وزير الموارد المائية الجزائري لـ « البيان»:

10 تحويلات كبرى للمياه الجوفية في الصحراء

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تطرق وزير الموارد المائية الجزائري المهندس حسين نسيب، في حوار خص به « البيان» إلى جملة من التحديات التي تواجه الجزائر والمنطقة العربية في مجال توفير المياه العذبة للبيوت وتأمين الموارد المائية الكافية للقطاع الزراعي والصناعي خلال القرن الحالي معتبراً أن المياه تعتبر عنصراً لتوتر حقيقي في المنطقة، التي تعتمد على مصادر من خارجها لضخ هذه الثروة المهمة.

وأشار إلى الاستثمارات الضخمة التي خصصتها حكومة بلاده لقطاع الموارد المائية خلال الخطة الخمسية المقبلة لتنويع مصادر توفير الماء باللجوء الى التحويلات الكبرى من الصحراء نحو الشمال، وكذلك الاعتماد على تقنية تحلية مياه البحر الابيض المتوسط وتوسيع قدرات تحزين مياه الأمطار ببناء حوالي 30 سداً جديداً وإعادة تأهيل أكثر من 100 سد من الحجم المتوسط والصغير.

 وكشف نسيب أن الاستثمارات الخاصة بالقطاع للخطة الخمسية «2015 ـ 2019» تقدر بنحو 18.75 مليار دولار لتأمين المياه بواسطة السدود والتحلية وتطهير المياه العادمة وتوجيهها لقطاع الزراعة. فإلى تفاصيل الحوار :

ماهي استراتجية حكومتكم لتغطية العجز الحالي في الموارد وضمان الأمن المائي على المدى الطويل؟

قطاع الموارد المياه استراتيجي وحساس بالنسبة للتنمية الاقتصادية بالبلاد، والدليل أنه منذ بداية عام 2000 خصص رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة موازنة ضخمة تجاوزت 20 مليار دولار..

وحرص على توفير الإرادة السياسية من جميع السلطات للنهوض بالقطاع وخاصة ان الجزائر تنتمي الى المنطقة العربية المعروفة بشح سقوط الأمطار وتذبذبها وتبعيتها الى دول خارج المنطقة العربية في توفير الموارد المائية، وتوزيعها جغرافيا ليس منتظماً، ما يجعل ذلك من أخطر التحديات.

تلك التحديات تركزت على استراتيجية متعددة الجوانب تقوم على التخطيط طويل المدى لمواجهة دورات الجفاف التي تعرفها المنطقة، التي كان آخرها عام 2001، حيث عرف معدل تساقط الأمطار تراجعا حادا تراوح بين 50 و75% في مناطق وسط وغرب البلاد.

وهي وضعية أدت بالسلطات المحلية الى اقامة استثمارات كبيرة سمحت بتوفير المياه الصالحة للشرب على مدار الساعة لنحو 75% من السكان في المناطق الحضرية وخاصة في غرب البلاد، التي كانت تزود بماء الشرب مرة واحدة كل ثلاثة أيام، وبمعدلات ملوحة بلغت 7 غ في اللتر.

إلا انها اليوم أصبحت تزود بالمياه العذبة على مدار الساعة، ومصدرها تحلية مياه البحر وباتت هناك القدرة على تصدير مياه الشرب إلى المناطق المجاورة لها على غرار ولايات معسكر وتيارت، وبفضل استثمارات ضخمة في قطاع الموارد المائية ومنها اقامة اكبر نظام لتحلية مياه البحر في العالم وهو مصنع تحلية ماء البحر بمنطقة المقطع قرب وهران بطاقة إجمالية تناهز 500 ألف م3 التي ستعزز الأمن المائية للمنطقة.

بالنسبة لمناطق وسط البلاد وخاصة الهضاب العليا ندرس حاليا إقامة 10 تحويلات كبرى من المياه الجوفية في الصحراء نحو الهضاب العليا لتنمية المنطقة لدعم الزراعة وتوفير ظروف النجاح لخيار الهضاب العليا في حدود 2030 كمنطقة للزراعة والصناعة وخفض الضغط السكاني الذي تعانيه مدن شمال البلاد اليوم، وهو ما تم الشروع فيه من خلال انجاز طريق سيار في المنطقة على مسافة 1200 كلم بالإضافة الى شبكة للسكك الحديدة بطول 1200 كلم أيضا وإقامة مناطق صناعية للاستثمارات المختلفة.

ما حجم الموارد المتاحة للجزائر في منطقة تعرف شحاً كبيراً؟

المعايير العالمية تحدد 1000 متر مكعب للفرد في السنة، وعندنا 600 فقط سنويا، ما يجعلنا من الدول الفقيرة مائيا. واستراتجية الحكومة تركزعلى إبعاد شبح العطش، وتوفير الموارد المائية سواء من المصادر التقليدية أوغيرها للبيوت والصناعة والزراعة في إطار يتلاءم مع حماية النظام البيئي.

وبلادنا تنتمي الى منطقة شبه جافة ما دفعها لوضع الاستراتجية لتبعد شبح الجفاف وهو ما يتم منذ عام 2000 بهدف توفير الأمن المائي من مصادر متنوعة وهي السدود وتحلية مياه البحر وتدوير المياه العادمة وإعادة تطهير كل المياه المستعملة بحلول عام 2020.

وللأسف بلادنا تخسر كميات ضخمة من المياه التي تذهب الى الأودية والبحر دون معالجة وهي فرص ضائعة لتنمية القطاع الصناعي، وتمنع البلاد من توسيع المساحات الزراعية المسقية.

وهدفنا الآني هو مضاعفة قدرات تطهير المياه المستعملة من 800 مليون م3 سنويا حاليا الى ملياري م3 على المدى المتوسط وهو ما يسمح بمضاعفة المساحات الزراعية المسقية من 1.2 مليون هكتار إلى 2.5 مليون هكتار مع مطلع 2020. وهذا الهدف الاستراتيجي يعطي للجزائر قدرة اضافية في مجال ضمان أمنها الغذائي، وخفض فاتورة الاستيراد التي تجاوزت 12 مليار دولار في العام الماضي.

كميات مؤمنة

ما عدد السدود الموجودة لديكم حاليا؟ وما هي الكميات المؤمنة من الموارد السطحية؟

حتى نهاية العام الحالي لدينا 72 سدا في نطاق الخدمة، وبطاقة تحزين 7.4 مليارات متر مكعب.

وبالقدرات الحالية ننتج 10 مليارات متر مكعب سنويا منها 6.5 مليارات لقطاع الزراعة كأكبر مستهلك للمياه والمعدل المذكور يمثل مشكلة بسبب اعتماد الزراعة محليا على طرق السقي التقليدية، وهي تهدر أكبر حجم من الثروة المائية للبلاد بسبب التبخر الكبير للمياه ورفع معدلات ملوحة التربة..

وكذا التأثير السلبي على المحاصيل. وبالنسبة لمياه الشرب فالإنتاج الحالي من مختلف المصادر 3.6 مليارات متر مكعب وحتى نهاية العام الجاري أي بمعدل 10 ملايين م3 في اليوم لتزويد قطاعي الصناعة والخدمات.

قلتم إن الجزائر لا تستغل جميع القدرات المتوفرة مائيا مقارنة بدول الجوار، كيف ذلك؟

نحن على مستوى الوزارة قمنا بمسح وطني خلال زياراتنا الميدانية، ووجدنا أن هناك أكثر من 100 سد من الحجم الصغير تتراوح طاقة كل واحد، بين 500 الف وخمسة ملايين، بعلو يقدر بـ15مترا في المتوسط..

الا انها غير مستغلة أو أنها تدار بطرق غير مهنية في أحسن الأحوال. ما دفعني لتقديم طلب رسمي للوزير الأول، لوضع اطار قانوني يسمح بإدراج تلك المنشآت إلى سلطة الموارد المائية، حتى تتمكن من اصلاحها وإعادة تأهيلها وبالتالي استغلالها بطرق وتقنيات صحيحة، تسهم في رفع قدرات التخزين، وتوفير قدرات اضافية لسقي الزراعة.

هل لديكم استراتجية شاملة طويلة المدى لتوفير الموارد المائية؟

وضعت الجزائر في سبتمبر الماضي ولأول مرة منذ الاستقلال، مخططا وطنيا للمياه حتى عام 2030، وهو مخطط ديناميكي سيكون مرجعية للاستشراف والتخطيط لتوفير الموارد المائية إلى 50 مليون نسمة عند ذاك الوقت، علما أن 90% من السكان سيعيشون خلال عام 2030 في المدن الكبرى..

وهناك تحديات مرتبطة بإدارة شبكات الصرف الصحي، وإعادة تدوير المياه العادمة وتوجيها للزراعة ومضاعفة المساحات المسقية التي تسمح بضمان الأمن الغذائي وتطوير الصناعات الغذائية.

تطهير المياه

ما هي القدرات المتوافرة حاليا بمجال تطهير المياه المستعملة؟

بالنسبة للصرف الصحي قطعنا أشواطا متقدمة جدا، جعلنا بمستوى الدول الصناعية الكبرى، حيث بلغ معدل ربط البيوت بشبكات الصرف الصحي 97%، والتحدي أمامنا يتمثل بإعادة استغلال المياه المستعملة بعد تطهيرها في الزراعة وسقي المساحات الخضراء، ورفع قدرات التطهير عبر تأهيل وصيانة المحطات الموجودة وعددها 165محطة بالخدمة، وإنشاء محطات جديدة بكل مدينة يفوق عدد سكانها 100 الف نسمة.

ويجب الاعتراف أننا حتى عام 2000 كانت لدينا 10 محطات تطهير فقط، وأغلبها لا يعمل، فكانت معظم المياه المستعملة تذهب بدون تطهير لتصبح مصدر تلوث خطيرا للسدود والخزانات الجوفية والصحة العامة، ونقوم حاليا بإنجاز 35 محطة جديدة.

وبالنتيجة هناك قيمة اضافية للصحة العامة وللزراعة والصناعة، مع مساع لوقف هدر ثروتنا المائية. والتزامنا انه بحلول 2020 لن يذهب أي متر ماء الى الطبيعة دون تطهير، وسنركز على عدم تلويث الأودية والطبيعة والسدود والبحر، وذلك بموجب اتفاقية برشلونة لحماية البحر الابيض المتوسط، والبداية ستكون عام 2017 بعاصمتنا الوطنية ومدينة وهران غرب البلاد وعنابة في الشرق، وسنصل بحلول 2020 الى حل نهائي لمشكلة المياه المستعملة.

ماذا عن مشكلة صعود المياه المالحة بمدن الصحراء، وتأثيرها سلبا على الزراعة؟

بالنسبة لتلك الظاهرة فقد استثمرنا 750 مليون دولار لمعالجة المشكلة، عبر اقامة منظومة متكاملة لتحويل المياه الى خارج التجمعات السكنية في الجنوب، وخاصة مدن ورقلة على مسافة 180 كلم والمصممة على شكل مركب يتضمن 28 محطة ضح و3 محطات تطهير مياه وقنوات ضخمة لتحويل المياه، و77 كلم لجمع المياه الجوفية العالية الملوحة وسط الصحراء. ونفس النظام لمدينة وادي سوف في الجنوب الشرقي للبلاد.

هذه الانظمة أصبحت تثير اهتمام العلماء في جامعات مرموقة عالميا للتعرف على هذه الظاهرة ودراستها عن قرب بعد نجاح الحكومة الجزائرية في التعامل مع صعود المياه في الصحراء لأول مرة، لأن الظاهرة تدمر الزراعة والمحاصيل وتشكل تحديا للصحة العمومية وحتى للجانب العمراني حيث تأثرت الاساسات بشكل متقدم.

كيف يمكن إنجاح الاستراتجية للاقتصاد بالمياه، والحكومة ترفض رفع أسعار الاستهلاك التي تعتبر منخفضة مقارنة مع دول المتوسط؟

اقتصاد الماء له أهميته بالدول الفقيرة مائيا، وبالنسبة لنا يتم وفق مستويات مختلفة، الأول بإعادة تدوير المياه العادمة وهي كميات تسمح باقتصاد مياه السد ومحطات التحلية، ويتمثل المستوى الثاني بتعزيز عمليات صيانة وتأهيل الشبكة الوطنية لتوزيع المياه، فمعدل الضياع مرتفع نوعا ما. ويجب الوصول لتجديد كامل الشبكة على المدى البعيد..

وبالتالي الحد من هدر المياه خلال الجر والتوزيع. ثم المرحلة الثالثة وهي استعمال الطرق العصرية في السقي بالتقطير، ومنع التقليدي المتمثل في غمر المساحات المزروعة..

وترتكز المرحلة الرابعة في فتح نقاش مجتمعي شفاف وصريح حول الأسعار، وعلينا التفكير بشكل أو بآخر في طريقة رفع أسعارفاتورة الاستهلاك، لأنها منخفضة جدا مقارنة مع دول البحر الأبيض، وانخفاض السعر يشجع البعض على الإسراف وإهدار المياه.

يدفع المواطن حاليا 6.3 دينارات، ما يعادل 0.078 دولارا لكل 1000 لتر من مياه الشرب بالبيوت، ولا تعكس الأسعار المستوى الحقيقي للتكاليف التي تدفعها خزينة الدولة لتوفير المياه، فمعدل التحلية 0.7 دولارا للتر الواحد. والحكومة ملتزمة بموجب قانون 2005 أن توصل الماء الصالح للشرب والصرف الصحي لكل مواطن في اطار العدالة الاجتماعية، ولتحقيق ذلك تتحمل الدولة الفاتورة.

Email