العدوان فاقم حالة عدم الاستقرار في الضفة والقدس

الحرب على غزة تعكس تخبط تل أبيب

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

 

في مواجهة النتائج الرهيبة للعدوان الإسرائيلي على غزة، فإن السؤال الجوهري الذي يواجه المحللين الآن هو: ما الذي سعى الجانبان لتحقيقه فعلا؟

وتكمن المأساة في أن أيا من الجانبين ليست لديه أهداف واضحة، أو يمكن بلوغها. وإسرائيل من البداية لم تكن ترغب بهذا التصعيد في غزة، وأملت أن تعزل الأحداث في الضفة الغربية والقدس عن جبهة غزة. ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على الرغم من الانتقادات من اليمين، زعم أن هدفه الرئيسي يكمن في إنهاء القتال، لكن القتال مع ذلك استمر بلا هوادة مع تزايد عدد الضحايا من المدنيين.

التوغل البري

والهدف الإسرائيلي قد يتطور الآن إلى شيء أوسع نطاقا وأكثر فتكا. ومع غموض الوضع المستقبلي، فكرت إسرائيل في الغزو بقوات برية. وتهدف على الأرجح إلى تقطيع قطاع غزة إلى جزءين أو ثلاثة أجزاء، مما يحد من حرية حماس في الحركة، ويعمل على تفكيك مخزونات الأسلحة.

والتوغل البري يخاطر بمزيد من الضحايا بشكل كبير، لا سيما على الجانب الفلسطيني. ففي عملية "الرصاص المصبوب" (2008 ـ 2009) توغلت إسرائيل بقيادة رئيس الوزراء إيهود أولمرت داخل غزة فيما تحول إلى عملية بشعة ومدانة دوليا. في عام 2012، في عملية "عامود السحاب" التي قادها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، استدعت إسرائيل عددا كبيرا جدا من جنود الاحتياط، للإشارة إلى استعدادها للدخول إلى غزة، لكنها امتنعت عن القيام بذلك. وعلى الرغم من الانتقادات من اليمين، اختار نتنياهو أخذ الحذر. وكما يلاحظ كثيرون، لم يقم رئيس الوزراء الإسرائيلي إلا بعمليتين عسكريتين صغيرتي الحجم نسبيا: عملية جوية في عام 2012 والعملية الأخيرة. وعلى الرغم من لهجته الخطابية المتشددة، فإن نتنياهو في الواقع زعيم محافظ حذر، في الحرب كما في السلم. وهذه العملية قد تبرهن على كونها أول استخدام رئيسي له للقوات البرية على امتداد الحدود في حال حدوثها.

وعلى ما يبدو ظاهريا، انجرت القيادة السياسية لحماس إلى هذا الصراع جراء الأحداث السابقة، كما جرها إليه نشطاؤها، وهؤلاء ليسوا دائما تحت سيطرة جناحها السياسي. وكما قال خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس: "نعم نريد التهدئة. ولا نرغب في التصعيد، ونحن لم نصعد. ونتنياهو فرض عدوانه علينا". وطالبت حماس بفتح معبر رفح الحدودي مع مصر، واطلاق سراح الأسرى الذين اعتقلوا أخيرا.

وضع صعب

وتجد حماس نفسها في وضع صعب للغاية، على امتداد عامين. فمنذ عام 2012، عندما حكم مصر رئيس ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين (المنظمة الأم لحماس)، تراجعت حظوظ حماس بشكل حاد. والنظام الحالي في القاهرة يكره جماعة الإخوان المسلمين، ولديه قليل من التسامح مع فرعها الفلسطيني. وفي أرجاء المنطقة، يبدو أن الصعود الواضح لجهات فاعلة تكن ودا لجماعة الإخوان المسلمين قد انقلب وانعكس الآن. والجيش المصري ذهب بعيدا في تدمير الشبكة الواسعة من الأنفاق التي تربط قطاع غزة بسيناء. وحماس تنظم هذه الأنفاق وتفرض ضرائب عليها، مما يوفر لها مصدرا مهما للإيرادات.

ومع الحصار البحري لغزة ووضع الأنفاق الحالي، فإن حماس باتت تفتقر إلى الأموال. وحتى التشكيل الأخير لحكومة الوحدة لم يسعفها في هذا المجال: فالاتفاق وفر التمويل لموظفي السلطة الفلسطينية الرسميين في غزة، لكن ليس لموظفي حماس بسبب تخوف المصارف من العقوبات الإسرائيلية.

ونشطاء حماس داخل غزة (مشعل يقيم خارج القطاع) ربما كانوا يبحثون عن طريقة للخروج من هذا الوضع، ولديهم شعور بأنهم ليس لديهم الكثير ليخسروه. وربما فقدوا السيطرة على كوادرهم.

ومما يضيف إلى المأساة هو القليل الذي ستكسبه إسرائيل أو حماس مما حدث. وقد يكون هناك بعض المجال للتوصل إلى اتفاق يشمل معبر رفح، لكن إسرائيل ومصر من المرجح أن تصرا على أن يكون رجال من السلطة الفلسطينية على المعبر، كما كانت الحالة قبل عام 2007، لتجنب تجدد التهريب. في أي حال، التفاوض على مثل هذا الاتفاق يبدو بعيد المنال.

لكن مع وجود القليل الذين يمكن كسبه، فإن وقفا لإطلاق النار يمكن أن يصمد. والتحدي الهائل، مع ذلك هو في إيجاد قنوات ذات مصداقية للتوسط مع حماس، كما تحاول الولايات المتحدة القيام به الآن.

تصعيد

يرى المراقبون أنه لو أن إسرائيل كانت دخلت غزة بقوات برية، فإنها على الأرجح ما كانت لتحاول إسقاط نظام حماس، خوفا من الكلفة الهائلة لمثل هذه العملية. وبدلا من ذلك تفضل إضعاف الحركة ولجمها، على أن تبقى موجودة برغم عدم الاعتراف بها. ومع إغلاق الأنفاق من سيناء، تبقى هناك فرص في أن تدوم أي ضربة ضد مخزونات حماس من الأسلحة لفترة أطول من المحاولات السابقة، ذلك لأن إحلال الأسلحة سيكون أكثر صعوبة.

لكنهم يرون أن دافع حماس في إثبات "مقاومتها" لإسرائيل يبقى قائماً، حتى لو تناقصت أسلحتها. وبشكل أكثر حدة، يرون إمكانية تصعيد جديد لحالة عدم الاستقرار التي هدأت في الضفة الغربية وفي القدس، حيث انتفاضة بكامل زخمها، وربما بالتزامن مع هجمات من لبنان أو مكان آخر، يمكن أن تجعل هذه الجولة تبدو ملجومة بالمقارنة.

Email