الخوف من التدهور وراء الحضور الأوروبي في ليبيا

الحكومة الليبية بحاجة إلى الحماية من الميليشيا المتكالبة على السلطة أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

توقف المراقبون طويلاً أمام البيان الذي أصدرته وفود الدول الإحدى عشرة التي اجتمعت، أخيراً، في أوروبا لمناقشة الأزمة في ليبيا، والذي تضمّن توصيات مخففة اللهجة على نحو متوقع، منها: دعم الحكومة الرسمية، ووضع اقتراحات لجعلها أكثر شمولاً، ودعوة الميليشيات للانسحاب، وتقديم اقتراح يفوض الأمم المتحدة بإجراء حوار شامل بين الأطراف المتقاتلة.

إلا أن ما تريده ليبيا هو قوة حفظ سلام أوروبية تؤمّن حمايةً للحكومة الليبية من المجموعات المسلحة المختلفة المتكالبة على السلطة، ونشر قوات أخرى تتيح إعادة بناء مؤسسات الدولة الليبية.

لم تحقق الأحزاب الإسلامية نجاحاً يذكر في انتخابات يونيو الماضي لتشكيل برلمان يخلف المؤتمر الوطني العام، فاشتعلت المعارك غربي ليبيا، وسيطرت الميليشيات الإسلامية على مطار طرابلس في أغسطس الماضي، وأعلنت بقاء المؤتمر الوطني العام سلطةً تشريعية شرعية في البلاد.

أصبحت ليبيا منقسمة بين حكومتين متنافستين: الحكومة القديمة في طرابلس، وأخرى جديدة في طبرق شرقي البلد. لكل من الحكومتين رئيس، ومجلس وزراء، وسلطة تشريعية، وقوات خاصة بها. وحده المصرف المركزي بقي من ضمن المؤسسات المحايدة، وهو معرّض اليوم لخطر الوقوع تحت سيطرة المقاتلين المتمركزين في طرابلس، والتسبب في زعزعة الاستقرار.

تقف ليبيا على حافة الوقوع في حرب أهلية، والغرق في حالةٍ من الفوضى تهدد بنشر الاضطراب في المنطقة بكاملها، عبر دفع منطق تقاتل الدول بالنيابة داخل ليبيا. الحوار يعيش حالة احتضار، وليست هناك من مداهنة دبلوماسية قادرة على إحيائه. لقد بذلت عدد من الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، وهيئة الأمم المتحدة لدعم ليبيا التي أسِّست عام 2011 لتسيير أوضاع البلاد في المرحلة الانتقالية، جهوداً حثيثة لحض الفصائل المختلفة على إجراء محادثات. إلا أن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل، نتيجة غياب الدوافع الكافية لتلك الفصائل، المدججة بالسلاح والمال، إلى التعاون.

يشكّل وجود قوة حفظ سلام العامل الوحيد القادر على إحداث فارقٍ اليوم، لا سيما أن بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا لم تتمتع إلا بصلاحيات اقتصرت على المساعدة على بناء مؤسسات الدولة، ولا يمكن لمجلس الأمن الدولي كذلك توسيع صلاحياتها. إن مسؤولية تشكيل قوات حفظ سلام في ليبيا تقع على عاتق الدول الأوروبية بشكل مباشر، نظراً إلى ما لها من مصالح سياسية واقتصادية طويلة المدى في شمالي إفريقيا، ومخاوف متعلقة بالهجرة. وهي في النهاية الخاسر الأكبر من انهيار ليبيا التي تشكّل خاصرة الاتحاد الأوروبي.

لقد كان الأوروبيون في طليعة القوى التي تدخلت عام 2011، بدعم لوجستي واستخباراتي من الولايات المتحدة الأميركية، ويجب أن يكونوا في مقدمة أي إجراء يتم اتخاذه اليوم. وينبغي أن يتخذ نموذج التدخل طابع قوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن التي قادها «ناتو» للقضاء على حركة طالبان في أفغانستان، مستندةً إلى دعم لوجستي واستخباراتي أميركي. وينبغي أن تقتضي أولى المهام مؤازرة حكومة طبرق عبر حماية البنى التحتية الأساسية ومؤسسات الدولة، وإبعاد الميليشيات عبر منعها من السفر إلى المناطق معادية، إضافة إلى السيطرة على مصادر تدفق السلاح.

منذ نهاية الصراع عام 2011، ومختلف الحكومات الليبية مترددة في طلب المساعدة الدولية، خشية فقدان شرعيتها حيال الشعب الليبي. إلا أن الأوضاع تبدلت دراماتيكياً اليوم، ودفعت أعضاء المؤتمر الوطني العام، والبرلمان على حدّ سواء إلى الاقتناع بأن التدخل الخارجي هو السبيل الوحيد نحو دولة موحدة. لا شكّ في أن إنشاء قوات حفظ سلام أوروبية في ليبيا مهمة صعبة، سياسياً، ومالياً، واقتصادياً. لكن البدائل المتاحة أسوأ، وهي تضع حكومات أوروبا أمام خيارين واضحين: فإما التقدم بحزم، أو الشهود على دولة عربية أخرى مفككة على أعتابها.

آمال محبطة

تدهور الوضع الأمني في ليبيا سريعاً، بعد إطاحة الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، عام 2011. وسادت أجواء من الأمل مع انتخابات يوليو 2012 البرلمانية الأولى، وتوجُّه المؤتمر الوطني العام إلى بسط سيطرته على ائتلاف الأحزاب الليبرالية. إلا أنه سرعان ما ارتفعت حدة التوترات بين تلك الأحزاب وائتلاف الأحزاب الإسلامية المناهضة.

Email