القدس عقيدتنا.. سترحلون ونبقى

ت + ت - الحجم الطبيعي

يحمل الموقف الأميركي المنحاز لإسرائيل بالاعتراف بالقدس عاصمة لها الكثير من الإشارات المقلقة، حول مستقبل المنطقة واستقرارها الهش.

وأولى الإشارات، أن المعتاد أن يتهدد استقرار المنطقة خطوات أحادية من إسرائيل الرافضة لمفرزات عملية السلام، غير أن ضرب أسس الاستقرار هذه المرة جاء من واشنطن عراب عملية السلام الأول.

الإشارة الثانية، تأتي من معنى الخطوة الأميركية، التي تجمع دول العالم على رفضها باعتبارها متعجلة لا تراعي الواقع، ولا تتحسب للتداعيات الكارثية على المنطقة؛ إذ إنها تشير إلى انسحاب واشنطن من دورها وسيطاً وراعياً للسلام، لجهة التخندق في معسكر التطرف الإسرائيلي، وبالتالي تشكيل تأثير سلبي إضافي على عملية السلام المتعثرة أصلاً.

الإشارة الثالثة، أن هذه الخطوة تأتي معاكسة، ومعادية، لتاريخ السياسة الأميركية بشأن المنطقة وقضاياها، من كونها تفرض المطالب السياسية الإسرائيلية المتطرفة على أرض الواقع، قبل استئناف العملية التفاوضية.

الإشارة الرابعة، أن انسحاب الولايات المتحدة من دورها وسيطاً وراعياً للسلام، يعبر عن انحياز ديني متطرف، لا سياسي فقط، ما يثير الشك في نياتها، وقدرتها على انتهاج سياسة متوازنة في بقية قضايا المنطقة.

إن واشنطن التي ترفع راية مكافحة الإرهاب، وتقاتله في غير مكان، وتطالب حلفاءها بمكافحته، لا تفعل سوى إيقاد شعلة التطرف والإرهاب، وتهدم كل أساس للاستقرار يعمل العالم المحب للسلام على وضعه.

اليوم يبدو الموقف الشعبي العربي والإسلامي أكثر تقدماً من المواقف الرسمية، وهو أمر تعودنا عليه، لكن حالة القدس مختلفة وتستدعي توحداً رسمياً وشعبياً لبناء موقف مؤثر وفاعل يستخدم كل وسائل الضغط المتاحة في سبيل القدس. مهما يكن، فإن قرار ترامب وتخندقه مع المعتدي، وانحيازه للظلم، لن يخلق حقاً ولن ينشئ التزاماً، ولن يغير من الوضعية القانونية للمدينة المحتلة.

وإنما يسجل مخالفة تاريخية للشرعية الدولية والاتفاقيات التي كانت بلاده شاهدة عليها، لكنه فضل أن يكون شاهد زور وهو يحاول أن يخترع تاريخاً للمدينة، مثلما حاول المحتل، لكنه لا يعرف أن القدس وتاريخها الإسلامي والمسيحي محفور في قلوب ملياري مسلم، لا تمحوه إملاءات ولا قرارات؛ فالقدس عقيدة، وما موجة الغضب على الظلم التي تجتاح فلسطين الآن إلا تجليات تلك العقيدة، فلا تفرحوا ولا تحتفلوا؛ سترحلون ونبقى.

Email