عشرات الآلاف من النساء خلف القضبان بسبب الديون

الغارمون.. ظاهرة تؤرق المجتمع المصري

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

بسبب جنيهات قد يفقد عائل أسرة أو ربة منزل حريتهما، ويزج بهما في السجون لينال لقب الغارم، فهو لم يسرق أو يخون ولم يرتش، إنما جريمته، أنه لم يتمكن من رد دين استدانه.

وأضحى الغارمون والغارمات ظاهرة اجتماعية تؤرق المجتمع المصري، لتكشف خللاً جسيماً في بنيته، الأمر الذي دفع بعض الناشطين والجمعيات الاجتماعية والخيرية لإطلاق دعوات لمد يد العون لهم، وسداد مديوناتهم، لانتظارهم الطويل لشروق شمس الحرية.

وهناك حكايات متعددة ومختلفة، فقد اضطرت منى إبراهيم وهي أم لأربعة، وزوجها مريض، لاستدانة مبلغ 200 جنيه، ورغم من ضآلة المبلغ وقعت على شيكات بمبالغ أكبر لضمان حق الدائن، وفوجئت بأنها لا تستطيع التسديد، فوصلت فوائده، مع التأخر في السداد إلى ألف جنيه، ولعجزها في الإيفاء بالمطلوب، قاضاها الدائن وتم الحكم عليها بالسجن 7 سنوات.

وتسرد مديحة أحمد تجربتها قائلة: اشتريت غرفة نوم بستة آلاف جنيه بنظام التقسيط، وعندما فشلت في دفع الأقساط وجدت أن المبلغ قد أصبح 20 ألفا بشيكات كثيرة، فكل الشيكات التي وقعت عليها كانت على بياض، وكان ذلك شرط البائع، حتى يعطيني غرفة النوم، وكانت النتيجة أن حكم علي بالسجن 10 سنوات.

رغم عدم وجود إحصائيات دقيقة عن أعداد الغارمات في مصر، إلا أن هناك مؤشرات تدل على أن عشرات الآلاف من النساء عجزن عن سداد ديونهن، لينتهي بهن الأمر في السجون، وعلى الرغم أن الرئيس المصري قد أصدر قراراً سابقاً بتحمل القوات المسلحة المصرية سداد المبالغ المالية المستحقة على 320 غارماً وغارمة من المحبوسين على ذمة قضايا العجز عن سداد الأقساط وإيصالات الأمانة.

وهو الأمر الذي أثار ردود فعل إيجابية في الأوساط الاجتماعية والمنظمات المعنية بالشؤون المجتمعية، ودفع كثيرًا من الجمعيات الخيرية للعمل على حل أزمة الغارمين والغارمات ومنح ذلك بالفعل أعدادا منهم حريتهم من السجون بعد أداء ديونهم، إلا أن القضية لاتزال في حاجة إلى مواجهة من المنظمات الحقوقية وتلك المعنية بشؤون المجتمع، إضافة إلى دور الدولة ووضع تشريع قضائي للقضاء على هذه الظاهرة.

تفشي الفقر

وترى أستاذ الفلسفة والعقيدة بجامعة الأزهر الدكتورة آمنة نصير، أن الغارم أو الغارمة لهما حق على مجتمعهما، وينبغي أن يساعدهما ويمد لهما يد العون.

وقد أمرنا الله تعالى أن نفك كربهم، وجعل سداد دينهم أحد مصارف الزكاة، وجاء نص القرآن الكريم في سورة التوبة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.

وهناك عدد كبير من الجمعيات الخيرية وتلك المعنية بالشؤون الإنسانية، استطاعت تحرير أعداد كثيرة من الغارمين والغارمات، خاصة الأمهات منهن واللاتي يعتبرن مثالاً حياً للتضحية والكفاح من أجل أسرهن، ولو كان المجتمع منصفًا لقام بتكريمهن بدلا من سجنهن.

وتوضح أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس الدكتورة سامية خضر، أن الظاهرة لم تظهر بين يوم وليلة، بل هي نتاج تحولات اقتصادية عديدة شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية، بجانب تفشي ظاهرة الفقر والبطالة في المجتمع، وعدم قدرة الأسر على توفير مصدر دخل يضمن لها الحد الأدنى من حياة المتعفف.

وأجزم ان الذين عجزوا عن سداد ديونهم رغم بساطتها، ليسوا مجرمين تحت أي ظرف، بل غول الحاجة وظروف المعيشة الصعبة هي التي اضطرتهم إلى ذلك الطريق الوعر طريق الديون.

وعليه لابد للدولة والقانون أن يرأفا بأحوالهم، فهم وغيرهم الآلاف يعيشون ظروفا شديدة القساوة، وربما يعيشون على الكفاف ولا يجدون قوت يومهم، فمن الطبيعي أن يلجأوا إلى الاستدانة كسبيل وحيد أمامهم، وللأسف لاتزال في القانون بعض الثغرات في التعامل مع قضية الغارمين، والذين قد يحولهم دين لا يتعدى مئات الجنيهات، إلى مجرمين ليزج بهم خلف أسوار السجون.

Email