لبنان

خلود طفلة لا تزال تبحث عن حياة من دون «بيروك»

الطفلة خلود | البيان

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ ثلاث سنوات، تحقّق حلمها.. لبست خلود طرحة وفستاناً أبيض، ووصلت إلى قاعة الإحتفال بسيارة مكشوفة، وقطعت قالب الحلوى وسط زغاريد المدعوّين وتمنيات والدتها لها بالشفاء لتحتفل بعرسها الحقيقي.

وكانت خلود (8 سنوات) حلمت أن تكون عروساً تزفّ إلى علاء (11 عاماً) الذي كانت التقته في مركز سرطان الأطفال في بيروت، فكان لها ما أرادت.. حملت في إحدى يديها باقة الورد، وفي اليد الأخرى أمسكت يد علاء، وسارت به فوق الزهور البيضاء، ويومها، لم يكن مهماً شعور الحاضرين بالشفقة تجاههما، وهما المصابان بالمرض ذاته، كانا فرحَين، رغماً عنهما وعن الوجع. ومنذ أيام قليلة، مات نصف الحلم.. لم يكبر علاء، إذ إن السرطان أتعب يده الصغيرة، فيما هي تتهيّأ اليوم لآخر عملية جراحيّة تعيد إليها حياتها الطبيعية، وشعرها الأشقر الذي استبدلته يوم «زفافها» بـ «البيرّوك».. وبعد العملية، ربما لن تعود إلى مركز سرطان الأطفال، إلا لإجراء فحوص روتينية وزيارة الأصدقاء، غير ذلك، «لا شيء»، تقول.

هناك، في مركز سرطان الأطفال، ثمّة من لا يجرؤ على القبول بالمرض، ويرفض تماماً التحدّث عنه: كيف أصابه؟ كيف يعيشه؟ والحلم بالشفاء؟، لا شيء سوى الإنسحاب أو الصمت في أحسن الأحوال.. أما خلود، والتي باتت في ربيعها الـ11، فتستذكر الوجع الذي عاشته طوال السنوات الثلاث. لكن، رغم ذلك لم تبكِ ولم تعرف يوماً أن الموت لا يبعد كثيراً عن بعض مرضى السرطان. كانت تعرف فقط أنه «يوماً ما رح صحّ، وإرجع إلبس الفستان الأبيض بس إكبر».

لحظات تأمل

هو الوقوف متعبٌ أمام باب المركز. في لحظة الوقوف تلك، لا يسع الداخل، الغريب إلا تنفّس أفكارٍ تحاول تمثل الوجع الذي يعبث بجسد صغير لا يريحه علاج تقنية «الكيمو».. تتزاحم الصور في الرأس أمام اسم المركز الممتد على طول الجدار الأمامي.. صورة أطفال يجهدون للتأقلم مع حياة إستثنائية. صورة والد لا يشبع من تقبيل المساحة الفارغة من الشعر التي خلّفها السرطان في رأس طفلته. صورة المنتظرين انتهاء أطفالهم من جرعات العلاج الكيماوي.

كلها تأتي دفعة واحدة، لكنها لا تدوم. فداخل المركز، يتحول الشعور بالألم شعوراً بالأمل والأمان تبثّه وجوه الأطفال هناك. لا تعود خصلات الشعر ضرورية، تصبح «البوندانا» أجمل. وتصبح عبارة «عم ياخد ابني كيمو»، عبارة أكثر من عادية، مصحوبة بعبارة أخرى: «نعم، هناك أمل»، يقولونها لمزيد من الطمأنينة.

يبدو من الصعب التكهّن بحال الأطفال المرضى بالسرطان في لبنان، وخصوصاً إذا كان مركز سرطان الأطفال وحده من يوفّر العلاجات مجاناً لغير المضمونين، وتغطية الفارق للمضمونين، معتمداً فقط على التبرعات.

أما سواه، فمراكز لا تملك القدرة على تغطية نفقات علاج باهظة. والمسيرة صعبة، تبدأ من لحظة اكتشاف المرض حتى الشفاء، أو الموت. أصعب ما فيها، إخبار عائلة الطفل بمرضه. لكن ثمّة ما هو أصعب، وهو إخبار الطفل نفسه بحقيقة هذا المرض، كما هو حال خلود، التي لا تزال تبحث عن حياة من دون «بيروك».

Email