وقوف أنقرة بلا حراك خطأ آخر يضاف إلى قائمة عريضة

مواقف تركيا تُعرّض مستقبل «ناتو» للخطر

دور فعال للبشمركة في المرحلة المقبلة أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

عين العرب ستسقط، في غضون وقت قصير، أو ربما خلال أيام فقط. لكن هذه المدينة السورية ستسقط بالتأكيد ضحية لحسابات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المثيرة للسخرية، المتمثلة في رفضه اتخاذ أي خطوات بشأن عين العرب، فضلا عن تركه جيشه القوي يتمركز على طول الحدود مع سوريا على بعد بضعة كيلومترات من المدينة المنتهية بالفعل دون دخولها. يبدو أنه فضل تنظيم «داعش» على الأكراد.

عين العرب ستكون ضحية لعبة مزدوجة تلعبها تركيا. فبينما تسمح أنقرة بدخول كل المتطرفين إلى المنطقة، تغض الطرف في الوقت ذاته عن الأسلحة الثقيلة، التي يرسلها التنظيم منذ أسابيع نحو المدينة المحاصرة، حيث يجري الآن استخدامها لقصف المدينة ذاتها. وتغلق تركيا وتحاصر كل شيء ممكن، بينما تلعب دور البريئة، وفي الوقت عينه تشل حركة جيشها

الصمود المعجزة

لا يمكن للمعجزة المتمثلة بمقاومة مدينة عين العرب لكل التحديات الحالية الاستمرار لفترة أطول من هذه. فقد نجحت المدينة بالصمود حتى الآن في وجه العنف غير المسبوق دون توفر موارد كافية، مؤخرة تقدم المتطرفين.

فسقوط المدينة ورفع العلم الأسود فيها ليس محصورا في الأحياء الشرقية والجنوبية فقط، بل بدأ ينسحب إلى آخر المرتفعات غير المحتلة المتبقية في المدينة، التي ستكون من الآن فصاعدا مناطق قوة رمزية، وهذا سيكون على المدى الطويل كارثة لم يقدر حجمها.

سيكون سقوط عين العرب كارثة على المقاتلين سواء من الرجال أو النساء، الذين واجهوا بشجاعة لا تصدق على مر أسابيع عدة وحدات شديدة التسلح، يمكن أن تجعلهم في الحقيقة يدفعون ثمنا غاليا جدا لجرأتهم.

ستقع الكارثة أيضا على المناطق التي لا توجد بها «داعش»، كما كانت عليه الحال من قبل، من حيث استعباد النساء وقطع رؤوس القادة، أو إجبار الأقليات على تغيير معتقداتها الدينية.

وبحسب هذه الفرضية ستبقى المدينة لفترة طويلة ضمن قائمة المدن التي تشهد أحداثا رهيبة في العقود الأخيرة، مثل غورنيكا التي سحقت على يد وحدة «كوندور ليغون» المؤلفة من المتطوعين في القوات الجوية الألمانية، أو مثل مدينة كوفتري في مقاطعة وست ميدلاندز ببريطانيا التي دمرت عبر طائرات من تصنيع شركة «هنكلز»، أو مثل مدينة ستالينغراد الروسية التي شهدت سقوط نحو مليون شخص، أو مدينة سرايييفو التي نجت بالكاد ولكن بعد دفعها ثمنا تمثل في نحو 11 ألف قتيل خلال حصار استمر ألف يوم، أو مثل مدينة غروزني عاصمة الشيشان، التي تحولت إلى مدينة اشباح على يد قوات بوتين، أو مثل مدينة حلب في سوريا، التي دفنت كنوز حضارتها وجمالها بواسطة المتفجرات التي أسقطتها طائرات الرئيس السوري بشار الأسد.

والآن توشك مدينة عين العرب، التي لم تكن معروفة لمعظمنا حتى وقت قريب، أن تتلاشى.

الوقوف على الحياد

إذا وقفت تركيا على الحياد مرة أخرى، وإذا أصبحت عين العرب خطأ آخر تقترفه أنقرة، وهذا أمر لا يغتفر، فإن مستقبل حلف شمال الأطلسي «ناتو» سيكون في خطر. وقد بين مبعوثو الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذين وصلوا، أخيرا، إلى أنقرة خطورة هذا الأمر بوضوح شديد.

يجب علينا إخبار أردوغان رسميا أو بشكل غير رسمي، أن المعركة ضد «داعش» هي لحظة الحقيقة، إما الآن وإما فلا، وهذا أيضا للتحالف ولنظام الأمن الجماعي «ناتو» الذي تأسس في المنطقة في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وهو النظام الذي تعتبر فيه تركيا أكثر من مجرد عضو عادي، حيث أصبحت بانضمامها عام 1952 ركيزة النظام الشرقية.

وفي عام 1991 انضمت تركيا على مضض في عمليات دعم المدنيين شمال العراق.

وصوتت الجمعية الوطنية التركية الكبرى في الأول من مارس عام 2003، على مشروع يلقي بظلال طويلة على علاقات البلاد مع حلفائها، حيث صوتت ضد السماح بمرور نحو 62 ألف جندي من القوات الأميركية عبر الأراضي التركية في طريقهم إلى بغداد أو ضد السماح باتخاذ تركيا مقراً لهم.

وعلى غرار ما تم الاعلان عنه سابقا عند حصار مدريد : «أن الإسبان لن يمروا من هنا»، يتوجب على العالم ترديد المقولة ذاتها ولكن بحق «داعش» هذه المرة.

كارثة شاملة

سقوط عين العرب سيكون كارثة لأنها ليست رمزاً فقط، بل أنها بوابة لتهاوٍ أكبر، لا سيما لمجموعة الدول التي تعتبرها موطناً تقدمياً، وللتحالف الدولي القائل بأن استقطاع متطرفي «داعش» لرقعة واسعة من الأرض تمتد على طول مئات الكيلومترات من الأراضي المتاخمة للحدود التركية، يعد تكتيكياً مميزاً، وفائدة استراتيجية.

نملك القليل جداً من الوقت لمنع حدوث هذه الكارثة، وفضلاً عن ذلك نملك وسائل هزيلة. وقد يقرر التحالف الدولي ضد «داعش» تكثيف ضرباته، ولكن ما جدوى تنفيذ ضربة جوية واحدة، في الوقت الذي تدار المعركة يداً بيد، وفي الشارع، ومن منزل الى آخر في ضواحي المدينة؟

Email