أحمد ذو 12 ربيعاً.. منقذ عائلته وقاتلها!

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن الطفل أحمد ذو الاثني عشر ربيعاً، يعلم أنّه سيشهد في غوطة دمشق الشرقية حيث يقطن أهله، كل الصراعات والحروب حول محيط بيته البسيط، وأن تكون نهاية عائلته البسيطة يوماً ما بسببه. تمتهن عائلة أحمد الزراعة تكابد مشاق العمل، وتتجرّع مرارة الحرب التي لا ترحم.

اشتدت وتيرة المعارك في الغوطة الشرقية في محيط البلدة التي تقطنها عائلة أحمد في إحدى الليالي المظلمة، لتقترب أصوات القصف كثيراً من منزلهم المتواضع الذي لم يكن لهم غيره من مكان يلجؤون إليه هرباً من أهوال الحرب، فقرروا البقاء في انتظار الموت.

عاد أبو أحمد من عمله ذلك المساء متعباً وأثناء تناوله طعام العشاء مع أسرته، انقلب منزلهم رأساً على عقب إثر غارة جوية، وعلى الفور سارع الأهالي وفرق الدفاع المدني لإنقاذ العائلة وإسعافها من تحت الركام.

فتح أحمد عينيه في أحد المشافي الميدانية في الغوطة، ليجد أمه وأخته بجانبه وقد تعرضا لإصابات بسيطة، بينما الأب الذي لم يكمل عشاءه دخل إلى غرفة العمليات، حيث تعرض لإصابة بليغة في ساقه اليمنى أدت لبترها. لقد خسرت العائلة منزلها الذي كان يؤويها ومعيلها الوحيد، لتزداد معاناة العائلة يوماً بعد آخر.

قررت أم أحمد الخروج من الغوطة الشرقية إلى إحدى البلدات المجاورة عبر الأنفاق التي حفرتها الفصائل المسلحة ليكون متنفساً لأهالي الغوطة المحاصرين، واصطحبت أم أحمد أطفالها وزوجها العاجز ورحلت إلى مكان جديد تبحث فيه عن قليل من الأمان.

حط الرحال بالعائلة في بلدة صغيرة وجدت فيها أناساً رحماء، وجدوا لها غرفة صغيرة تقيها برد الشتاء. لم يطق أحمد صبراً على شظف عيش أسرته وقلة حيلتها في ظل عجز أبيه، ولا دموع أمه دون أن يفعل شيئاً، قرّر أن يفعل شيئاً برغم صغر سنّه فبدأ بتعبئة أنابيب الغاز الصغيرة وبيعها في إحدى ساحات البلدة القريبة.

واصل أحمد عمله وتحسنت أحوال الأسرة قليلاً. وفي إحدى الليالي الباردة وبينما كانت تلك العائلة تجلس بالقرب من مدفأة الحطب التي كانت تقيهم برد الشتاء القارس كان أحمد يجلس خلف باب الغرفة يقوم بتعبئة أنبوبة الغاز الصغيرة ليبيعها في الصباح، لم ينتبه أحمد أن إحدى الأنابيب كانت غير محكمة الإغلاق ويتسرب منها الغاز، لينفجر المكان بعدها بلحظات وتلتهم النيران كامل المكان.

استطاع أحمد الخروج لقربه من الباب وحاول مراراً هو والجيران إنقاذ أفراد أسرته لكن دون جدوى، بسبب شدة اللهيب، حاول الأهالي بمعدات بسيطة إطفاء الحريق ولم ينجحوا حتى احترق المكان بالكامل. أسعف الأهالي أحمد بعد تعرضه لحروق بسيطة وانتشلوا جثث باقي أفراد العائلة.

بعد وصولهم المشفى صعق أحمد بمنظر أفراد أسرته، وهو يراهم جثثاً متفحمة، بينما هو من سبب تلك المأساة الصادمة، لقد خسر كل شيء؛ بيته ومدرسته وعائلته وأحلامه، ولا تزال صورة الجثث المتفحمة محفورة في ذاكرته. يقال إنّ الموت عادة يأتي مرة واحدة لكن أحمد مات مائة مرّة، خسر عائلته وأظلمت الحياة في وجهه، ولا يزال هائماً على وجهه في دمشق دون هدى.

Email