الخصومة بينهما ستؤثر في مختلف جوانب السياسة الدولية

روسيا والغرب أمام حرب باردة جديدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

دخلت روسيا والغرب في مطلع العام الجاري في أجواء من الغموض، وهما في حالة إحباط وغضب الواحد من الآخر، لكن مع ذلك على استعداد لاستكشاف مسار التقدم إلى الأمام. وخرجا بشكل غير متوقع لاحقاً، وهما في شرك حرب باردة جديدة، حيث ذهبت حالة الغموض، وتحول الطرف الآخر إلى خصم بلا منازع مع خطط جارية للتعامل معه على هذا الأساس. والعدوان الروسي دفع بهما إلى هذا العالم الآخر، لكن الطرفين كانا على مر السنين قد مهدا هذا الطريق معاً.

وستكون الحرب الباردة مختلفة عن الأصلية. ستكون حرباً باردة بين روسيا والغرب ولن تكون شأناً دولياً، على الرغم من أنها ستؤثر عميقاً في النظام السياسي الدولي برمته. لن يكون لها دفعة أيديولوجية، ولنأمل ألا تجري تحت الظلال الكثيفة لنهاية نووية للعالم.

بعض المراقبين قد يضيف أنها على خلاف الحرب الباردة الأصلية، ليست ذات أهمية حقاً، أخذاً في الاعتبار نقاط الضعف الأساسية لروسيا، وعدم أهميتها النسبية بالمقارنة مع الصين الصاعدة وحجم التحديات الأخرى التي تواجه الولايات المتحدة.

لكنهم على خطأ.

فالتعامل بمصطلحات من الخصومة الشديدة في العلاقة بين روسيا والغرب سيلوث تقريباً كل بعد حساس في السياسة الدولية، ويشوه بشكل خطير السياسة الخارجية لأميركا وروسيا، وسيفرض ثمناً باهظاً على صعيد الفرص الضائعة. وبدلاً من إعادة تعريف حلف شمالي الأطلسي «ناتو» للتعامل بشكل أفضل مع التحديات الأمنية الجديدة، فإنه سيتم تعزيز حلف «ناتو» القديم وتقريبه من حدود روسيا.

وسترد روسيا عينياً على الرغم من القيود الاقتصادية. وسيتعرض التخطيط الدفاعي في واشنطن وموسكو لضغوط لا تقاوم للإنفاق على تهديدات قديمة تقودها مخاوف منسوخة من الحرب الباردة الأصلية.

وأصبح الآن أمراً مستبعداً التفكير في إنقاذ النظام المتداعي للحد من التسلح في أوروبا، وتقليص الأسلحة النووية التكتيكية، والتعاون في مجال الدفاع الصاروخي، أو اتخاذ الخطوات التالية في السيطرة على الأسلحة النووية الاستراتيجية، ناهيك عن الخطوات الأولى نحو إدارة عالم نووي متعدد الأقطاب غير مستقر.

المبدأ المهيمن

وفي مواجهة هذا الواقع الجديد، وأخذاً في الاعتبار تكاليفه الباهظة، فإن المبدأ التوجيهي المهيمن للسياسة الأميركية والروسية يجب أن يكون في جعل الحرب الباردة بين روسيا والغرب أقصر ما يمكن وأكثر ضحالة. لكن الضغوط على الجانبين تدفع في الاتجاه المعاكس.

وفي الولايات المتحدة، سيكون الميل نحو اعتماد سياسة قائمة على تغيير النظام. وفي روسيا، فإن الميل أصلاً يذهب باتجاه التخلي عن الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين. وفي ردة على الحرب الباردة الأصلية، فإن التركيز لدى الجانبين سيكون في «الفوز بهذه المسابقة الجديدة»، بدلاً من إدارتها أو نزع فتيلها والتغلب عليها في نهاية المطاف.

في المراحل المتأخرة الناضجة من الحرب الباردة الأصلية، سادت إدارة الصراع بدلاً من تحقيق النصر، واندمجت عناصر من التعاون، مثل معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لعام 1968، ومعاهدات الحد من الأسلحة الاستراتيجية لأعوام السبعينات، ومحطة الفضاء، وإعادة توحيد ألمانيا عام 1990، مع لحظات من التوتر الخطير، كما في حرب تشرين عام 1973 والاضطرابات في القرن الإفريقي، والغزو السوفييتي لأفغانستان.

ونحن نصل إلى تلك النقطة لأن كلاً من روسيا والغرب أضاع «حصته من السلام» التي منحت له بنهاية الحرب الباردة الأصلية، فقط ليلقن الدرس من هذا التنافس المكلف مجدداً.

Email