العنف المنزلي.. طاقة سلبية بثقافة مشـــــــــــوهة (2)

ت + ت - الحجم الطبيعي

يشكل العنف المنزلي بشتى أشكاله وألوانه، منعطفاً سلبياً في حياة الأسرة، يؤثر على استقرارها وتنشئة افراها.

وهو في المجمل طاقة سلبية بثقافة مشـوهة وتؤدي لتشويه الملمح العام للمجتمعات.

ولإنهاء دورة العنف وتحديداً ضد الفتيات خصصت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 11 أكتوبر من كل عام للاعتراف بحقوق الفتيات وما يواجهن من تحديات خاصة علي أيدي أفراد الأسرة والأزواج، ويتمثل أيضاً في الحرمان من فرص التعليم والصحة. وفي السياق نفسه يلاحظ الانتشار الواسع للإيذاء الجسدي والجنسي والنفسي للأطفال.

وقضية العدد التي تتناول العنف من زواياه المختلفة استطلعلنا من خلالها آراء خبراء وعلماء نفس واختصاصيين اجتماعيين ورجال دين، للوقوف عند الظاهرة..

وبحث أسبابها والسبل الكفيلة بالقضاء عليها، والمقترحات التي من شأنها أن تخلق أجواء معافاة، ترفض التمييز وتحقق المساواة بين أفراد المجتمع، حتى يعمل الجميع من أجل الاستقرار الذي يحقق العدالة الاجتماعية ويسهم في التطور والتنمية. وقد تباينت آراء المتحدثين من حيث الرؤية إلا أنها اتفقت في الهدف، والمتمثل في نبذ العنف المجتمعي والأسري والقضاء عليه.

تحالف السلطة والمال يغذي الظاهرة بالجزائر

 

 يشهد المجتمع الجزائري انتشاراً غير مسبوق للمظاهر العنيفة على غرار اللصوصية والاعتداءات بالأسلحة البيضاء وظاهرة حمل السيوف التي اصبحت ظاهرة حقيقية في شوارع وأحياء المدن.

وأعلن وزير العدل الطيب لوح، أن أجهزة العدالة بصدد عقد اجتماعات لرؤساء المجالس القضائية ووكلاء الجمهورية وسلك القضاء والمصالح الإدارية والسلطات الأمنية لمناقشة اسباب تفشي الظاهرة وسبل مكافحتها. ومنذ حادثة مقتل اللاعب الكاميروني ايبوسي البرت في مباراة محلية بين شبيبة القبائل واتحاد العاصمة، حاولت السلطات التعامل بحزم مع تفشي ظاهرة العنف.

وقال أستاذ للاعلام في الجامعة الوطنية: إن هناك اطرافا من الطبقة السياسية والنخبة الحاكمة في البلاد مستفيدة من ظاهرة العنف لأنها تمكنها من تبذير المال العام وإبرام الصفقات المشبوهة ونهب المال وتهريبه الى الخارج لشراء السلاح والمخدرات، في ظل غياب المساءلة والشفافية، وما يؤسف له ان هناك تحالفا بين أهل السلطة من ذوي النفوذ وأصحاب المال من أثرياء زمن الغفلة تجسده المصالح المشتركة المشبوهة.

وفي السياق ذاته كشف رئيس اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، فاروق قسنطيني، أن العنف عرف تصاعدا خطيرا خلال السنوات الأخيرة، ما جعل الفئات المهمشة في المجتمع كالنساء والأطفال تتعرض لحالات عنف خطيرة تحت سمع وبصر المسؤولين والذين لم يحركوا ساكنا.

وأرجع تفشي الظاهرة إلى تدني الاخلاق وغياب الوازع الديني لدى فئات من الشباب، للنقص الكبير في المجال التوعوي خاصة بالنسبة للطلاب المتسربين من التعليم وهم الأكثر عرضة للانحراف. وقد انتشر العنف على نطاق واسع في الشارع والمدرسة والملعب والأسرة، وحتى في لغة الخطاب المتداول من خلال عبارات نابية وغير لائقة.

والسلطات الرسمية مطالبة بتطبيق القانون بحزم وباساليب غير تقليدية لمواجهة العنف المتفشي، فالاعتداءات ضد الاطفال والنساء ترتفع من سنة الى أخرى في ظل التحول لانماط جديدة من الاجرام في السنوات الاخيرة على غرار القتل واختطاف الاطفال لاستغلالهم جنسيا.

وقد سجلت دوائر الأمن 50 ألف حالة اعتداء على أطفال العام الماضي، مقابل 8200 اعتداء ضد نساء، بينها 50% من الحالات داخل البيوت ومحيط الأسر، مع تسجيل 27 حالة قتل متعمد لنساء.

وأبرزت احصائيات لوزارة العدل أن نصف النساء اللواتي يتعرضن للعنف، عاطلات عن العمل مقابل 1420 موظفة و114 إمرأة و402 جامعية و82 متقاعدة، بينما تراوحت قرابة المعتدين بين الازواج والإخوة والأبناء ثم الاغراب في الشارع ثم زملاء العمل والجيران وتتراوح الأسباب بحسب المديرية العامة للأمن الوطني بين الخلافات العائلية والدوافع الجنسية والسرقة.

ظاهرة دخيلة

وقال أستاذ الإعلام في جامعة الجزائر الدكتور عبد العالي رزاقي: إن الظاهرة ليست أصيلة في الشعب بل عادة دخيلة ومستوردة حيث ظهرت مع الافغان العرب والجماعات الارهابية المسلحة التي كفرت الشعب ومارست ضده كل انواع القتل والإبادة في تسعينات القرن الماضي بحجة محاربة »الطاغوت« في اشارة إلى النظام ومن سانده من المؤسسات من شرطة وجيش وموظفين بالدوائر الحكومية.

وجزء من العنف الذي يعرفه المجتمع تتحمله السلطة التي لا تعرف فقه التواصل مع المجتمع، خاصة مع الفئات الشابة، وتجاهلها أيضا لمطالب تلك الفئات، وتفضيلها الرد بالعنف المشروع مستخدمة الشرطة والجيش ما أدى لولادة عنف مضاد وبأشكال وأساليب مختلفة.

والمجتمع صورة معاكسة للسلطة فكلما كانت السلطة شرعية وشفافية وديمقراطية، يصبح المجتمع اكثر احتراما للتشريعات والقوانين وملتزما بالمعايير والأخلاق.

الكويتيون يدقون ناقوس إنذار لدرء الخطر

 

مع تزايد أعداد الحوادث الناتجة عن العنف في المجتمع الكويتي، سواء على صعيد المدرسة أو الجامعة أو في الشارع أو في المجمعات التجارية، دق الكويتيون ناقوس الخطر، حيث باتت الظاهرة آفة تهدد المجتمع، وهب جميع المعنيين لبحث أسبابها وتحديد أسلوب علاجها.

والتخوف من تفشي العنف بين الشباب لم يأت من فراغ، فقد جاء بعد أحداث هزت مجتمعاً، عُرف عن أهله الطيبة والتسامح، حيث ازهقت أرواح لأسباب واهية. فمنذ أشهر

 وإثر مشاجرة دامية، لقي شاب كويتي في ريعان شبابه مصرعه بسكين غدر بمجمع المارينا في شارع الخليج العربي بمنطقة السالمية، وسبب المشاجرة »خزة«، حيث التقى بالصدفة شابان عند المصعد، فسأل أحدهما الآخر ليش تخز »لماذا تطالعني«، فتطور الأمر لينتهي بازهاق روح..

والثاني خلف القضبان. وسبقها بأيام معدودة جريمة لا تقل بشاعة، حيث اقدم ثلاثة من فئة البدون على طعن طبيب لبناني بسكين فلقي مصرعه، بسبب خلاف حول أولوية الدخول بالسيارة لمواقف مجمع تجاري.

ومهما كان حكم القضاء فلن يعوض أسرة ضابط أمن مصري كان يعد حقائبه للعودة الى بلده بالصعيد لزفافه، فراح الابن الوحيد لاسرته ضحية الاستهتار، عندما اقدم شاب كويتي، بمساندة اثنين من رفاقه على طعنه بسكين ليلفظ انفاسه الأخيرة، وهو يحاول فض مشاجرة نشبت بين القاتل وأصحاب محل تجاري بالمجمع.

ووفق احصائية رسمية عن تفشي ظاهرة العنف بالكويت في السنوات الأخيرة، فهناك 58 حالة قتل عمد العام الماضي، و575 حالة اعتداء بالضرب والاذى البالغ، وهتك العرض 179 وتعاطي المخدرات 2229 حالة، وقضايا الجنح الواقعة على النفس 2079.

لقد استشعرت الحكومة الكويتية الخطر، وقامت بتشكيل فريق ضم المعنيين من الجهات الحكومية تحت اشراف وزارة الشباب، وأعد دراسة في ابريل الماضي بعد 5 أشهر من العمل المتواصل حول ظاهرة العنف لدى الشباب، ورفع الفريق 29 توصية للحد من الظاهرة، إلا ان أغلب تلك التوصيات لاتزال حبيسة الأدراج.

أسباب عدة

أكد أستاذ علم النفس في جامعة الكويت الدكتور طارق العلي، ان هناك أسباباً عدة لانتشار العنف في المجتمع الكويتي بشكل خاص وفي معظم الدول العربية، الا ان المشكلة لم تصل لمستوى الظاهرة ويجب على مؤسسات المجتمع المدني والمهتمين والمسؤولين، السعي لوقف انتشار السلوك العنيف قبل ان يصبح جزءا من ثقافة المجتمع لا سمح الله.

ومن الأسباب التي ترتبط بالعنف في أي مجتمع، الزيادة غير الطبيعية في عدد السكان وبخاصة في أوساط غير المتعلمين والذين يعتمدون على مساعدات الدولة، وعدم وجود أنشطة يمكن ان تشغل أوقات فراغ المراهقين وتبعدهم عن السلوكيات الخطرة، وكذلك غياب الثقافة الحقيقية لأهمية المجتمع، وضعف الدور الأسري الحقيقي.

وتلعب طبيعة المنطقة التي نعيش فيها أثرا كبيرا، فما يجري في العراق وسوريا واليمن وبقية الدول العربية يؤثر سلبا على المجتمعات الخليجية، فمناظر القتل والعنف أصبحت جزءا من واقعنا اليومي مع الأسف.

والعنف نتاج عوامل متعددة ومتشابكة واذا لم تقم مؤسسات المجتمع المدني بدورها فسوف تتفاقم المشكلة وقد تقود الى انهيار تام.

من جهته، قال المحامي الكويتي أحمد جاسم التناك، لقد تناولت وسائل التواصل الاجتماعي ووسائط الإعلام في الخليج الظاهرة التي طفت للسطح بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، وتطور أساليبها ونتائجها ومنها إراقة الدماء، دون خوف من عقاب أو رادع.

وهنا يقفز سؤال مهم، هل قانون العقوبات غير رادع لذا نشاهد الكثير من الاستهتار بحياة الناس؟ بالنظر إلى قانون الجزاء بالكويت ..

والذي شدد على ايجاد كل أنواع الحماية للإنسان مثل »كل من أحدث بغيره أذى أفضى إلى اصابته بعاهة مستديمة، يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز العشر سنوات«، وهذا الحزم من قبل المشرع يغلق باب التساؤل عن القانون أمام الجرائم ويظهر جدية المشرع في الحفاظ على سلامة أفراد المجتمع.

وعن اسباب انتشار العنف محلياً، قال التناك »بالبحث البسيط عن أغلب الحالات التي رأيتها كمحامٍ، ومراقب لما يدور في أروقة المحاكم وجدت أن احد أهم الأسباب يتمثل في التفكك الأسري وضعف الرقابة، ومن المنظور القريب، والبعيد فالإعلام السيئ دأب على وضع صورة المجتمعات الخليجية على أنها مفككة وتعج بأسوأ السلوكيات والانحطاط الأخلاقي وهي صفات لا تمت للمجتمع الخليجي بأية صلة«.

معدلات خطيرة للاعتداءات الأسرية باليمن

 

تحول العنف ضد النساء والأطفال إلى ظاهرة في اليمن استدعت تحرك منظمات محلية ودولية لدراستها والسعي لمواجهتها عبر التشريعات أو بحملات توعية تغير نظرة المجتمع تجاه شريحة تمثل ثلثي سكان البلاد.

وطالب خبراء بصياغة قانون شامل للمساواة بين الجنسين يكون ملزماً للقطاعين الخاص والعام، مع تثقيف وتعريف المرأة بحقوقها ومعالجة المواقف التقليدية الخاصة بدور ومسؤوليات الجنسين بعيداً عن التمييز المباشر أو غيره ضد النساء والفتيات بالمجالات كافة.

وكشفت دراسة علمية حديثة أعدتها الجمعية الوطنية للصحة النفسية عن تزايد معدلات العنف الأسري ومعدلات الجريمة وزيادة نسبة الامراض النفسية والعقلية بسبب إدمان الكحول والمهدئات والافراط في تعاطي القات والتطورات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة وما ترتب على ذلك من انفتاح وتغييرات جذرية في الحياة، خصوصاً في المحافظات الجنوبية والشرقية.

ويعتبر الذكور هم الأكثر ممارسة للعنف الأسري، حيث قاموا بـ97% من الحالات، وتمثل 57% من ضحايا العنف ضد الإناث والمعتدون غالباً من الشباب بين21 ـ 31 عاماً، وبنسبة 59% من الحالات. بينما يعد الكهول عموماً من الضحايا بعد الإناث مباشرة، لتفشي ظاهرة العقوق والتمرد على أولياء الأمور لضعف الروابط العائلية والاجتماعية التقليدية.

ويعد تدني المستوى التعليمي مؤشراً لممارسة العنف، فأكثر من 64% من ممارسيه من درسوا حتى المرحلة الابتدائية وهم عاطلون عن العمل، و48% من الضحايا منهم أيضاً، وما يفسر ارتفاع نسبة الضحايا من الإناث تلك الأمية المتزايدة بأوساطهن، حيث تبلغ 80%.

حائط صد

ويؤكد الاختصاصي في علم النفس جمال عبد الملك، أن الثقافة الاجتماعية المتجذرة في وسط السكان لا تزال تشكل حائط صد أمام أي جهود تبذل على الصعيدين الرسمي والحقوقي للحد من ظاهرة العنف ضد النساء والأطفال، فالتقاليد تمنع النساء من الإفصاح عند تعرضهن للعنف الأسري باعتباره عيباً ربما يؤدي إلى القتال بين عائلتها وعائلة زوجها، وتمنع الكشف عن الإيذاء بالعنف الجنسي.

وتشير أحدث دراسات منظمة اليونيسف والمجلس الوطني الأمومة والطفولة، أن العنف يبدأ من الأسرة ويمتد للمدارس خصوصاً مرحلة الأساس..

حيث العنف البدني باستخدام العصا، واللفظي بعبارات الاستهزاء والسخرية والاستهجان والتحقير، وأحياناً تتطور إلى الإيذاء والإصابة وإحداث عاهات قد تشفى وربما ترافق صاحبها مدى الحياة، فضلاً عن الشعور بالألم.

وبات عقاب الضرب بالعصا الأكثر شيوعاً بنسبة 65%، والذكور هم الأكثر تضرراً. ومع اتساع قاعدة الصراعات والحروب أصبح الصغار بالمناطق الريفية غير قادرين على الذهاب للمدارس، وتقدر مؤشرات أن 50 بالمائة ممن هم بسن الدراسة تسربوا قبل الصف السابع.

ويبلغ عدد الأطفال الذين تضرروا بشكل مباشر من المواجهات المسلحة بين القوات الحكومية والمتمردين 75 ألف طفل، يعاني العديد منهم من الصدمة ويحتاج لرعاية نفسية واجتماعية خاصة. وارتفعت نسبة عمالة الأطفال بسبب تدهور الوضع الاقتصادي للكثير من الأسر، ويصل عدد الأطفال العاملين منهم أكثر من 6 آلاف طفل.

وتشير دراسات حديثة إلى أن 52% من الفتيات دون سن 15 بمحافظتي حضرموت والحديدة متزوجات لأن قانون الأحوال الشخصية لعام 1994 حدد سن الزواج الأدنى بـ 15 عاماً، وتعديلات القانون عام 1999 غير واضحة، إذ سمح للوصي على الفتاة باتخاذ القرار.

 زيادة المعدلات

 وتعاني المرأة اليمنية من الالتحاق بالعمل نظراً لتدني المستوى التعليمي، وموقف التقاليد بشأن خروج المرأة للتعليم أو العمل، المغالاة في عيوب الاختلاط بالأغراب..

والميل الأسري القوي نحو الزواج المبكر للفتيات، وضعف الاستثمار في المناطق والمجالات المواتية لتشغيل النساء، وارتفاع معدلات البطالة وميول أرباب العمل لتشغيل الذكور، والتمييز بين الجنسين عند القبول للالتحاق بالعمل.

Email