المشتبه بهم، والتي تفاقمت إلى حدّ التعذيب الواضح. والخوف المتفشي في أوساط المعنيين من أن يتم تقديمهم للعدالة ومعاقبتهم بعد فضح ما اقترفوه، والاعتراف العلني بمسؤولياتهم، كما هي حال نائب الرئيس السابق لبوش ديك تشيني. لقد خذلوا المبادئ والقيم التي تأسست أميركا الحديثة على أساسها، وقضوا على مطلبها الأخلاقي القائم على أنها نموذج قيادة العالم.

معادلة مرفوضة

أقر الرئيس الأميركي باراك أوباما بهذا الضرر في رده على تقرير مجلس الشيوخ، إلا أن محاولته إيجاد توازن بين إدانة ما حدث، وتفهم ضغوطات الفرقاء المعنيين قد لا ترضي أحداً. رفض السناتور الديمقراطي مارك أودال تأكيد أوباما على إمكانية منح الثقة لوكالة المخابرات المركزية برئاسة جون برينان، وأصر على استقالته بسبب «كذب الوكالة حيال تقديم معلومات دقيقة عن أعمال التعذيب»، وأكد على ضرورة تقديم أوباما المذنبين للعدالة.

وتبقى مسألة المحاكمات من ضمن قضايا كثيرة تحتاج للمعالجة الملحة، حيث يبدو موقف أوباما محاولة لطمس الجدل القائم. هناك نطاقان أساسيان لإجراء التحقيق: الأول يدور حول الذنب الذي يتحمله أفراد وكالة المخابرات المركزية المتورطون مباشرة بأعمال التعذيب، والمسؤولون التنفيذيون الذين أمروا وصادقوا على تلك الأعمال. وينطوي المجال الثاني على إمكانية تآمر الوكالة مع آخرين للتستر على تلك الأعمال حتى الآن، وفق مزاعم أودال. ويتعين على أوباما إجراء تحقيق جنائي شامل من دون خوف، أو محاباة، أو تأخير.

ضرورة الاعتراف

وتتمثل إحدى القضايا الملحة الأخرى في إقرار القائمين بالتعذيب بأن أساليبهم لم تثمر عن معلومات استخبارية فعالة، وأنها ربما حملت نتائج عكسية. وقد كشف برينان أنه «من غير المعروف» ما إذا كانت المعلومات المستقاة قد أحبطت المخططات الإرهابية، أو أنقذت حياة الناس. من الأهمية بمكان كذلك فضح كذبة تبرير التعذيب في أي زمان ومكان، لمرة نهائية. ويجدر بمقدمي الاعتذارات المتملقين الشعور بالخزي لإعطاء أميركا الحق، على غرار الدول الأخرى، بتجاهل القانون الدولي واللجوء للتعذيب. وتتسم التساؤلات، التي تبقى من دون إجابات واضحة في واشنطن بالتأثير ذاته في لندن. فإقرار الحكومة البريطانية المتردد، عقب الإنكار المبدئي بحذف أجزاء من التقرير الأميركي بعد النقاش مع الأجهزة الأمنية البريطانية، يؤكد مدى صعوبة الوثوق أو تصديق ما يقال لنا حين يتعلق الأمر بالأمن القومي، مهما كان تفسيره.

لقاء مشبوه

عزز لقاء وزيرة الداخلية البريطانية تيريزا ماي، ولورد ويست المسؤول السابق عن الاستخبارات الدفاعية مع أعضاء لجنة الاستخبارات الأميركية لمناقشة مضمون التقرير قبيل الإعلان عنه، الشكوك حيال خضوعه لعملية غربلة تقي الحكومة البريطانية الإحراج. وتتضمن الشكوك المبنية على أسس متينة التساؤل حول مدى معرفة المسؤولين والجواسيس البريطانيين، وتورطهم في الأعمال المخلة بالقانون، بما في ذلك اعتقال وإساءة معاملة المشتبه بهم. كما في الولايات المتحدة، فإن المسؤولين رفيعي المستوى، بمن فيهم أعضاء حكومة حزب العمال السابقة، مثل وزير الخارجية البريطاني السابق ديفيد ميليباند، ينبغي أن يحظوا بفرصة الإفصاح عما يعرفون، والاعتراف بالأمور التي ارتكبوها.

وينبغي لتحقيقات الشرطة الحالية وتحقيق لجنة المخابرات والأمن البريطانية الثاني ألا يقفا عائقاً أمام المصلحة الوطنية والعامة الواضحة، والمتمثلة بإجراء تحقيقات شاملة تتضمن إحالات على نطاق واسع وبنود مرجعية واضحة. لا تملك لجنة المخابرات والأمن صلاحيات الإحضار عبر مذكرات، ولا يمكنها المطالبة بالاطلاع على الوثائق أو الشهود. إن وطأة الأمور المفصح عنها في أميركا لا تقبل التفسيرات المنقوصة، وأنصاف الحقائق، والتأخير، والتعتيم. وحدها التحقيقات القضائية الفورية تلبي الحاجة لمحاسبة شاملة لمدى التورط البريطاني في هذه الحلقة المخزية من تاريخ أميركا.

انتقام

يتغلغل الشعور بالذنب عميقاً، ويعكس الإدراك المتأخر، والمرحب به، بأن النتائج المؤلمة لاعتداءات القاعدة على نيويورك وواشنطن، لا تبرر للولايات المتحدة تجاوز القانون الدولي والمحلي. لسوء الحظ، وكما هو واضح الآن، هذا تحديداً، ما قام به بوش وتشيني ومستشاروهما ، والثلاثي السابق من مديري وكالة المخابرات المركزية. وقام هؤلاء الحانقون والمتحمسون لخطابات الغرب العنيفة المؤيدة لبوش في «حربه العالمية على الإرهاب»، بالتحايل على رقابة الكونغرس وتجنيد وإغواء شركاء خارجيين مستعدين كبريطانيا، وشرعوا في شن حملة عالمية مقنعة من العمليات غير الشرعية،. ونسي بوش وأتباعه بذلك أبسط مبادئ الأخلاق الإنسانية الأساسية، واستخفوا بقانون حقوق الإنسان وشرعة الأمم المتحدة المناهضة للتعذيب.

Email