وسيم فقد طفليه تحت الأنقاض

ت + ت - الحجم الطبيعي

براميل متفجرة، راجمات صواريخ، أشلاء، نداءات، استغاثات. هي ملحمة الموت في القرن الحادي والعشرين. قصص من تحت الأرض ومن خلف القضبان. جنون ما بعده جنون. كل هذا يحدث في الغوطة الشرقية بدمشق ولا أحد يحرك قصبة الضمير العالمي.

ما من كلمات يمكن أن تصف أو تشرح ما يحصل هناك. وحدهما القهر ورائحة الدماء يسيطران على الأجواء. عوائل بأكملها دفنت تحت الأنقاض، ومن كان من نصيبه أن ينجو ينتظر دوره في العلاج ضمن طابور له بداية وليس له نهاية.

وسيم شاب من الغوطة الشرقية عايش الأحداث هناك منذ بداية العام 2011 حتى هذه اللحظة. لم يكن يرغب في الزواج وتأسيس عائلة خوفاً عليها من الموت الذي كان يعم الأجواء والحصار الذي لم يرحم كبيراً أو صغيراً، ولكن كما يقول أقارب وسيم الذين حاصروه بمطالب الزواج «إنها حياة وستسمر».. واستجابة لتضرعات أمه ورغبتها بالفرح به ورؤية أولاده قام بالزواج من ابنة جيرانهم ليبدأ حياته في ظل الحرب.

ضيق الحال

تزوج وسيم وعلى الرغم من ضيق الحال كان يقوم بجل جهوده ليوفر لهم حياة كريمة، رزق بعد زواجه بطفل وطفلة، وكانوا يعيشون جميعاً مع أمه في منزل واحد وعلى الرغم من الظروف المعيشة الصعبة جداً كانوا ينعمون بالراحة والهدوء إلى حد ما.

لكن في الآونة الأخيرة، تحوّل الهدوء إلى جحيم حيث شنّت قوات النظام حملة عنيفة استهدفت بها المناطق السكنية والمدنيين، وكانت إحدى صواريخ الراجمات قد استقرت في منزله وهو في العمل أفقدته زوجته وأمه وبقيت طفلته في العناية المركزة حتى فارقت الحياة بعد ساعات من إصابتها، ولم يتبق لديه سوى الطفل البالغ من العمر سنتين.

أخذ على عاتقه تربية الطفل وكان له الأم والأب والصديق والجدة. يصطحبه معه إلى كل مكان يذهب إليه حتى في أوقات العمل، كان ذلك الطفل الأنيس لأبيه والأمل الوحيد الذي يبقيه على قيد الحياة بعد أن فقد عائلته، اندلعت النيران من جديد وازدادت وطأة القصف وعاد الموت ليسيطر على المكان من جديد.

أجواء مألوفة

كان وسيم وطفله في المحل الذي يعمل به وكانت الحياة تسير بشكل يمكن أن يسمى طبيعياً بالنسبة لأهالي الغوطة، حيث إن أصوات القذائف وسيارات الإسعاف والطائرات التي تحوم في الأجواء باتت مألوفة عند الأهالي كما اعتادوا شروق الشمس وغروبها.

كانت الغارات تُشن وُيدفن الشهداء وينفضون الغبار ويعودون لممارسة حياتهم بشكل طبيعي، لكن وسيم في ذلك اليوم لم يستطع أن يعود ليمارس حياته بشكل طبيعي حيث إن شظايا القذائف التي سقطت على محله استقرت في أرجاء مختلفة من جسد صغيره وجعلته عالقاً تحت الأنقاض بضع ساعات إلى حين قدوم فرق الدفاع المدني وتمكّنها من إخراج الصغير جثة هامدة بعد أن حاولت فرق الإنقاذ بشتى الوسائل إنقاذه.. احتضنه وسيم والدمع لا يفارق عينيه، وقبّله القبلة الأخيرة ليكون وحيداً في هذا العالم.

لحظات لن ينساها التاريخ ستكتب بدمع ودم في صفحاته السوداء. الأب المكلوم يغطي رأس ابنه الشهيد خشية عليه من البرد ويحتضنه للمرة الأخيرة ويمشي به ليواريه الثرى مودّعاً إياه بنظرات ملأها القهر والدموع فهذا هو المشهد الذي مازال يتكرر كل دقيقة هنا على مرأى ومسمع من الجميع.

Email