الانتخابات المقبلة قد تفرز وضعاً شبيهاً بكارثة عام 2006

العراق يعود إلى حافة هاوية الحرب الأهلية

الحملة الفاشلة في الأنبار أثبتت عجز الحكومة العراقية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتخذ الجهات السياسية نفسها التي بدأت الحرب الأهلية في العراق خطوات عدوانية مماثلة اليوم، لكن هذه المرة لا يوجد جيش أميركي يقدم المساعدة للحكومة العراقية الضعيفة من أجل استعادة النظام. وقد قال وزير الخارجية الأميركية جون كيري للصحافيين أخيراً: «من الواضح أننا لا نفكر في العودة»، مضيفاً أنه على الرغم من وقوف واشنطن إلى جانب العراقيين لمساعدتهم، فإن عليهم حل صراعاتهم بأنفسهم.

لكن القادة الحاليين في بغداد يعطون مؤشرات محدودة إلى أن بإمكانهم القيام بذلك، والكوارث في ازدياد. أما العنوان الأبرز في الأخبار، فيتمثل في القتال الدائر في أكبر مدينتين في الأنبار، وهما الرمادي والفلوجة، بين القوات الحكومية وامتدادات تنظيم القاعدة في العراق وسوريا تحت اسم الدولة الإسلامية في العراق والشام.

الجذور المباشرة

والأسباب المباشرة والعميقة الجذور لواقع عدم الاستقرار اليوم يمكن إيجادها في الانتخابات العامة الأخيرة في العراق عام 2010.

حينها، فاز ائتلاف القائمة العراقية المدعوم من السنة برئاسة القائد الشيعي العلماني أياد علاوي، بأكبر حصة من المقاعد في البرلمان، لكن المالكي مع ذلك تمكن من انتزاع ولاية ثانية له رئيساً للوزراء، من خلال تشكيل ائتلاف ضعيف مع أحزاب شيعية أخرى. ثم بدأ بتهميش حلفائه السنة المحتملين، ورفض تولي التكتل السياسي الرئيس المدعوم من السنة إحدى الوزارات الأمنية، وبدأ حملة إعلامية، شاجباً الإرهابيين السنة الحقيقيين والوهميين، كما تحدث غالباً علانية عن معاناة الشيعة. وفي حالة من الإحباط الشديد باشر السنة بالضغط باتجاه منطقة شبه مستقلة خاصة بهم.

وكانت لدى النخبة السياسية في العراق فرص في عكس المسار. وجاءت الفرصة الكبرى الأخيرة مع اندلاع موجة احتجاجات السنة في الأنبار بدءاً من ديسمبر 2012. ولقد اشتعلت الاحتجاجات بعد اعتقال المالكي الحراس الأمنيين التابعين لوزير المالية رفاعة العيساوي، وهو سني من الأنبار. لكن التظاهرات كانت تتجاوز في أبعادها مجرد اعتقال سياسي سني. تحت طغيان اليأس ومع تطلعهم إلى الثورات المثيرة التي كانت تجري في مناطق أخرى من العالم العربي، احتشد السنة في الأنبار وبغداد والأقاليم الشمالية.

وفي هذه الأثناء، كان تنظيم القاعدة يزداد قوة. وكان مقاتلوه قد اتخذوا معاقل لهم في المناطق الريفية خارج بغداد بعد انتهاء خطة زيادة القوات الأميركية في عام 2008. والجماعة كانت تنتظر الوقت المناسب إلى أن جاء ربيع 2013 عندما رأت مناسبة في الطريق المسدود الذي وصل إليه المالكي وحركة الاحتجاج السنية. في أبريل الماضي، بدلاً من أن يمد المالكي يده لعقد تسوية مع حلفائه السنة القدامى، أمر بهجوم واسع النطاق على مخيم احتجاج في الحويجة بشمال بغداد، ما أسفر عن مقتل 51 شخصاً، وشكّل إيذاناً ببدء أيام من الاقتتال حول العراق.

وفي الفترة الأخيرة، كانت الحكومة تقاتل إلى جانب تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، حلفاءها القدامى من السنة الذين يعارضون تنظيم القاعدة، لكنهم ينظرون الآن إلى الحكومة كعدو. ومن دون جهود فعلية لمعالجة المظالم السنية ، من المرجح أن يكون هناك مزيد من الصدامات بين القوات الأمنية والسكان السنة .

يقول رعد دحلجي، العضو السني في البرلمان من بعقوبة كبرى مدن ديالى، وهو إقليم في شرق بغداد: «ديالى هي الآن مسرح قتل وطرد طائفي متبادل بدأ في يوليو الماضي، عندما فجّر أحد الانتحاريين من تنظيم القاعدة نفسه في مأتم للشيعة»، ويضيف: «المنطقة باتت مؤاتية لعمل المجرمين وأي من كان لاستغلال الوضع».

ومع اقتراب الانتخابات العامة المزمع عقدها في أبريل المقبل، فإن فرص الإقبال الموثوق على الاقتراع في المناطق السنية تبدو مشكوكاً في أمرها، وهذا سيعمل على مزيد من تقويض شرعية الحكومة المقبلة.

والتصويت الذي من غير المرجح أن يعطي فوزاً كاملاً لأي من الأحزاب، يمكن أن يترك المالكي ومنافسيه من الشيعة في وضع يتصارعون فيه حول من يجب أن يؤلف الحكومة المقبلة. ومأزق شبيه تلا انتخابات 2006، وفي غضون أشهر من الانتخابات، كانت الحرب الأهلية تستعر خارج السيطرة. وقد يكون السياسيون العراقيون قد بددوا فرصة وقف عودة البلاد إلى ذاك الماضي الملطخ بالدماء.

 

وضع متدهور

تصاعدت التوترات العرقية في العراق بعد قرار رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مواجهة خصومه بدلاً من عقد صفقات معهم، لا سيما معارضوه من السنة في البرلمان العراقي. وهذا أدى إلى انقسام عام كبير ضمن النخبة السياسية العراقية، وإلى تصدع داخل القوى الأمنية.

ويذهب التشرذم عميقاً في البلاد. ميليشيات شيعية متطرفة تتنافس على الهيمنة، وقبائل سنية تقاتل تنظيم القاعدة، وتتناحر في ما بينها، فيما تقتل فرق الموت مجدداً العراقيين العاديين، لأنهم ينتمون إلى طائفة أو أخرى. يقول النائب عزت شابندر، وهو حليف المالكي سابقاً، إن العراقيين مجبرون على إخلاء منازلهم بسبب معتقداتهم، و«إذا بقيت السياسة على ما هي عليه، فإن الوضع سيكون شبيهاً بعام 2006».

Email