الاقتراح الإسرائيلي يجسّد التهرب من الخطوات الضرورية لحسم الصراع

خمسة أسباب لرفض نزع سلاح قطاع غزة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يجري توصيف تجريد قطاع غزة من السلاح بأنه جزء من حل لإنهاء القتال، الذي مزق هذه المنطقة الصغيرة المنكوبة. ويعكف القادة الإسرائيليون على طلب هذا الأمر، ويصادق المسؤولون الأميركيون عليه، بينما صرح وزراء خارجية الدول الأوروبية أنه «يجب نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة في غزة». الفكرة قد تبدو للبعض معقولة، ولكنها مع ذلك خطرة.

إسرائيل بوضوح تبرر طلبها بإصرارها على أخذ التدابير لحماية مواطنيها من الهجمات الصاروخية من قطاع غزة وعبر الأنفاق، إلا أن الإصرار على نزع السلاح من المنطقة حاليا، في ظل غياب حل سياسي أوسع للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لن يحقق للإسرائيليين الأمن المطلوب.

وكما يقول ابندتا بيرتي، من المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي: «على أحسن الأحوال، فإن السعي لنزع السلاح في ميدان المعركة هو اقتراح سياسي غير مجد. وفي أسوأ الأحوال، هو طريق نحو مزيد من التصعيد».

تجنب الحيلة

ولكن حتى بالنسبة لأولئك الذين يعارضون أساليب حماس والعديد من أهدافها، فمن المهم تجنب أن يقع المرء في حيلة الحكومة الإسرائيلية، المُتمثلة في السياسة غير الشرعية تماماً، الرامية لجعل نزع السلاح الفلسطيني أمرا طبيعيا. وفيما يلي خمسة أسباب لوجوب تجنب نزع سلاح قطاع غزة.

*أولاً، نزع السلاح أمر غير عملي. فإسرائيل فشلت في تحقيق هذا الهدف خلال 38 عاما من الاحتلال ووجود المستوطنين داخل قطاع غزة. ومنذ فك الارتباط عام 2005، شنت إسرائيل أربع عمليات عسكرية واسعة النطاق ضد قطاع غزة، وحافظت على حصار القطاع، من دون استطاعتها إجبار حماس على التخلي عن سلاحها.

ووفقا لتسريبات في الصحافة الإسرائيلية عن الحملة الحالية على غزة، أطلع قادة القوات العسكرية الإسرائيلية مجلس الأمن الإسرائيلي المُصغر على أن القضاء على حماس سيُكبد الإسرائيليين المئات من المصابين على مدى شهور عدة، تليها سنوات من الاحتلال العسكري لغزة دون وجود استراتيجية واضحة للخروج من الأزمة.

*ثانياً: إن صيغة «إعادة الإعمار مقابل نزع السلاح» المقترحة من قبل العديد من المسؤولين والمُحللين الإسرائيليين، هي معادلة غير شرعية تُواصل فرض عقوبات جماعية على السكان المدنيين في غزة.

فالقطاع في حالة يرثى لها، ويواجه خطرا شديدا، يتمثل في أنه قد يصبح غير صالح للسكن بحلول عام 2020 وفقا لتقرير الأمم المتحدة، الذي صدر قبل هذا الدمار الأخير، الذي قضى على حوالي 16 ألف منزل، فضلاً عن كثير من البنى التحتية، وجعل تحقيق معظم الاحتياجات الإنسانية الأساسية لسكان غزة، من إعادة بناء المنازل وشبكات المياه والكهرباء والمستشفيات والمدارس، مشروطاً بنزع سلاح حماس وهو أمر يجب أن يُشجب بوصفه اقتراحاً غير لائق ومثيراً للصدمة الإنسانية.

استحالة المطلب

*ثالثاً، السعي لنزع السلاح من شأنه جعل الوضع الأمني أكثر سوءاً، بدلاً من تهدئته والبناء على حالة وقف إطلاق النار.

ويعلم الجميع أنه لا يمكن تحقيق ذلك المطلب، وسينظر للفشل في تحقيقه على أنه سبب لإبقاء إسرائيل للحصار على غزة. وخلال فترات التهدئة السابقة (يناير 2009 إلى نوفمبر 2012، وديسمبر 2012 إلى يوليو 2014) أعطي سكان غزة، حافزاً قليلاً جداً للحفاظ على الهدوء. وما اعتبر بالنسبة لإسرائيل فترات حياة طبيعية وهادئة، كان للغزيين حصاراً ولامبالاة دولية بمحنتهم.

*رابعاً، الخبرة الدولية تعلمنا أن طلب «نزع السلاح» معقول في الصراعات التي يهزم فيها عسكريا جانب واحد فقط، أو حيث يتم التوصل إلى تسوية سياسية؛ وكلتا الحالتين لم تنطبق يوماً على غزة.

*خامساً، نزع السلاح هو إلهاء، لا يُقدم أي مخرج من هذا الصراع، سواء للفلسطينيين أو الإسرائيليين. ولإحراز تقدم بشأن غزة، من الأفضل التركز مثلاً على إنشاء مرافق لميناء أقل اعتماداً على إسرائيل أو مصر، ويمكن إعادة ربط غزة بالعالم الخارجي.

ومن المتوقع أن يصبح نزع السلاح أحدث شعار للتشويش والتهرب من الخطوات اللازمة لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الأساسي، التي تعتبر حرب غزة أحد أعراضه. دعونا إذاً، لا نقع في فخ نزع سلاح قطاع غزة.

تجربة فتح

تجربة فتح في مخالفة الحالات المعروفة تاريخياً والمتعلقة بنزع السلاح، تمثلت بإنهاء الكفاح المسلح من دون تأمين حقوق الشعب الفلسطيني، وإنهاء الاحتلال أو تحقيق أي ضمانات. وهذا من المنظور الفلسطيني يعد فشلاً ذريعاً. ولن تحذو حماس حذوها .

وكانت الآليات الدولية والتابعة للسلطة الفلسطينية للإشراف على منع دخول الأسلحة غير المرخصة إلى الأراضي المحتلة فعالة قبل العملية المدمرة التي تسميها إسرائيل «الجرف الصامد»، ولا تزال متاحة حتى الآن، وينبغي الاستفادة منها.

وقد يتم التوافق على نزع السلاح من قبل دولة فلسطينية مستقبلية، في الوقت الذي تقبل إسرائيل إنهاءًاً للاحتلال ومنح الاستقلال الفلسطيني الحقيقي. وقد وافق المفاوضون في منظمة التحرير الفلسطينية على هذا في الماضي، على الرغم من أنه من المستحسن للأحكام المعمول بها أن تضمن الأمن والسيادة الفلسطينية والدفاع عن النفس.

Email