«تقييم المخاطر السياسية للطموحات القطرية» في ورشة عمل بأبوظبي

توصية بنقل ملف دعم قطر للإرهاب إلى «الجنائية»

ت + ت - الحجم الطبيعي

خلصت ورشة عمل حول «السياسات المنفردة: تقييم المخاطر السياسية للطموحات القطرية» إلى أن هناك أربعة سيناريوهات محتملة لمستقبل الأزمة: الأول، التوصل إلى حل للأزمة من خلال موافقة قطر على مطالب الدول المقاطعة، وهذا سيناريو مستبعد، على الأقل في المدى القصير، والسيناريو الثاني هو التجميد.

وذلك باستمرار مقاطعة قطر لكن من دون مزيد من التصعيد، ويبدو أن هذا السيناريو هو الأرجح، والسيناريو الثالث تصعيد الضغوط على قطر، سيما الضغوط السياسية الأكثر تأثيراً من الضغوط الاقتصادية، وهذا سيناريو محتمل، والسيناريو الرابع هو الدفع باتجاه تغيير النظام، وهو مستبعد بسبب طبيعة المنظومة الخليجية، ولكن في حال صعدت قطر العداء للدول الأربع فلا يستبعد أن تلجأ هذه الدول إلى هذا الخيار.

ورشة العمل نظمها مركز الإمارات للسياسات في أبوظبي أمس، وركزت الورشة في تبعات السياسات المنفردة لقطر، في ضوء أزمتها الراهنة، بمشاركة نخبة من الخبراء والباحثين والأكاديميين والإعلاميين، في فندق جميرا - أبراج الاتحاد في أبوظبي.

وفي الندوة برز توجهان رئيسان في مقاربة التعامل مع قطر وإدارة الأزمة: الأول، يرى أنه لا بد من إخضاع قطر ودفعها إلى القبول بالمطالب الـ 13، وإجبارها على تغيير رؤيتها لدورها. في حين أن التوجه الثاني يرى أنه يتعين أن يكون هدف الدول المقاطعة الرئيس ليس كسر قطر وإنما احتواؤها وخلق مخرج لها عبر الحوار.

دور معاكس

وأكد المشاركون أن الدوحة أقامت دورها الإقليمي وسياستها الخارجية على كل ما يُعاكس التوجهات العامة لمجلس التعاون الخليجي ومصالح دوله، فما تعتبره دول الخليج تهديدات لأمنها تعتبره الدوحة أدوات في مشروعها الإقليمي وسياساتها الخارجية والواقع أن دول الخليج ليست الوحيدة التي تأذت من قطر، بل أيضاً دول عربية عدة، مثل مصر وسوريا والعراق وليبيا والجزائر وتونس.

ولم يتوقع المشاركون أن تتجه الأزمة إلى التدويل، ولاسيما في ظل تعبير جميع الأطراف الدولية عن مواقفها الداعمة للوساطة الكويتية، ولكن هذا لا يعني أن تفعيل الوساطة أو تسهيل عُقَدها قد يقتضي أحياناً تدخلاً دولياً.

أزمة في قطر

وأكدت د. ابتسام الكتبي رئيسة مركز الإمارات للسياسات، أن الأزمة في جوهرها هي أزمة في قطر وليست مع قطر، وأنه كما تحدث منظّرون استراتيجيون عن الدول الكبرى التي تقع ضحية طموحاتها يمكن الحديث عن مأزق الدول الصغرى التي تقع ضحية أوهامها وتصوراتها لدورها وقدراتها.

وأن قطر من هذا النوع الأخير من الدول، حيث اتضح منذ أكثر من عقدين أنها رهنت بقاء النظام فيها بتصورها عن ذاتها كدولة صغيرة وبالدور المطلوب منها. وإذا جاز القول إن الإنسان قد يقع فريسة عقدته النفسية، فإن الدول يصيبها ذلك أيضاً.

وأضافت «إن أزمة قطر تقترب من شهرها الرابع، دون أن يتراءى أفق لحلها أو تظهر بوادر لتسويتها»، وأضافت أن الدوحة في سعيها إلى التغريد خارج السرب الخليجي، وحتى العربي، لم تعبأ بأن تقوم بانعطافات دراماتيكية في تحالفاتها وعلاقاتها، وأن تنتقل في سياساتها من النقيض إلى النقيض، بغية «لعب دور» إقليمي.

سواء كان هذا الدور يتحقق باستضافة قواعد عسكرية أجنبية، أو بالانفتاح على دول صديقة وعدوة، بالتقرب إلى ما يسمى «تيار الممانعة»، والمتمثل في إيران وحزب الله ونظام بشار الأسد، أو بالتحول عن هذا التيار والمراهنة على جماعات الإسلام السياسي والجهادي إبان «الربيع العربي»، أو بالتحالف مع قوى إقليمية مهيمنة غير عربية، كتركيا وإيران.

4 جلسات

واشتملت الورشة - التي استمرت يوماً واحداً - على أربع جلسات، في الأولى قدمت د. ابتسام الكتبي وجهة النظر الإماراتية لأزمة قطر، وأوضحت أن الدوحة أقامت دورها الإقليمي وتوجهات سياستها الخارجية على كل ما يُعاكس التوجهات العامة لـ«مجلس التعاون لدول الخليج العربية» ومصالح دوله، مؤكدة أن مسوغات المقاطعة لقطر تتمثل في تدخل الدوحة في الشؤون الداخلية للدول الأربع المقاطعة وغيرها ولتمويل الدوحة الإرهاب وقوى التطرف في المنطقة إلى جانب إقامة الدوحة علاقات خاصة مع إيران، وهذا، حسب الكتبي، «شأن سيادي، إلا أنه يبدو غير ذلك حين يصبح مُهدداً لمصالح مجلس التعاون»، وهو المنظمة التي تنتمي إليها قطر، والتي من المطلوب منها (أي قطر) أن ترفض تدخل إيران في شؤون دول مجلس التعاون الداخلية أو تهديد أمنها واستقرارها.

ولفتت الكتبي إلى أنه من وجهة نظر الإمارات، فإن هناك سببين مباشرين قادا الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب لمقاطعة قطر، أولهما سياسات قطر كمهدد لأمن واستقرار الخليج وثانيهما رؤية قطر لمستقبل المنطقة.

وقالت الكتبي إن دولة الإمارات تنظر إلى أن الحفاظ على أمن السعودية واستقرارها ركيزة أساسية لأمن الخليج واستقراره، وأن السعودية هي أيضاً عمق استراتيجي للإمارات، موضحة أن هذه الرؤية لا تتبناها قطر ولا تتبناها إيران كذلك.

وبشأن الدور الإعلامي التخريبي الذي تقوده قطر في المنطقة، ذكرت أن قطر حرّكت بدلاً من «الجزيرة» عشرات المنصات والمواقع الإلكترونية الإعلامية، التي ارتبطت بجهاز الأمن القطري، الذي يديرها ويمدها بالتسريبات والمواد التي تدافع عن «الإخوان» والكيانات المتطرفة، والفبركات التي تشوّه صورة السعودية والإمارات والبحرين ومصر، ووصل التحريض الإعلامي ذروته عبر مئات الحسابات الوهمية وغير الوهمية على قنوات التواصل الاجتماعي.

وأعادت الكتبي تأكيد ما قاله سفير الإمارات، السفير يوسف العتيبة عن أن رؤية قطر لمستقبل الشرق الأوسط تختلف بشكل كبير عما تريده الدول التي قطعت علاقاتها معها، وهذا يؤكد وفق الرؤية الإماراتية أن تلك الإجراءات التي اتخذت ضد الدوحة ليست وليدة اللحظة أو نتيجة زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، للمشاركة في قمة الرياض في مايو الماضي، ولعل ذلك يبيّن أن وجود قيادات حركة «حماس» وجماعة «الإخوان» وسفارة طالبان في الدوحة، ليس «صدفة» أو مجرد طلب أميركي كما تقول الدوحة.

سياق إقليمي

وفي الجلسة الثانية التي ناقشت السياقات الإقليمية والدولية لأزمة قطر، أكد الإعلامي والكاتب السعودي عبد الرحمن الراشد، أن الأجدى أن نتحدث عن سياسات قطرية متعارضة مع دول الخليج وليس عن سياسات متفردة، مضيفاً أنها ليست اجتهادات سياسية تهدف إلى تحقيق مصالح قطرية، وإنما هي سياسات تتقصد الإضرار بالسعودية وأمنها الوطني، إذ ما الفائدة من دعم جبهة النصرة أو دعم معارضين سياسيين؟ الأمر الذي يعني أنه ليس خلافاً على السياسات فقط.

وقال الراشد إن إشكالية السعودية مع قطر أن الأخيرة دعمت جبهة النصرة وفيها أعداد كبيرة من المواطنين السعوديين فكان التمويل القطري لنشاطات مناهضة للسعودية بما فيها جبهة النصرة وكذلك المعارضون السعوديون في الخارج.

ولفت الراشد إلى أن الأزمة سوف تطول ما دامت قطر ستستمر على نفس سياساتها الحالية، والأزمة ستطول حتى لو كانت هناك هدنة ما بفعل ضغوط خارجية، والأزمة ستطول ما دام الأمر يتعلق بالأمن الخليجي والعربي.

أما الباحث السعودي سالم اليامي فقال إنه لدى الكلام عن أزمة قطر تحضر إشكالية القبول أو عدم القبول بالوزن الجيوسياسي لدولة قطر، وعند تفحص السياسات القطرية نراها متعارضة مع السعودية، وقد يكون هذا حق سيادي لقطر لكن حين يضر بأمن السعودية ومصالحها فإنه يبتعد عن حقوق السيادة ما دام يضر بسيادة الجيران والأشقاء.

وأضاف اليامي أن السعودية ترى أن تأسيس «مجلس التعاون» أكسب المنطقة قيمة استراتيجية للمنطقة العربية وهو أصبح حجر الأساس في أمن المنطقة، وهذا الفهم بعيد عن فهم قطر، التي أصبحت تهدده ولا ترى مصيرها رهناً ببقاء هذا المجلس وتطوره.

من جانبه قال الإعلامي البحريني يوسف البنخليل إن البحرين كانت من أكثر الدول المقاطعة تضرراً من السياسات القطرية ابتداء من الخلاف الحدودي البحريني القطري الذي حسم لصالح البحرين منذ سنين، وقد أسهمت قطر في تشويه صورة البحرين من خلال قناة الجزيرة.

حيث دعمت قطر الجماعات الإرهابية التي قتلت العديد من أفراد الشرطة والأمن بتحريض ودعم من قطر، وفق ما ذكر البنخليل، الذي أضاف أن النظام الإقليمي تغير منذ 2011، حيث استشعرت دول الخليج التهديدات الأمنية المتعاظمة في المنطقة، وأصبح مهماً وقف مصادر الفوضى ومن ضمنها سياسات قطر المناقضة للمصالح الخليجية.

الرؤية المصرية

إلى ذلك، قالت الباحثة المصرية إيمان حسن إن رؤية الدولة المصرية بالنسبة لقطر لم تختلف كثيراً منذ عام 2011 وما قبلها، أي أن عهد مبارك وعهد الرئيس السيسي، فالعهدان، وفق الباحثة إيمان، اعتبرا قطر دولة غير صديقة، وإن أصبح هذا في عهد السيسي أكثر تشدداً، وبخصوص احتمالات تصعيد الأزمة قالت الباحثة إن إمكانية تصعيد المقاطعة مع قطر مرتبط أساساً بالموقف الدولي وخاصة الدعم الأميركي.

Email