إقليم في شرق السودان يسكنه قبيلة الشكرية

البطانة.. سهل الماشية والشعراء

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

هنا يتجلى جمال الطبيعة الأخاذ، لا شيء يشبع الأبصار غير جميل صنع الله في هذا السهل الواسع، إنّ الموجودات في سهل البطانة شرق السودان تنطق جميعها بلسان واحد لغته الإبداع والفطرة، فسحر المنطقة جعلها قبلة الرعاة ومهوى أفئدة الشعراء لاسيما شعراء البادية الذين صاغوا فيها أجمل أشعار «الدوبيت» التي تصف طبيعة المنطقة ومنتجع هواة الصيد البري.

 وما إن تهل بوادر الخريف من كل عام حتى يهيّج البرق أشجان رعاة المواشي ويحرك فيهم الحنين إلى رحلة «النشوق» إلى البطانة، حيث تبدأ قطعان المواشي والفرقان المتحركة رحلتها في بدايات شهر يوليو ويستمرون يتجولون في رحاب السهل الممتد ذي التربة شبة الرملية أربعة أشهر تنقص قليلاً، وحجم القطيع الذي يصل منطقة البطانة في فصل الخريف يصل إلى 10 عشرة ملايين رأس من مختلف أنواع الماشية من الإبل والضأن والأبقار، فالمراعي الطبيعية مرتع خصب لها.

 ناصية كلم

 إنّ أهالي المنطقة لهم الكثير من المميزات التي عرفوا بها، لكن امتلاكهم ناصية الكلم ميزهم عن غيرهم، لاسيّما تفردهم في نظم شعر «الدوبيت» أعذب الأشعار الشعبية التي عرفتها بوادي السودان، فالأغلبية إن لم يكن الجميع في البطانة يقرضون «الدوبيت»، والكثيرون منهم امتدت شهرتهم في ذلك المجال من الشعر إلى جميع أنحاء السودان مثل الحاردلو الصادق حمد الحلال، والعاقب، كما أنّ للمنطقة تراثها وفنونها التي تميزها حيث تعتبر آلة «الربابة» للعزف المحببة لسكان القرى والفرقان بسهل البطانة، وظلّت تلك الفنون تتوارث جيلاً بعد آخر.

 توثيق تاريخ

 ويشير الباحث يوسف عمارة أبوسن إلى أنّ «حديث أهل البطانة شعر»، مشيراً إلى أنّ «كل القبائل المنضوية تحت نظارة الشكرية يفهمون الشعر وينظمونه والشعر هو الذي قام بالتوثيق لتاريخ البطانة»، فيما يذهب الشاعر محمد عبد القادر الحاردلو إلى أنّ «إنسان البطانة مرهف بطبعه وفي حالة شوق دائم وهي من الصفات التي تلازم أهل التنقل المستمر منذ القدم في تاريخ العرب، وأنّ شعراء البطانة وثقوا لتاريخ المنطقة عبر الشعر».

 أسماء

 إنّ لمنطقة البطانة العديد من الأسماء التي عرفت بها منها «ام هبج» و«المرية»، ولكن يعد اسم بطانة أبو علي وحسان هو الاسم المفضل لدى أهلها، وأبو علي وحسان هو أحمد عوض الكريم «ابو سن» الجد الأكبر لقبيلة الشكرية التي تقطن المنطقة، وسهل البطانة الممتد في خمس ولايات سودانية يمثل الصرة التي تجمع بين مكونات سودانية في بيئات مختلفة، لكنهم يجتمعون جميعاً على شيئين فهم يمتهنون الرعي كمهنة أساسية، ويجمعون على أن قبيلة الشكرية هي صاحبة الأرض وتمثل أسرة أبوسن التاريخية بيت النظارة والإدارة والحكم فيها حتى الآن.

 وفضلاً عن الموارد الزراعية والحيوانية التي عرفت بها منطقة البطانة، ومع ظهور معدن الذهب في أنحاء مختلفة من السودان خلال السنوات القليلة الماضية كان لمنطقة البطانة نصيبها هي الأخرى من الذهب. ورغم مخاوف الأهالي مما يمكن أن يجلبه التعدين العشوائي للذهب من أضرار بيئية في المنطقة، غير أنّ استخراج الذهب شكّل مصدراً جديداً للدخل للسكان المحليين وغير بعض أنماط الحياة.

Email