مقدمة قضية الأسبوع

العلاج.. تجارة رائجة بين أطماع الداخل وإغـراءات الخارج 1

ت + ت - الحجم الطبيعي

باتت قضية العلاج تشكل هاجساً وقلقاً كبيراً وصداعاً دائماً للكثيرين في دول العالم وتحديداً في الوطن العربي، خاصة للشرائح من ذوي الدخل المحدود، وأولئك الذين يصنفون أنهم تحت خط الفقر. وفي ظل الظروف الاقتصادية الخانقة، والأوبئة والأمراض المنتشرة، والارتفاع المخيف في تكلفة التشخيص الطبي، وزيادة الأسعار عند زيارة الأطباء، والأثمان الباهظة لروشتة الدواء، وإجراء العمليات الجراحية إذا استدعى الأمر ذلك.

ورغم المجهودات التي تبذلها بعض الحكومات لجعل العلاج تحت مظلة التأمين الصحي والذي يمثل هاجساً آخر بين تعنت الشركات ومغالاة الأطباء والعيادات. وحتى المحاولات المضنية لفتح مسارب بالمستشفيات الحكومية عبر أجور رمزية ودعم للدواء، واجهتها مشكلات قللت من فاعليتها، وتمثلت في نقص الكوادر الطبية، وعدم وجود الأجهزة ذات التقنية المتطورة والإمكانات الحديثة وخاصة عند العمليات الجراحية الخطيرة، وفي ظل تلك الظروف لجأ بعض القادرين للسفر إلى الخارج تتبعاً لحملات الترويج للسياحة العلاجية وإغراءتها.

تحدث كثيرون عن المعاناة المستمرة في تأمين العلاج الآمن والأقل تكلفة في الوقت نفسه، ولأن المعادلة من الصعب تحقيقها، بات الأمر صعباً وتحول إلى تجارة رائجة ورابحة بين أطماع الداخل وإغراءات السفر إلى الخارج، لمن استطاع إلى ذلك سبيلًا.

اهتمام

50٪ من عائدات السياحة يأتي من العلاج

يعتبر صانع القرار الطبي في الأردن أن السياحة العلاجية من أهم الموارد المالية لدعم الاقتصاد، وقد تمكنت الجهات الرسمية من الارتقاء بها إلى مستويات مرتفعة، إلا أن ذلك لم يرافقه ارتقاء في الخدمات الموجهه نحو المواطنين. يقول الوزير الأردني الأسبق والنائب في البرلمان طبيب العيون الدكتور ممدوح العبادي إن السياحة العلاجية في المملكة ترتقي لتصبح من أهم الموارد السياحية في البلاد، ويدرك صناع القرار الطبي والسياحي أهمية ذلك الأمر لذا يرفعونها الى درجتها التي يجب أن تكون عليها. وأكدت أرقام جمعية المستشفيات الخاصة أن مردود تلك السياحة محليا يزيد على المليار دولار، وأن 50% من دخل السياحة الأردنية الإجمالي يأتي من الشق العلاجي. وبدأ التطور الطبي يأخذ علامته المميزة في الإقليم باستفادته عبر التاريخ من الهجرات الجماعية، والنقلات السياسية المهمة، وخاصة بعد فتح الجامعات المصرية أمام الطلبة الأردنيين.

عقبات علاجية

تواجه أصحاب الدخل المحدود والشرائح الفقيرة عقبات في كيفية إيجاد العلاج ويتمثل ذلك في مغالاة العيادات الخاصة برسوم العلاج وانعدام الدواء أو ارتفاع أثمانه في الخارج، والأطماع في فاتورة الدواء. في الوقت نفسه تكمن العقبة الأخرى في عدم فاعلية التأمين الصحي نظراً لمراوغة بعض شركات التأمين، بينما لا يجد المرضى من القادرين مفراً من إغراءات الخارج عبر الترويج للسياحة العلاجية وتكاليفها الباهظة.

كفاءات مهاجرة

ويوجد في الأردن أكثر من 35 ألف طبيب، يعمل معظمهم خارج المملكة، في دول الخليج والسعودية ودول أوروبية مثل فرنسا وايطاليا وبريطانيا وألمانيا. ووفق إحصاءات نقابة الأطباء فإن أعداد كل دولة لا تقل عن الألف طبيب من أبناء المملكة المؤهلين. ويعاني المواطن الأردني من ارتفاع تكاليف العلاج بصورة تفوق مدخولاته، وهو ما جعل الخبراء يحذرون من أن القطاع الصحي في المملكة الذي ارتقى إلى مستويات يشعر معها الأردنيون بالفخر عصي على المرضى من أبناء الوطن. وعلى حد تعبير الكاتبة الأردنية عائشة الخواجا الرازم في تصريح لـ «البيان» فإن الصبغة التجارية طغت على كثير من ممارسات العمل الطبي، فهناك مستشفيات ربحية تجارية تترك المرضى المعوزين يموتون نزفاً إذا لم يدفعوا تأمينا قبل دخول المستشفى.

وكانت سياسة الدولة اعتمدت على خصخصة العلاج بالمملكة مع تركها الباب مواربا لعلاج الفقراء في المستشفيات الحكومية التي تعاني إهمالاً كبيراً في مستوى الخدمات المقدمة. والنقطة الأشد قلقاً لعدد ليس قليلا من خبراء القطاع الصحي داخليا سياسة خصخصة القطاع الصحي.

فواتير مرتفعة

وكان وزير الصحة الأسبق الدكتور زيد حمزة قال إن في الأردن قطاعاً طبياً عاماً نما ونجح عبر عشرات السنين وتمثله أولاً وزارة الصحة بما تقدمه لغالبية المواطنين من خدمات الرعاية الصحية، ليس فقط للمؤمَّنين صحياً بل لباقي المواطنين الذين يحظون بكل أنواع الرعاية مقابل أجور رمزية مدعومة قد تكون أقل بكثير مما يدفعه الموظف لصندوق التأمين الصحي.

منظومة

بدائل طبية بالجزائر والمجانية سائدة

تنفرد المنظومة العلاجية في الجزائر بطابع المجانية، ما ظلّ يشكّل مصدر راحة لأصحاب الدخل المحدود، وتزخر الدولة بالعديد من البدائل الطبية التي تستقطب الفقراء وآخرها التداوي بالأعشاب، بيد أنّ متابعين للوضع الصحي محلياً، يرون أنّ الأخير لا يزال علاجاً هشاً، رغم ضخامة الإنفاق الرسمي على القطاع.

وأشار محمد قنار المسؤول المركزي على مستوى وزارة الصحة، إلى الاهتمام الرسمي الدائم بترقية العلاج، لذا وضعت برنامجا شاملا لتطوير يسمح بتحسين نوعية الـخدمات والتكفل براحة الـمريض وبأمنه، وإزالة الفوارق الصحية على مستوى 48 ولاية بالبلاد.

وهناك مساع لاستكمال نظام المتابعة الصحية، والارتقاء بتسيير المستشفيات، وتحديد مقاييس الجودة ومؤشرات النجاعة الخاصة بالهياكل الصحية، حتى يمكن التكفل بالأمراض غير المتنقلة، مع العمل على إيصال الأدوية لمستوى 80% من الاستهلاك الإجمالي، والنهوض بعمليات زرع الأعضاء وجراحة القلب الخاصة بالأطفال وتدعيم صحة الأمومة والطفولة.

ويرى أنّ نوعية العلاج داخلياً لا تزال دون المستوى المطلوب، ايا كان بالمستشفيات المملوكة للحكومة أو الخاصة، ورغم انّ الحكومة لم تقصّر، برصدها مخصصات هائلة منذ 13 عاما لإصلاح المستشفيات و«أنسنة» العلاج، الا ان ضعف مستوى الخدمات وعدم التكفل الجيد، دفعا كثيرين إلى مراجعة العيادات الخاصة أو السفر لخارج البلاد.

خدمات متميزة

ويشدد مدير مستشفى القبة بقلب العاصمة محمد غويلة، على أنّ السواد الأعظم من المواطنين يفضلون العلاج بالمستشفيات العمومية التي توفر مجانية العلاج وتكتفي بفرض مبالغ رمزية، لا تتجاوز المئة دينار «دولار» لكل مريض يقضي ليلته في أحد المشافي. والمستشفيات المملوكة للحكومة تمنح خدمات علاجية متميّزة، وصارت طواقم المشافي تتكفل بمواطنيها على نحو جيد في بلد يشهد تناميا للسرطان بأنواعه والأمراض القلبية، وداء السّكري، فضلا عن الأمراض المزمنة.

وتأثر العلاج بما يتضمن ملف الأدوية من تخبطات، مع أنّ فاتورة الواردات من الأدوية بلغت في حدود الملياري يورو، رغم القرار الحكومي المتخذ في يناير 2009 وينصّ على منع استيراد الأدوية المصنوعة محليا، وإنشاء وكالة محلية مركزية للمواد الصيدلانية وترقية الأدوية الجنيسة إلى جانب محاربة الأدوية المزيفة.

وعدّد الاختصاصي حسين شاوش عدة محاذير تربك منظومة العلاج، حيث تظهر كل سنة 40 ألف إصابة جديدة في جميع أنواع السرطان بالبلاد، ويقدّر معدل الإصابة بنحو83.4 حالة لكل مئة ألف من الرجال، و85.9 حالة للنساء، ولا يخضع أولئك إلى التشخيص المبكر، ما يعقّد عملية شفائهم. وعادة ما يضطر المرضى إلى التنقل بعيدا، ويضطر آخرون إلى الانتظار طويلا حتى تحين أدوارهم!، وتربط مهدية سعيدي مشاكل العلاج بنقص التنظيم والتنسيق بين مختلف المصالح، وندرة بعض الأدوية رغم ان ثمنها غير مرتفع، ما يقتضي توسيع مراكز العلاج وتزويدها بالتجهيزات الضرورية.

وسائط مغايرة

يتجه الجزائريون بكثافة ملحوظة إلى الحمامات المعدنية بغرض التداوي، خاصة الذين يعانون أمراضا جلدية أو التهابات بالمفاصل وأصحاب الأمراض المزمنة ممن يجدون ضالتهم بمياه الينابيع الساخنة التي ينصح بها علاجيا. ويجنح آخرون إلى التداوي بالأعشاب الذي تنامى في الأعوام الأخيرة مع كثرة الحديث عن الطب البديل كـ«ملجأ»، الا ان غياب كفاءات ونقص أهل الاختصاص وعدم خضوع ذلك النوع من التداوي للتأمين الاجتماعي، يدفع الكثيرين للاستمرار مع الطب الكلاسيكي.

ويفضل فريق من السكان المحليين استخدام طريقة «الاستحمام بالرمال» في مناطق الجنوب، بعدما أثبت أطباء محليون فاعليته وجدواه في علاج أمراض المفاصل والعظام.

عيادات البحرين الخاصة تزيد الأعباء

أصبح العلاج بعيادات البحرين الخاصة مكلفاً ويثقل كاهل الكثيرين مادياً في ظل ارتفاع الأسعار وتفاوتها من مستشفى إلى آخر، ما يجعل محدود الدخل متردداً في زيارتها إلا عند الحاجة ، ذلك ما أكده استشاريون واختصاصيون ومواطنون، ويظل الازدحام والضغط على المستشفيات والمراكز الحكومية التي تعالج بالمجان أفضل من غيرها بالمنطقة، إلا أن ذلك جعل الخدمات المقدمة أقل من العيادات الخاصة، ما يدفع البعض للاستدانة أوالاقتراض من البنوك ليسافر خارج الدولة إذا كان مضطراً.

 

وأكد استشاري الطب النفسي ورئيس مجلس إدارة مستشفى سيرين للطب النفسي بالمنامة الدكتور عبدالكريم مصطفى، أن الترويج للسياحة العلاجية بالخارج للمرضى القادرين يعتبر نزيفاً اقتصادياً خطيراً بالغ التكلفة، وقد يقع المريض في خداع يجعله يتلقى خدمة متواضعة، والمريض يكون مضطراً للسفر إلى الخارج إذ لا فرصة له في 17 مستشفى للطب الخاص، وهناك حالات تتأخر باتخاذ القرار وانتهت بالانتحار أو القتل أو غير ذلك. وأشار إلى إن الهيئة الوطنية لتنظيم المهن والخدمات الصحية تضع حالياً لمساتها النهائية لإيجاد خدمة متخصصة بالمملكة والخليج لأول مرة لتعكس اتجاه السياحة العلاجية داخلياً، ومن مآسي الطب النفسي رفض شركات التأمين تغطيته بسبب جهل المسؤولين في الشركات بأهميته.

وهناك ما يسمى في المستشفيات الخاصة ملف المريض النفسي الذي يكلف شركات التأمين زيارات كثيرة لتخصصات طبية مختلفة، مع فحوص مكلفة لا لزوم لها، بل قد تؤدي إلى حدوث أمراض لم تكن موجودة، وتدفع شركات التأمين لكل التخصصات إلا الطب النفسي الذي قد يساعد المريض وربما يجنبه الأدوية والفحوص غير اللازمة.

الحكومية أفضل

وقال مدير مستشفى الريان عبدالله لوري علي إن الخدمات المقدمة للمواطنين بالمستشفيات الحكومية وهي مجانية أفضل بكثير، إلا أن بعض الأدوية غير متوافرة، بجانب الازدحام والضغط، وتأخر المواعيد، فيضطر البعض اللجوء للعيادات الخاصة، وهي بلا شك مكلفة إذا ما تم إجراء الفحوصات بأنواعها وتثقل كواهل المواطنين المادية، ويعتبر التأمين الصحي أحد الحلول، إلا أنه يجب إخضاعه لشروط وآليات يتم فيها تصنيف البطاقات للمواطنين والدولة معنية بذلك، إذا ما تمت الموافقة على التأمين وهو قيد الدراسة من الحكومة. وأما لجوء المواطنين للعلاج بالخارج، فذلك هو الخيار الأخير لهم إذا لم يحصلوا على ما يطمحون إليه بالمستشفيات الحكومية، والخاصة بلا شك مكلفة جداً، والحكومة ممثلة بوزارة الصحة تقوم بابتعاث المرضى للخارج وفق ميزانية محددة، بحسب ظروف المريض واحتياجاته وعدم توافر العلاج في الداخل.

وأكد الناشط الاجتماعي خالد موسى البلوشي أن أغلب دساتير الدول تنص على أن الخدمات الصحية حق للمواطن يجب على الدولة الإيفاء به ، ولعلنا في المملكة ننعم بخدمات الحكومة، وهناك نقص ببعض الخدمات أو ضعف بسبب القصور لأسباب عدة. والنقص يجعل المواطن مضطراً للعلاج في مستشفيات خاصة، وهي مشاريع استثمارية لأصحابها ما أفقدها الجانب الإنساني، وينعكس ذلك بطريقة تعاملها المادي مع المريض وارتفاع الأسعار، وبعض العيادات عند افتتاحها تطلب 10 دولارات رسوم استشارة، ثم يصل المبلغ فجأة بعد فترة إلى 30 دولاراً، بجانب أسعار الحقن والتمريض والأشعة والتحاليل، وربما لا حاجة لها سوى الانتفاع المادي.

والمطلوب من الدولة العمل على وضع ضوابط لعمل المستشفيات والعيادات الخاصة، مع المراقبة الفعلية للأسعار مقارنة بالخدمات، وضرورة اتخاذ إجراءات صارمة تجاه الأخطاء الطبية والإهمال في إسعاف أو علاج مريض، والعمل على تطوير القطاع الصحي وتوفير كافة الخدمات الصحية المجانية للمواطنين، وضمان الحصول على الدواء والعلاج لكافة أنواع الأمراض العارضة أو المزمنة.

تطبيق نظام الضمان الصحي بالبحرين بداية 2018

كشف رئيس المجلس الأعلى للصحة الفريق طبيب الشيخ محمد بن عبدالله آل خليفة في تصريح سابق أن قانون الضمان الصحي أو التأمين الصحي، سيبدأ بتطبيقه في البحرين مع بداية عام 2018، بعد أن يتم رفع التقرير النهائي عنه للحكومة، وبالتعاون مع البنك الدولي في الربع الأخير من العام الجاري، وبعد العمل خلال هذه السنوات لإعداد الآليات لتطبيقه، مشيراً إلى أن الضمان الصحي سيكون مظلة صحية لتأمين تغطية تكلفة الخدمات الصحية للبحرينيين والمقيمين في القطاع الصحي العام والخاص، ولكنه سيتدرج بمراحل ومحطات حتى يغطي الجميع.

ملاذ

فرنسا مستشفى المرضى الأجانب

يقصد فرنسا سنويا نحو 30 مليون سائح يأتونها من مختلف بلدان العالم من أجل معالمها السياحية والثقافية التي صنعت صيتها الدولي كبرج إيفل ومتحف اللوفر وكنيسة نوتردام دو باري، وظهرت سياحة جديدة في العشرية الأخيرة، وبدأ ناشطوها يكثرون سواء من جيران فرنسا الأوروبيين أو بالضفة الأخرى للمتوسط كالمغرب العربي وبعض دول الخليج وهي السياحة الطبية.

والمفهوم الجديد كثر تداوله أخيرا خاصة بحملات الانتخابات من اليمين الجمهوري واليمين المتطرف للضغط على حكومة مانويل فالس الاشتراكية لغلق أبواب المستشفيات والمراكز الطبية أمام الأجانب، بعدما صارت تنخر في ميزانية الدولة وتكلفها ملايين اليوروهات سنويا.

ويعتبر النظام الصحي المحلي من الأنظمة الأكثر تقدما عالميا، ويستقطب الملايين للاستفادة من خدماته ومستوى أطبائه وجراحيه، وفعالية نظامه الصحي، وتأمينه الاجتماعي، ورغم العجز الذي يسجله بخزينة الدولة، إلا أنه يقدم الكثير لأصحاب الدخل المحدود والطبقات الفقيرة. وهو نظام عمومي تموله الدولة بفضل الضرائب التي تفرضها على مواطنيها والمساهمات الاجتماعية من مرتبات الموظفين، ما مكنها من تقديم خدمات للفرنسيين يحسدهم عليها بعض جيرانهم الأوروبيين.

وتتحكم الدولة بتسيير مختلف قطاعات ومؤسسات النظام الصحي على الصعيدين الوطني والإقليمي، ويحدد القانون الأخير الذي اعتمدته الدولة المبادئ التوجيهية التي يجب العمل بها كالتنظيم والموارد المالية للمؤسسات الصحية بفضل السيطرة على الإنفاق والحد من الفوارق الاجتماعية بمجال الصحة. وأفاد تقرير لمنظمة الصحة العالمية بأن فرنسا لديها أفضل خدمات صحية، وبمتوسط تكلفة الفرد الرابع عالميا، ما جعلها الأولى بالعام والخاص في المستشفيات وتمويل الخدمات الطبية.

استقطاب الرؤساء

واختار رؤساء عرب وأفارقة العلاج بالمستشفيات الفرنسية والاستفادة من خبرة أطبائها وجراحيها ، وما زاد من سمعة هذه المستشفيات وترتيبها عالميا، بحسب الدكتور كريستون غوف المسؤول بمصلحة الاستعجالات في مستشفى لورد بالجنوب «الكثير من المرضى الأجانب يقصدون مستشفياتنا للعلاج، لخبرة أطبائها وجراحيها والخدمات المتميزة، ورؤساء وزعماء العالم خير سفراء لنظامنا الصحي في الخارج»، وجاء نحو 60 ألف مريض من 186 دولة للعلاج هنا في 2011، 55 بالمئة من دول الاتحاد الأوروبي، وشمال أفريقيا كالجزائر والمغرب، ورومانيا والكويت، و93 بالمئة منهم تعالجوا بمستشفيات عمومية.

علاج مجاني

الجزائري محمد س. قصد فرنسا للعلاج ومنذ شهر ينتظر موعدا لمقابلة مختص في جراحة الأمعاء والمعدة بمستشفى سان أنتوانفي باريس واحد يقول «أكثر من خمس سنوات وأنا أعالج بمستشفيات وطني والنتيجة سلبية، فطبيبي نصحني بالمجيء إلى فرنسا خاصة وابني مقيم هنا». أما عن مصاريف العلاج وهي مرتفعة مقارنة براتب تقاعدي الشهري 100 يورو، فيقول «سأدفع في البداية 80 يورو للطبيب المختص ونحو 300 يورو على الكشوف الطبية والتحاليل، وبعدها ستحدد نتيجة كل ذلك هل كنت أحتاج إلى عملية أو لا وربما تكلفني 20 ألف يورو»، ونصحني ابني المقيم هنا بالبقاء ثلاثة أشهر لمواجهة التكاليف الباهظة، بالاستفادة من العلاج المجاني من الدولة.

الكل سواسية

ويؤكد الباحث سفيان بن دوينة أن العدالة إحدى نقاط القوة في النظام الصحي الفرنسي، فالمريض لا يعاقبه أحد على عمره أو جنسه أو تاريخه الطبي، فالكل سواسية في المرض والحق بالعلاج، وأهم شيء بالنسبة للنظام الفرنسي أن لا فوارق بين فقير وغني، ففرصة العلاج والاستفادة من الخبرات والوسائل المتاحة بالمستشفيات ومراكز الدولة الطبية متساوية بالنسبة لجميع الفرنسيين، وهذا ما لا نجده في بلداننا. ويؤكد بحكم احتكاكه الكبير بأفراد الجالية العربية المقيمة «الكثير من العرب خاصة من شمال أفريقيا يأتون إلى هنا للاستفادة من الخدمات، فالنظام الصحي نظام تغطيته شاملة وعدالته كاملة ومعايير رعايته مثلى، مع غياب قوائم الانتظار فيه».

بقرة الأجانب

واذا كان النظام الصحي يصنع أفراح المرضى الأجانب، إلا أن الأصوات التي تنادي باغلاق أبواب المستشفيات أمامهم صارت ترتفع أكثر فأكثر بين الفرنسيين، وخاصة من السياسيين، حيث اعتبرت زعيمة الجبهة الوطنية المتطرفة مارين لوبان أن فرنسا صارت البقرة الحلوب للعلاج بالنسبة للمرضى الأجانب، وتذهب ملايين اليوروهات هدرا من خزينة الدولة ومن أموال المواطنين لعلاج الأجانب. وعلى الدولة الكف من تمثيل دور الأم الحنون... والأحرى بها أن تنفق الأموال على مواطنيها.

Email