طغيان النفوذ غيّب الكونغرس واستغفل الرئيس

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

الروايات المتضاربة لا تقودنا إلى اليقين بشأن هل فتحت إسرائيل تلك المخازن مؤخراً أم لا، فصحيفة «وول ستريت جورنال» تفيد بأن إسرائيل تلقت في يوليو الماضي أسلحة من وزارة الدفاع الأميركية، دون موافقة البيت الأبيض أو وزارة الخارجية الأميركية.

واستناداً إلى مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، أفادت الصحيفة بأن القادة الأميركيين وفي مقدمتهم الرئيس باراك اوباما، حاولوا الضغط على إسرائيل كي تتخلص من عنادها وتعنتها وتتحلى بضبط النفس في عملياتها العسكرية في قطاع غزة، وحاولوا تشديد المراقبة على إرسال الأسلحة إلى إسرائيل، لكن الأسلحة وصلت، وهذا ما يرسم في الأفق علامة استفهام؛ كيف وصلت؟

المؤكد أن عملية الشحن والنقل من الداخل الأميركي كانت تحتاج إلى جهود وأيام، وكانت ستلاحظ تحركاتها ويبلغ بها البيت الأبيض، وعليه فإن المنطق الوحيد المتبقي هو أن المخازن الأميركية العملاقة قد فتحت بقرارات مباشرة من البنتاغون، في مخالفة واضحة للاتفاقية التي تحتم موافقة الكونغرس، الأمر الذي يعني مخالفة شديدة الخطورة والوعورة للدستور الأميركي من جهة، الذي ينظم العلاقة بين السلطات وعملية اتخاذ القرارات، كما يعني أيضاً النفوذ الطاغي والباغي لحكومة إسرائيل لدى وزارة الدفاع الأميركية.

تصريحات متضاربة

شيء ما يدعو للشعور بأن في الأمر خدعة وتحايلاً من الجانب الإسرائيلي، بهدف فتح المخازن الأميركية، فعلى الرغم من أن وزارة الخارجية الأميركية تؤكد أن شحنات الأسلحة لإسرائيل سوف تشهد مراجعة إضافية بسبب الحرب في غزة، إلا أنها نفت التقارير التي تشير إلى أن البنتاغون قد شاركت في نقل الأسلحة إلى إسرائيل دون علم البيت الأبيض ووزارة الخارجية.

في هذا الإطار صرحت ماري هيرف بأنها تعارض بشدة «فكرة أن البعض منا لم يكن على علم بما يجري».

لكن الثابت من بقية كلامها، أن هناك مجالاً باقياً للشك، فقد استخدمت الأساليب الإعلامية الملتوية في التصريحات التي لا تحمل صاحبها وزراً بعينه حال ثبوت عكس ما قال به، فعلى سبيل المثال نجدها تضيف: «على حد معرفتي، لم يكن هناك أي نقل أسلحة غير مرخص بها من البنتاغون لإسرائيل»، وإنها لم تسمع عن أحد تم القبض عليه حين غرة لهذه التحويلات.

هل يمكن أن تعني تصريحات السيدة «هيرف»، أن هناك من لديه معرفة أخرى تتجاوز معرفتها، وأن شخصاً آخر قد سمع ما لم تسمعه بشأن المسؤول عن عملية نقل لأسلحة على النحو الغامض والمبهم الذي نحن إزاءه؟

قد يكون كل ذلك وارداً بالفعل، لا سيما وأن هناك صوتاً من الجانب الإسرائيلي بدا وكأنه يحاول احتواء الأزمة، والتأكيد على صدقية الرواية الأميركية، ما يدفع بعيداً أية اتهامات لحكومة نتانياهو.

هذا الصوت عبر عنه السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة الأميركية، مايكل أورين، الذي قال في تصريح خاص لصحيفة «يديعوت أحرنوت» الإسرائيلية، إنه «من المستحيل قيام إسرائيل بالتحايل للحصول على إمدادات عسكرية من وزارة الدفاع الأميركية دون علم البيت الأبيض».

لكن تحليلاً موضوعياً لتصريحات أورين أيضاً، يترك الباب مفتوحاً لعكس كلامه، فهو يشدد على أن الحكومة الأميركية لم تؤكد تقرير وول ستريت جورنال، إلا أنه لم ينكر الاختلافات العميقة في الرأي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، إزاء العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة المعروفة باسم «الجرف الصامد»، ولا سيما من ناحية عدم اتخاذ إسرائيل لخطوات جادة للحد من الخسائر البشرية الفلسطينية.

معركة تكسير العظام

هل في ما يجري جزء شخصي من معركة تكسير العظام أو الإرادات بين نتانياهو وأوباما، لا سيما ان الأول له تاريخ سيئ الذكر مع ساكن البيت الأبيض، وجميعنا نتذكر كيف هدد الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون بإشعال واشنطن في نهاية التسعينيات، بعد أن ضغط عليه في عهد ياسر عرفات، وقد فعلها نتانياهو عبر إطلاق فضيحة مونيكا لوينسكي؟

يكتب المحلل السياسي الإسرائيلي «ران أدلت» عبر صحيفة «معاريف» بتاريخ 17 أغسطس، تحت عنوان «أوباما يعرف المخزون»، لافتاً إلى أن حكومة نتانياهو لا تستطيع التذرع بأن حربها مع غزة هي حرب طارئة تستدعي فتح مخازن السلاح الأميركية، أو تعويض الجيش الإسرائيلي بصورة طارئة وعاجلة عن ما يفقده في قصف غزة، فهناك مشكلة حقيقية أمام نتانياهو.

وهي أن الأميركيين يعرفون الأعداد والكميات والمواد العسكرية التي يحتاجها الجيش الإسرائيلي كي يكون لديه ما يكفي في أيام الحرب، وكي يتصدى لعدو ممكن أو غير ممكن، وكل ما لدى الجيش الإسرائيلي موجود على الحواسيب الإلكترونية في البنتاغون، والصحافيون الأميركيون الخبراء يدّعون أن المعلومات توجد أيضاً في وزارة الخارجية الأميركية، بما فيها مواعيد نفاد المفعول، وبالنسبة لقطع الغيار يعرفون بالضبط ما هي قابلية الاستخدام لكل طائرة.

ماذا تبقى أمام نتانياهو سوى الحصول على السلاح من المخازن الأميركية العملاقة في إسرائيل؟

الأصدقاء المقربون

ربما يكون الجواب عن السؤال المتقدم قد جاء تصريحاً تارة وتلميحاً أخرى، ضمن ثنايا القراءة التي قدمها «دافيد شينكر» مدير برنامج السياسية العربية، في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، والمعروف بميوله واتجاهاته الداعمة لإسرائيل، ولكافة الحكومات الإسرائيلية، والذي أقر في ورقته البحثية المنشورة عبر المعهد بتاريخ 14 أغسطس، بأن «إسرائيل جددت مخزونها العسكري في أواخر يوليو الماضي، أي قبل بدء عملية وقف إطلاق النار، من خلال الاستفادة من عتاد حربي أميركي بقيمة مليار دولار، وفرته الولايات المتحدة مسبقاً في إطار برنامجها المعروف باسم «حلفاء مخزون احتياطات الحرب - إسرائيل».. هل هذا برنامج جديد لم نسمع عنه من قبل؟

بالقطع هو الحديث عينه عن مخازن السلاح الأميركية الاستراتيجية العملاقة داخل إسرائيل، وإن كان الاسم يحمل تعديلا طفيفاً لتلك المخازن.

ففي تسعينيات القرن الماضي وبناء على تشريعات من قبل الكونغرس الأميركي، تم إنشاء مخزنين أميركيين للذخيرة مركزهما في الخارج، الأول في إسرائيل، عبر الاستفادة بالتأكيد من المخازن الستة السابقة، والآخر في كوريا الجنوبية، وبإمكان الحلفاء استخدامهما في أي حالة طارئة، واستبدال ما أخذ منهما في وقت لاحق.

في هذا السياق يقر دافيد شينكر بأنه في ذروة العمليات العسكرية في غزة، سحبت إسرائيل دبابات وقذائف إضاءة لقاذفات القنابل، وغيرها من المواد غير المحددة، من مخزن «حلفاء مخزون احتياطات الحرب» كجزء من عملية بيع عسكرية أجنبية.

هل تغيرت الاتفاقية الإسرائيلية - الأميركية المنظمة لأوضاع المخازن الستة العملاقة، من خلال البرنامج الجديد الذي يتحدث عنه شينكر؟ يفاجئنا الرجل بأن برنامج «حلفاء مخزون احتياطيات الحرب - إسرائيل»، يشكل هبة استراتيجية لإسرائيل، والعملية مبسطة وسلسة على حد تعبيره، إذ لا يلزم إخطار الكونغرس قبل 60 يوماً من موعد سحب المعدات العسكرية، وليست هناك حاجة إلى الانتظار حتى التسليم.

فهل استغلت إسرائيل هذا البرنامج الجديد للحصول على ما تحتاجه من أسلحة دون موافقة البيت الأبيض، الأمر الذي أدى إلى موقف أوباما السابقة الإشارة إليه؟ يبدو أن آليات ذلك البرنامج وفاعليته في إسرائيل أبعد مما نتصور، الأمر الذي يحتاج إلى حديث مطول يقودنا إلى قصة مثيرة لاختراقات إسرائيلية يمينية جديدة، لوزارة الدفاع الأميركية في واشنطن.. ماذا عن تلك القصة؟ ذلك يحتاج إلى قراءة أخرى.

الضغط نحو مسار سياسي

ذكر تقرير لصحيفة «وورلد تربيون» الأميركية، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، أن «البيت الأبيض قد أصدر أوامر رئاسية لوزارتي الخارجية والدفاع، بتعليق أي طلب إسرائيلي للحصول على أسلحة أو إمدادات عسكرية أخرى، وأن أوباما أصدر توجيهات بأن أي طلب إسرائيلي في هذا الشأن، بغض النظر عن حجمه، ينبغي أن يحصل على موافقته».

الصحيفة، وبحسب المسؤولين أنفسهم، تؤكد أن الرئيس الأميركي ألغى على الأقل شحنتين من الأسلحة إلى إسرائيل تمت الموافقة عليهما من قبل البنتاغون، ولم يقدم هؤلاء المسؤولون تفصيلات، لكنهم أقروا بأن إسرائيل كانت بصدد تلقي شحنة من وقود الطائرات وذخائر الدبابات في أغسطس المنصرم، لافتين إلى أن البيت الأبيض علق أيضاً إرسال شحنة من صواريخ أرض - جو «إيه جي أم - 114» هليفاير، إلى سلاح الجو الإسرائيلي.

فهل كانت هذه هي أداة أوباما في دفع نتانياهو نحو مسار سياسي آخر لإنهاء الصراع الذي طال أمده في منطقة الشرق الأوسط؟

المؤكد أن المكالمة التي جرت بين نتانياهو وأوباما نهار الأربعاء 13 أغسطس المنصرم، كانت تمثل أعلى درجات التوتر بين الجانبين الأميركي والإسرائيلي.

فاستناداً إلى مصادر أميركية، فإن نتانياهو طالب إدارة أوباما بالابتعاد عن الأزمة والاوضاع الأمنية والإنسانية المزرية في غزة، لكنه مع ذلك طالب بضمانات أميركية مقابل اتفاق طويل المدى مع حماس!

هل لهذا أصدر أوباما أوامره لأركان إدارته بعدم الموافقة على إرسال أسلحة أميركية لإســرائيل دون موافقته المسبقة؟

مشهد ضبابي

نقلت وكالة رويترز عن مسؤول عسكري رفض الكشف عن اسمه، أن الولايات المتحدة سمحت لإسرائيل بالحصول على ذخائر من مخزون محلي للأسلحة الأميركية، لإعادة تزويد جيشها بالقنابل وقذائف المورتر، بعد استنزاف المخزونات القديمة.

 وقد برر المسؤول الأميركي إعطاء الذخائر الجديدة للإسرائيليين، بالحاجة إلى تجديد المخزون العسكري الأميركي. ولكن المشهد حتى الساعة ضبابي وغير واضح، فهل وافق أوباما والكونغرس على طلب إسرائيل باعتبار أن الأمر طارئ، أم أن المشهد جرى من خلف ظهريهما، لا سيما وأن العلاقة بين أوباما ونتانياهو متردية، وهناك نية أوبامية واضحة لمعاقبة نتانياهو في الحال والاستقبال؟

ولعل المتابع لتصريحي نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ماري هيرف، يدرك أن الحقيقة إما غائبة بالفعل، لا سيما في ظل حالة تضارب الإرادات بين الأركان الأربعة الفاعلة في واشنطن؛ البيت الأبيض، وزارة الخارجية، وزارة الدفاع، وكالة المخابرات المركزية، أو أن تكون هناك إشكالية ربما تمثل فضيحة سياسية لإدارة أوباما، وهناك من يحاول أن يداريها أو يواريها.

Email