ازدواج الهوية.. صراع بين الانتماء للوطن البديل والولاء للأصيل 2

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

قضية ازدواجية الجنسية وتبدل الهوية في عالمنا العربي، تعتبر مسألة شائكة ومتعددة الجوانب، خاصة في ظل الهجرة الكثيفة التي طالت الكفاءات والأدمغة بل وحتى العمالة الهامشية إلى شتى بقاع الأرض، وحصل خلالها الكثيرون على جنسية الدولة التي هاجروا إليها.

وهناك دول تسمح بالازدواج وأخرى ترفض ذلك. إلا أن الأمر الأهم يتمثل في الصراع الذي يعيشه الكثيرون في بلاد الغربة، والمتعلق بقضية الولاء للوطن الأم، وسبر أغوار حقيقة الانتماء للوطن البديل.

أجمع البعض على أن نيل الجنسية في الحالتين تجمع الانتماء والولاء معاً، الانتماء لشعب والولاء لوطن، إلا أن البعض الآخر يرى أن الولاء لا يكون إلا للمكان الذي ولد فيه الشخص وتربى وعاش فيه سنوات عمره.

ويبرز سؤال مهم، وماذا عن الأجيال الجديدة التي ولدت وعاشت في دول أخرى، غير بلدها الأصلي الذي غادره الأب أو الجد، بسبب الظروف المعيشية الصعبة، فاختار وطناً بديلاً، ونظراً لطول إقامته فيه، حصل على الجنسية ونالها من بعده الأبناء والحفدة.

وسؤال آخر يفرض نفسه هل يتجزأ الولاء وإن تعددت مواقع الانتماء؟ وماذا يفعل المواطن العربي إن عاوده الحنين إلى بلده ومهد طفولته ومرتع صباه؟ هل يتخلى عن الجنسية الجديدة؟ وكيف يتصرف إذا أسقطت عنه التي كانت بالميلاد لا التجنس؟ طرحنا تلك الأسئلة على خبراء وساسة ومفكرين ومتخصصين في علم الاجتماع وأطباء في الصحة النفسية، فجاءت الآراء ثرة، وإن تباينت في أغلبها.

الوطن العربي يتعرض لنزيف الأدمغة

لطالما مثّلت الهجرة العربية إلى العالم الغربي أحد التحديات المتمثلة في هجرة الأدمغة والخبرات في مختلف المجالات، لتصيب عالمنا بالشلل في تخصصات عديدة، غير ان لها أبعاداً أخرى تتمثل في ازدواجية الولاء للوطن الأم بعد ان تم استبدال الهوية بحثا عن عيش آمن لاسيما للأجيال الناشئة.

وبينما تعتبر منظمة "يونسكو" أن هجرة العقول أو الكفاءات شكل من أشكال التعاون والتبادل العلمي غير السليم بين الدول، باعتباره تدفق هجرة العلماء في اتجاه واحد نحو الدول المتقدمة، فإن هناك الكثير من العوامل التي ساهمت في تنامي تلك الظاهرة، ومنها الأزمات الاقتصادية والبطالة وتردي الخدمات، وعدم الاستقرار السياسي والحروب والصراعات وغياب الديمقراطية.

المعاناة والاضطهاد

ويقول استاذ علم الاجتماع دكتور محمد العجمي: ان الهجرات العربية إلى دول العالم المتقدم طبيعية بالنظر إلى ما يعانيه المواطن العربي من اضطهاد وعدم استقرار، اضافة إلى ان المستقبل المجهول يحتم على المهاجر البحث عن مكان آمن حتى لو دفعه ذلك إلى الاستغناء عن هويته الأصلية، مشيرا إلى ان خطورة ذلك على الوطن العربي تزداد شيئا فشيئا مع تعلق المهاجرين في الوطن الجديد خاصة بعد الارتباطات الاجتماعية من زواج وغيرها أو مواليد جديدة أبصرت نورها في الموطن الجديد.

وأوضح ان الحل لإنهاء تلك الهجرات لاسيما وان الكثير منها يحمل العقول الخلاقة، ليس بحل "انشائي" بل يكمن في تحمل الحكومات العربية مسؤولياتها التاريخية لوقف نزيف العقول والولاءات على حد سواء، لافتا إلى ان أكثر الدول العربية لديها من الامكانات ما يدفع بهجرات مضادة إليها لكنها لاتعرف كيف تمنع هجرة عقولها وولاءاتها.

وأضاف: ان الوقت لايخدم علاج القضية بل يزيدها تعقيدا خاصة بعد ارتباط الأبناء بالأرض الجديدة.

وأكد الاستشاري النفسي يوسف العلاطي ان هناك دواعي اجتماعية نفسية دفعت بالكثيرين من العرب إلى الهجرة سواء على شكل أفراد أو عائلات، وأبرز تلك الدواعي ،غموض المستقبل في ظل وجود أنظمة حكم تبحث عن استقرارها واستمرارها على حساب استقرار أوطانها ومستقبل أجيالها.

هجرات ضخمة

وأوضح ان ما حدث ويحدث في الوطن العربي من هجرات ضخمة هو استنزاف بشري نتائجه سلبية على أوطاننا خاصة وان نتائج تلك الهجرات اتضحت من خلال هجرات سابقة تمت خلال خمسينيات القرن الماضي، وعلى رأسها تبدل الولاءات من الوطن الأم إلى الموطن الجديد.

لافتا إلى ضرورة انقاذ الامة العربية من خطر تلك الهجرات وآثارها السلبية عبر صحوة شاملة لكافة مؤسسات المجتمع سواء الرسمي منها او الشعبي، وقال ان لم نحد من اتساع حجم ونوعية تلك الهجرات فإن مصير الامة سيكون مزيدا من التخلف والتفكك.

بحث عربي عن الحرية والمساواة في غربتي الداخل والخارج

"من أبرز العوامل التي تدفع المرء الى الهجرة وطلب هوية أخرى ، الهروب بالذات من وصمة اجتماعية او اخلاقية او حكاية عاطفية فاشلة او الابتعاد عن سلطة متسلطة طلبا للحرية او البحث عن مستوى معيشي افضل". هكذا بدأ المحاضر والباحث الأكاديمي البحريني المتخصص في العلاقات الدولية والشأن الآسيوي الدكتور عبدالله المدني حديثه حول قضية الهوية.

وقال: ان العاملين الاخيرين كانا دوما وراء ترك المواطن لوطنه متجها إلى بلدان الحرية والديمقراطية والمساواة والفرص المعيشية والتعليمية الجيدة، في أوروبا والاميركيتين واستراليا، لكنه بخلاف المهاجرين الآخرين من الاوائل الذين اندمجوا في مجتمعاتهم الجديدة، واستغلوا هويتها في الارتقاء بذواتهم للوصول الى أعلى المناصب السياسية والاقتصادية والعلمية ،فألقوا خلف ظهورهم الماضي الكئيب.

فالمهاجرون العرب في القرن العشرين سادتهم الاضطرابات الفكرية ،وسيطرت عليهم الاوهام بل نقلوا معهم الى مجتمعاتهم الجديدة كل امراضهم ولم يتمكنوا من الاندماج الصحيح والاستغلال الأمثل للفرص المتاحة أمامهم، بل استغلوا هويتهم الجديدة للإضرار بمجتمعاتهم القديمة والحديثة معا.

تطرف الجماعات

ولعل افضل مثال في هذا السياق الجماعات الاسلامية المتطرفة التي ينعم اعضاؤها بخيرات الغرب فيما هم يكفرونه ويعملون من اجل تطبيق أفكارهم ومعتقداتهم الدينية، وهناك ايضا بعض الافراد الذين يستظلون بحماية الدول الغربية التي يحملون هويتها .

وقد منعت دول كثيرة ازدواج الهوية حتى لا يرتكب أحدهم جرما ضد بلده الاصلي ثم يستدعى الاجنبي لحمايته من العقوبة القانونية التي يستحقها، ومسألة الهوية والانتماء والولاء والحقوق والواجبات موضوع ملتبس لدى الفرد العربي والمسلم ايضا.

انفصام وازدواجية

بدورها أكدت الاخصائية النفسية الاكلينكية والتربوية البحرينية الدكتورة بنة بوزبون، تعتبر الأسرة المحور الأساسي في المجتمع الإسلامي في تربية الأبناء وتنشئة الأجيال على الانتماء والولاء للوطن، وإذا ما ضعفت الأسرة وتخلت عن أدوارها في حالة الاغتراب خارج العالم العربي هنا يصبح الانفصام والازدواجية بين الوطن الأم والوطن الذي أصبح بديلاً.

وأوضحت ان المغتربين وأسرهم يعانون من عدم تقبل المجتمعات الغربية لهم بل وتهميشهم حتى وان اكتسبوا الجنسية، حيث ينظر اليهم وكأنهم مواطنون من الدرجات الدنيا، ونجد أن الأب والأم في أغلب الأوقات تكون مؤهلاتهم العلمية متواضعة لانتمائهم لطبقات بسيطة في أوطانهم الأم، وبالتالي فإنهم يسعون جاهدين لتعليم أبنائهم في تلك الدول ، وهو ما سيؤثر بلاشك على هوية وانتماء الأبناء خصوصاً مع انشغال الأب والأم في الكسب المادي واللهث وراء المادة وعدم متابعة ابنائهم فيقل الوازع الديني أولاً وينعكس أيضا على العادات والتقاليد العربية الأصيلة.

والانسان المغترب عن وطنه يشعر بصراع داخلي بين الولاء للوطن الاصلي والوطن البديل ويتكون هذا الشعور تحديدا لدى الجيل الثاني من الأبناء الذين ابتعدوا عن عاطفة الانتماء التي تتطلب الشعور بالولاء وممارسته واقعاً وليس بالشعارات، فالولاء يجعل الانتماء واقعا وحقيقة وهو المدخل الصحيح للانتماء والمواطنة الحقة التي تقود للتضحية من أجل الوطن.

وعن الحلول لمشكلة الازدواجية والتشتت بين الوطن الأصيل والبديل والصراع في العقل الباطني للمغترب قالت بوزبون إن الأسرة ممثلة بالأب والأم مسئولان عن ترسيخ شعور الانتماء للوطن الأصلي وتقوية التعلق بتعاليم الدين والمحافظة على اداء الصلوات والتمسك بالعادات والتقاليد الاصيلة، وكذلك تعزيز الشعور بالفخر والاعتزاز بأمجاد العرب والمسلمين.

معاناة فلسطينية تحت الاحتلال في الوطن وحنين في المنفى

في مناخ عربي صعب، تجمعت عوامل عديدة ومختلفة، وأخذت تتراكم عاماً بعد عام، وتضخمت فأصبحت البيئة المحلية طاردة للشباب الباحث عن عيش كريم وحياة مريحة ومشاركة فاعلة في تطوير الحياة، وتلك مسألة صعبة المنال، جعلت فكرة السفر إلى الخارج بحثاً عن المستقبل الضائع في الوطن تطرق أبواب كل البيوت بعنف، لتنجح الغربة بمميزاتها في تجريد بعض ساكنيها من الانتماء للوطن، فيما ظل الحنين يعصف بالبعض الآخر ممن تربوا على مفهوم «المواطنة» الحقة، فلم تنازعهم رفاهية الارتحال بعيدا في أقاصي الدنيا حبهم وانتمائهم للأرض التي هجروها.

والحالة الفلسطينية لها أسبابها التي تكرسها سياسات الاحتلال الإسرائيلي وممارساته اليومية، وعدم الاستقرار بشكل متواصل، وصعوبة الحصول على وظيفة، وتدني الأجور، والكثير من المواطنين ملوا واقع الحال فهربوا من ضيق البلاد إلى فضاء الغربة التي سكنت قلوب نسبة كبيرة منهم، فأنستهم معظم الوطن، فلا يذكرونه إلا صيفاً بإجازة سنوية خاطفة.

وعلى النقيض من ذلك ظل بعضهم معلقاً بهوى الوطن وأشعلت فيهم الغربة الولاء والانتماء إلى درجة لم يشعروا بها في سنوات قضوها يصارعون سوء الحال. وبات ما يواجهه الشباب الفلسطيني في الخارج ينعكس على الداخل، فأصبح بمثابة جرح غائر ومؤلم في خاصرة الوطن.

حليب بالعسل

في هذا السياق تحدثت المواطنة هالة خليل من رام الله، التي سافرت إلى لندن منذ سنتين، «هربت من زحمة الوطن الذي داس أحلامي إلى مغطس حليب بالعسل في غربة كانت تنتظرني، ولست نادمة على قراري رغم أني لا أريد أن يفهم من حديثي أني أشجع الظاهرة لأنني أعرف أن ما فعلته يريده الاحتلال، ولكن لم يكن بمقدوري التحمل أكثر». وعن وصفها مغطس الحليب بالعسل قالت إن ذلك كان أول ما قامت به مساء كل يوم طوال الشهر الأول لها في الغربة، شيء ما دفعني للقيام بذلك حتى أشعر بالرفاه الحقيقي محاولة نسيان واقعي الصعب في الوطن.

وتابعت حديثها بمرارة تروي كيف تعبت من ضيق الوطن، من مرارة الخبز فِيه، من رائِحة المَوت اليومية، مِن أَزمَة الأُفق التي تتفاقم يوماً بعد يوم، مِن مُستقبل ضَائع، مِن تفاصيل الحياة، من سعي بِلا طَائِل، مِن حَمل كَاذِب، وَمظاهر خداعة ووعود كاذبة، مِن مِقصلة الفَشل التي تقضي على أي أمل بالنَجاح أو السَعادة. وانتهى صوتها بحزن يعود لسنتين ماضيتين.

يشير الباحث في قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان محمد جمال لـ«عواصم» إلى أن شبابنا حائر بين اغتراب الخارج وغربة الداخل أي المغادرة أو المواجهة، لأنه أمام طريقين للتعامل مع الوضع السائد وكلاهما مر وصعب وفاتورته باهظة التكاليف، فالهروب من الغربة في داخل الوطن إلى غربة حقيقية خارج الوطن، وتلك الطاقات والعقول تنجح الغربة بالفعل في استغلالها خير البلاد التي أقاموا فيها، وهي خسارة حقيقة للوطن الأم وهذا ما أفقدنا الكثير من العقول والأدمغة والأيدي العاملة والطاقات الشابة والأفكار والعلوم والتطبيقات.

والطريق الثاني اختيار البقاء والمواجهة، بالانضمام إلى التنظيمات السياسية والاجتماعية والثقافية الداخلية التي تستغل واقعهم، وتسيرهم نحو تخريب الممتلكات والتعدي على ثروات الوطن.

مستنقع

بالرجوع إلى حال الشباب العربي فلا اختلاف على الحالة المزرية التي يعيشونها داخل أوطانهم، غير قادرين على الخروج من مستنقع الفوضى الأخلاقية والضياع الفكري والتخبط في التفكير والتصرفات والسلوكات والغضب والحقد والكراهية والعداء والتمرد على كل ما يجدونه في الوطن، ويعتقدون أنه لم يحقق متطلباتهم وحاجاتهم وحقوقهم الإنسانية والوطنية، ما انعكس سلباً على هويتهم الوطنية وولاءهم وابتعادهم عن ثقافة المواطنة الحقيقية التي تنظم العلاقة بين الفرد ومجتمعه.

اللبنانيون.. هروب من التمايز إلى التميز

المشهد الأول: يحمل حقيبة السفر، ينظر الى الخارج وهو يركب السيارة التي تقلّه إلى المطار.. يغمض عينيه خوفاً من الدمع الذي يهددّ أن يسيل.. يصل الى المطار في حالة ذهول، يقبّل أمه وأبيه، إذ لا يعرف إن كان سيراهم مجدّداً، بعدما قرّر الرحيل الى ديار الغربة.

المشهد الثاني: "كتير مبسوط بهالبلد". يقول رامي باستهزاء عند سؤاله عن سبب رحيله الى أميركا، وتفضيله جنسيتها على الوطنية. بنظره، لا يوجد شيء في وطنه غير الحروب.

المشهد الثالث: "لا أريد أن أفكر في بلدي، لأنه لا يفكر بي"، تقول الطالبة ديما، التي قررت تجربة لعبة الحظ مع الحصول على الجنسية الأسترالية. أما الهوية التي يتغنّى اللبنانيون بنصاعة صورتها النهائية، فكانت سبباً أولياً في إنتاج الأزمات وانعدام الإستقرار، حسب رأيها.

هي المشاهد تتكرّر يومياً ، في بلد فقد فيه هرَم الأعمار توازنه، ولم يعد يحافظ على شكله الطبيعي.. قاعدته التي من المفترض أن تمنحه رسوخاً وثباتاً ليست في مكانها، وبالطبع رأسه المثلّث في غير موضعه في القمّة.. د

قّق ربيع "26 عاماً" بما صار عليه هذا الهرم، فانتابه شعور باليأس والتشاؤم: "إنها المرّة الأولى، منذ عشرات السنوات، الذي يشهد فيه الهرم إنقلاباً رأساً على عقب على نحو دراماتيكي.. والمنحى الغالب يعبّر عن نسبة هجرة الشباب الذين رحلوا أو أولئك الذين يعتزمون الرحيل.

تنحية الخلافات

يعزو المختصّ في علم الإجتماع دكتور أنطوان مسرّة مايحدث الى الوضع الإقتصادي وضيق سوق العمل، واحتقان الوضع السياسي والتخوّف من عودة الحرب مجدّداً، لذا فالمطلوب تمسك اللبنانيين بتراث وطنهم الغني، وتنحية خلافاتهم شعاراتياً وإيديولوجياً جانبا، وإعادة تكوين فكرة النظام، إبتداءً من البيت والمدرسة وصولاً الى المؤسسات السياسية.

"إحمل حقيبتك، واتبعني".. هكذا بات حلم اللبناني اليوم، الحصول على تأشيرة خروج، والهجرة الى بلدان أكثر أمناً، حتى لو اضطرّ لترك دياره الى الأبد.

ويزيد في رغبته على الهجرة ، ما يحصل خلال "الخضّات" الأمنية من جلاء للرعايا الأجانب، حاملي الجنسيات الأجنبية ، ما يولّد لدى اللبناني الأحادي الجنسية "عقدة التمايز". وبالتالي، يتهافت الكثيرون على السفارات للحصول على تأشيرات، وإن بـ"القطّارة"، أو ربما لتقديم الأوراق للهجرة وجنسية البلد الذي يستضيفه.

والبطالة "أم الشرور، ومصدر القلق الدائم"، بحسب الأخصائيّة في علم النفس الدكتورة سناء رحال، فهي تزداد يوماً بعد يوم، في ظل تخرّج عدد كبير من الجامعيين سنوياً ،ولايحصلون على فرص عمل، ليبدأوا مشوار القلق والمعاناة والإضطراب والضغط النفسي، ما يقودهم لحالة إحباط شديدة.

و تبعات الإحباط على الشباب والوطن لها جملة عناوين، أهمها: الهجرة، بحثاً عن عيش آمن ومستقبل مشرق، ومنهم من يستبدل هويته بوطن بديل بتركه الولاء للأصيل، فتكون الإزدواجية الخطيرة.

روح المواطنة

وبحسب رأي رئيس "حركة الشعب" النائب السابق نجاح واكيم، تكمن المشكلة في فقدان روح المواطنة التي تجمع اللبنانيين على الولاء والوفاء للوطن الواحد، وفي طغيان الفئوية والمذهبية والطائفية، وهي جملة عصبيات تتصادم وتفرّق بين أبناء الشعب الواحد، وعندما تسود روح المواطنة لبنانيا وعربيا، يستعيد الوطن حصانته في مواجهة التحدّيات الداخلية والخارجية، وتعود العافية إلى الحياة العامة فيه وتنفتح آفاق الحرية والديمقراطية وسائر حقوق الإنسان، وكلها قيم حضارية يفتقر إليها لبنان في الوقت الحاضر.

والشباب لم يعد قادرا على تحمّل الطبقة السياسيّة التي تتلهّى عن مشاكله من أجل الكراسي، لذا يبدي بشار رغبته الحقيقيّة في الإبتعاد عن لبنان حيث لا مكان فيه إلا لبضع أقليّات حالمة، وللمحاصصة والطائفيّة والغلاء وللخبز بالقطّارة.

وهذا الواقع، بالنسبة الى وزير العدل السابق بهيج طبّارة، لا يدعو الى التشاؤم، فهو حافز مثير لنا للعمل بقوة وجدّ ومثابرة، لتطوير نظامنا السياسي ،وإزالة ما يعتريه من عيوب وشوائب، على أن نواكب هذا التطور بعقلنا وعاطفتنا معاً، لكي تتحرّك مؤسّساتنا السياسية بالروح التي يزداد في ظلها اطمئنان الوطن الى حاضره والى غده.وبناء الهوية الوطنية، والتي لا يمكن بلورتها وتعيين ماهيتها، إلا عن طريق تحديد الأنا الوطنية المتوخاة وطبيعة إرتباطها بالآخر.

وإذا كان النظام الطائفي في لبنان إرتكز على نظرية التعدّديّة، والتي أعطي لها ضمناً صفة الدينية أوالطائفية أوالاثنية، فإن هذا النظام "هجين"، في توصيف للوزير السابق طارق متري الخبير في حوار الأديان، ذلك أن غالبية اللبنانيين مصابون بازدواجية الرأي والرؤية والمواقف.

وهم في المقابل، يحتمون بطوائفهم التي تشكّل بالنسبة اليهم حاضنتهم الأولى، يليها العشيرة فالقبيلة فالعائلة، ليأتي الإحتماء بالوطن والتميّز بالمواطنيّة الصالحة آخر اهتماماتهم.

وفي سياق تحديات الهوية الوطنية في مجتمع تعدّدي، لابد من إستخلاص العبر من تجربة التعدّدية في لبنان ،والفرص المتاحة للحفاظ على الهوية الوطنية الجامعة، بنظم تربوية وعلاقات إجتماعية مع الإلتزام بمبدأ المؤسّسات والبحث في نظام سياسي يحفظ التعدّدية كعنصر قوة للبنان.

Email