ثلاث قضايا كبرى تفرض نفسها على صانعي القرار في واشنطن

استراتيجية أميركا في العراق محفوفة بالمخاطر

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن الرئيس الأميركي باراك أوباما قد اعتمد استراتيجية التزام عسكري طويل الأمد في العراق، وهي استراتيجية مبنية على أساس استخدام القوة الجوية والصاروخية، والمستشارين، والتسلح، ومشروطة بتحرك العراقيين نحو الوحدة ومساعدة أنفسهم.

وذلك إلى جانب التشديد على إعطاء الأكراد الأولوية في مناح عدة، لأنهم للتو واجهوا مخاطر ذات تداعيات إنسانية هي الأصعب على الأقليات في العراق.

وكما هو معروف اليوم في الشرق الأوسط، فإن الخيار الأفضل هو، في نهاية المطاف، الخيار الأقل ضررا على الرغم من أنه محفوف بالمخاطر.

وتتمثل المخاطرة الأولى في القدرات المتطورة لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. ومن الواضح أن قوته القتالية باتت تتزايد باطراد، وأن عدد مقاتليه آخذ بالازدياد مقارنة بالفترات السابقة، وأن تسلحه بالعتاد تطور بفعل احرازه للانتصارات.

وقد مزج تنظيم الدولة الاسلامية بين الأيديولوجيا الدينية، والإرهاب، وحرب العصابات، الفعالة ضد القوات التي تهيمن عليها الإدارة الشيعية في كل من سوريا والعراق، والقادرة على الهيمنة أو احتواء الفصائل المقاتلة الأخرى، عدا عن أنها تعتبر أقوى من قوات البيشمركة، الضعيفة، وسيئة التجهيز.

في مواجهة المجهول

وترك سوريا بشار الأسد لمصيرها، وجعلها عبأ على إيران، وحزب الله، وروسيا، كل ذلك يبدو معقولا في الوقت الراهن، ولكنه أيضا يطرح مخاطر كبرى.

وهو أمر جيد طالما أن قوات الأسد لا تفقد مساحات كبيرة من الأراضي أو المدن الرئيسية، وطالما أن تنظيم الدولة الإسلامية لا يحرز تقدما كبيرا على الصعيد الاقتصادي، العسكري، السياسي والديني، وطالما أن الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها العرب لديهم العناصر السنية المعتدلة لدعم وضعهم، وأن تنظيم الدولة الإسلامية لا يسيطر على كل المقاومة السنية الرئيسية.

ويعتبر المناخ جيدا كذلك، طالما أن ملاذ تنظيم الدولة في شرقي سوريا مؤقت، ولن يعزز باطراد قدرات فرعه في العراق، أو يزيد باطراد تهديده للبنان ولدول أخرى مجاورة.

هذه قائمة طويلة من المخاطر الفرعية الإضافية، والمتوقفة في النهاية على مدى تطرف تنظيم الدولة الإسلامية في تعامله مع السنة الذين ينتمي اليهم التنظيم، والذين في حال أصبحوا أعداء له، فلن يستطيع السيطرة على من يحاول السنة حُكمهم، ولن يستطيع الاندماج مع القوات السنية، وكذلك لن يستطيع التعامل على أساس أنه حكومة فعالة.

وحتى الآن، لا يبدو أن تنظيم الدولة الإسلامية يخطو نحو تدمير نفسه، وذلك يدل على بعض علامات التكيف، وهذا ما من شأنه عدم إثارة اقتتال سني داخلي كبير ضده. ويبدو الرهان ضد مواصلة نجاح التنظيم أمرا معقولا، ولكنه ليس مؤكدا.

الخطر الثاني

أما المخاطرة الثانية الكبرى فتتمثل في الانقسام الطائفي والعرقي في العراق، والتعامل مع شخصيات سياسية مثل رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي.

فتعطش المالكي المتزايد باطراد للسلطة، والاستبداد، والفساد، وإلى ابطال فعالية قوات الأمن الوطنية العراقية، والتحول نحو استخدام الطائفية الشيعية ضد السنة والأكراد في العراق، هو ما جعل تحقيق تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام للمكاسب ممكنا.

تقسيم المالكي للعراق وتقويضه نفر الكثيرين من أتباع المذهب السني، ودفع بالأكراد نحو المطالبة بمزيد من الاستقلال، وأضعف قوات البيشمركة. وضمنت أفعاله أن المستشارين الأميركيين والقوات الأميركية لن تبقى في العراق لفترة طويلة لجعل القوات العراقية وطنية وفعالة على حد سواء.

وأخيرا، فإن المخاطرة الثالثة هي أن القوة الجوية الأميركية والمساعدة الاستشارية لن تكونا كافيتين لوقف تقسيم العراق الى السنة، والشيعة، والجيوب الكردية، لاستعادة السلطة الى السنة العراقيين المعتدلين، للحيلولة دون اعتماد الطائفة الشيعية على القوى الشيعية والميليشيات، فضلا عن اعتمادها أكثر على إيران.

استراتيجية الرئيس الأميركي باراك أوباما في ربط مستوى الدعم العسكري الأميركي بتشكيل حكومة عراقية جديدة، وتهميش المالكي، هي الاستراتيجية الصحيحة. ولا يمكن للعراق أن يكون دولة فعالة وأن يبني قوات أمنية مؤثرة بدون هذه التغييرات. فمعظم الشخصيات السياسية العراقية، والقادة الدينيين الشيعة مثل آية الله السيستاني، تدرك ذلك.

النزعة السلطوية

رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي امتلك السلطة والمال لضمان الحفاظ على فوزه بأصوات الناخبين، والبقاء كتهديد سياسي كبير، فضلا عن محاولة تقويض إيجاد بديل عنه.

وأضعف المالكي كذلك الوحدة وطنية إلى حد أصبح فيه إحداث تغيرات سياسية كبرى، يتعلق بعضها بإيجاد شكل من أشكال الفيدرالية التي تحمي وتدعم السنة والأكراد، يبدو الآن بأنه إصلاح ضروري لحمل السنة على دعم الحكومة المركزية، والإبقاء على وحدة البلاد.

ويتوجب على الأميركيين مواجهة هذه الحقائق، والقبول على الرغم من الانقسامات السياسية الحزبية بالواقع وبالآمال المستقبلية. ويبدو أخيرا، أننا نتجه نحو الاستراتيجية الصحيحة، على الرغم من أنها مزيج من أقل الخيارات سوءا.

Email