مواقف تركيا السلبية من الصراع تعرّض عضويتها في «ناتو» إلى المساءلة

الإرادة والاستراتيجية حجرا ارتكاز القضاء على «داعش»

أوباما بحاجة إلى وضع استراتيجية واضحة لمواجهة «داعش» ــ أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتبر «داعش» تنظيماً خبيثاً ووحشياً يهدد بشكل مباشر الاستقرار في الشرق الأوسط، وفي نهاية المطاف، دول العالم أجمع. بيد أنه لا يتعدى من حيث النطاق جامعة صغيرة في إحدى الولايات الأميركية، لا يفوق عدد طلابها الثلاثين ألفاً. كما أن التنظيم لا يملك قوة جوية أو بحرية، ولا يعتمد على قاعدة تحصيل ضريبية أو أية مصادر أخرى موجودة في أصغر الدول وأضعفها.

لم تكن الولايات المتحدة الأميركية بحاجة لأكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة لإلحاق الهزيمة بدول المحور خلال الحرب العالمية الثانية. وقد كانت ألمانيا وحدها إبان الحرب المذكورة قادرة على نشر 20 مليون جندي في الميدان. ما السبب إذاً، الذي دفع بالأدميرال الأميركي، جون كيربي، الناطق باسم أقوى جيش عرفه العالم، إلى أن يجيب، عند سؤاله عن الوقت الذي يتطلبه القضاء على تهديد بسيط بحجم تهديد «داعش»، بالقول إن ذلك قد يطول لخمس أو ست سنوات، أو حتى أكثر من ذلك؟

إلا أن إلحاق الهزيمة بالتنظيم يتطلب أكثر من مجرد هجمات جوية. ينبغي على قوات المشاة أن تستولي على المناطق، حيث تضعف قوات «داعش»، وأن تصمد فيها. ولا تقتضي الضرورة أن تكون قوات المشاة تلك أميركية صرفة، أو أن تضم جنوداً أميركيين أصلاً، إلا أنه لا مناص من وجودها على الأرض نظراً لأن واشنطن تقود التحالف ضد «داعش».

ولم تقم أي من دول التحالف، عملياً، بتقديم التزامات مجدية تحتّم عليها نشر قوات ميدانية، وخوض المخاطرة المطلوبة ليس لإضعاف «داعش» وحسب، بل للقضاء عليه تماماً.

الإرادة والاستراتيجية

لقد أظهر التحالف والولايات المتحدة مراراً وتكراراً افتقارهما لعنصرين أساسيين ضامنين لتحقيق فوز حاسم. العنصر الأول هو العزيمة، بمعنى التحلي بإرادة إرسال القوات المطلوبة بالأعداد المطلوبة، وتحمل المخاطر المرافقة، كما الإرادة لحث دول الحلفاء والتأكد من أنها تقوم بواجبها. وتحتاج تركيا، على سبيل المثال، لأن تعلم أن العجز في الاعتماد عليها كشريك موثوق به يعرّض عضويتها في منظمة «ناتو» للمساءلة.

أما العنصر الثاني فيتمحور حول الاستراتيجية. وقد مثل اعتراف الرئيس الأميركي باراك أوباما في أغسطس الماضي بأن «أميركا لا تملك أي استراتيجية بعد» لمواجهة «داعش»، شعار واشنطن القديم القائل: وما الهفوة سوى سياسي يقول الحقيقة من دون قصد. كما أن تأكيد أوباما الأخير بوجود استراتيجية أميركية أتى غير مقنع. بغض النظر عن إرادة الفوز، ليس هناك من استراتيجية لتحقيق هذا الانتصار.

مخطط لملء الفراغ

حتى لو تمكنت الولايات المتحدة من هزيمة تنظيم «داعش» عسكرياً في كل من العراق وسوريا، فإنه لا يوجد مخطط واضح المعالم لملء الفراغ السياسي والاقتصادي والاجتماعي الناجم عن التخلص من التنظيم. ففي سوريا، قد يؤدي الانتصار على قوات «داعش» إلى تقوية شكيمة نظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي يعتبر مسؤولاً في المقام الأول عن التسبب في مقتل مئتي ألف شخص، وإحداث كارثة هائلة على المستوى الإنساني. أما في العراق، فإذا أسفرت النتيجة الوحيدة للفوز عن إيجاد نظام بقيادة شيعية في بغداد يتماهى سلوكه مع سلفه، فلن يطول الأمر كثيراً قبل أن يؤدي الاضطراب السني إلى بروز موجة عنف جديدة. وقد سبق للعالم أن شهد السيناريو عينه.

تحتاج أميركا إلى استراتيجية أشمل يتعاون فيها مع العراق لقطع الطريق على تمدد بقعة التشدد، وهذه الاستراتيجية يجب أن تشمل أيضا تطويق العشرات من مجموعات الدخلاء في كل من غرب إفريقيا وآسيا، ضمن عملية «تضييق الخناق»، التي تتمثل بالتخلص من المشكلة في مكان ما لتنفجر أخرى في مكان آخر من العالم. لا يكفي، على حد قول أوباما، النظر إلى الأمر على أنه «مشكلة الأجيال».

هذا هو لبّ الأمر وجوهره، إذ لا يسع المرء النظر إلى الجهود الظرفية الفاترة للقضاء على «داعش» من دون التفكير في أن الغاية ليست فعلاً التغلب عليه، بل على الإعلام السيئ. إنها سياسة تكميم النقد العام، الذي لن يتوقف قبل أن يقدم أوباما على الأقل على ترتيب طاولته في المكتب البيضاوي وإعادة تنظيمها.

دروس التاريخ

شهدت حرب أميركا على حركة طالبان، التي امتدت لثلاثة عشر عاماً، على مدى صعوبة محاربة حركات التمرد، لكن ليس هذا جوهر القضية. فخلافاً لحركتي القاعدة وطالبان، لا يعتمد تنظيم «داعش» في حربه على أسلوب حرب العصابات وحسب، بل يسعى التنظيم إلى السيطرة على الأراضي، والتمركز فيها، وإنشاء سلاسل الإمداد والحفاظ عليها، كما حماية شحنات النفط غير الشرعية، عبر جهود حثيثة تهدف لبناء دولة. يعتبر تنظيم «داعش» قوة هجينة تجمع بين المتمردين وقوات الجيش النظامي، علماً أنه لا يفترض بالولايات المتحدة أن تلاقي صعوبة في هزيمة أي جيش نظامي تقليدي.

لا يمكن ترك أمر القيادة لباقي دول التحالف الأميركي، سيما أن معظم المشاركين قد وافقوا على القيام بمهمات ثانوية، بعيداً عن المعارك الميدانية. أضف إلى ذلك أنه لا يمكن الحسم حيال موقف بعض الدول من التنظيم.

Email