قراءة قطرية خاطئة لخريطة التحالفات المستقبلية

الدوحة تراوغ للاستمرار في دعم الإرهاب

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

في استعراض لخلفية الأزمة القطرية والقوى المحركة للسياسة الخارجية القطرية والأطراف الفاعلة في هذه الأزمة، لا بد من الإشارة إلى أن موقف الدول الداعية لمكافحة الإرهاب تجاه قطر جاء لعدم التزام الأخيرة بتنفيذ اتفاق الرياض والاتفاق التكميلي الذي وقع عليهما أمير قطر، وهو ما يعني اعترافاً من قطر بأنها بالفعل قامت بالانتهاكات المذكورة في اتفاق الرياض، ومن ثم كانت بوادر المقاطعة عندما سحبت هذه الدول سفراءها من قطر للضغط عليها للقيام بالتزاماتها تجاه الدول الخليجية ثم تجاه مصر.

وقد جاء الاتفاقان بعد عقد مباحثات مستفيضة تم خلالها إجراء مراجعة شاملة لما يشوب العلاقات بين دول المجلس (التعاون الخليجي) والتحديات التي تواجه أمنها واستقرارها والسبل الكفيلة لإزالة ما يعكر صفو العلاقات بينها.

جذور الأزمة

تعود جذور الأزمة الحالية التي تسببت بها قطر إلى بداية فترة التسعينيات منذ انقلاب الشيخ حمد بن جاسم والد الأمير تميم الحالي على والده الشيخ جاسم عام 1994، ورفض كل الدول الخليجية هذا التصرف. فعملت السياسة الخارجية لدولة قطر لسنوات عديدة بشكل فعلي خارج إطار دول مجلس التعاون الخليجي. وكان دعم الدوحة للإخوان مصدراً للتوتر بين الدوحة ودول الخليج.

في مارس عام 2014، أثار هذا التوتر أزمة دبلوماسية تسببت في قيام كل من البحرين والإمارات والمملكة العربية السعودية بسحب سفرائها من الدوحة بسبب دعم الأخيرة للإرهاب. وعلى الرغم من عودة السفراء بحلول نوفمبر، إلا أن أمير قطر الجديد تميم بن حمد الذي صعد إلى العرش بحلول عام 2013 ادعى سعيه لإصلاح علاقات الدوحة مع دول مجلس التعاون في حين أنه واصل في نفس الوقت تقديم الدعم للفصائل المتطرفة في المنطقة.

إثارة الفوضى

وقامت قطر بدعم حركات لإثارة الفوضى في الدول الداعية لمكافحة الإرهاب. وكانت البحرين أكثر هذه الدول المتضررة بسبب إصرار الدوحة على المضي في زعزعة الأمن والاستقرار في المملكة والتدخل في شؤونها ودعم الأنشطة الإرهابية المسلّحة وتمويل الجماعات المرتبطة بإيران للقيام بالتخريب ونشر الفوضى في البحرين، والعمل على إسقاط النظام، وما تم كشفه أن قطر كانت وراء إحداث الفوضى التي حدثت عام 2011 في مملكة البحرين ودعم المعارضة لولا تدخل قوات درع الجزيرة بقيادة سعودية لوقف الفوضى في البحرين.

كما بذلت المملكة العربية السعودية والدول العربية جهوداً مضنية ومتواصلة منذ عام 1995 لحض السلطات في الدوحة على الالتزام بتعهداتها، والتقيد بالاتفاقيات، والتوقف عن الأعمال العدائية ضد السعودية، والوقوف ضد الجماعات والنشاطات الإرهابية، وكان آخر ذلك عدم تنفيذها لاتفاق الرياض عام 2013، والاتفاق التكميلي في 2014.

وواصلت الدوحة دعمها وتمويلها واحتضانها للتنظيمات الإرهابية والمتطرفة وعلى رأسها جماعة الإخوان التي ألقت الإمارات العربية المتحدة القبض على خلايا تابعة لها كانت تهدف لزعزعة الأمن فيها وعملها المستمر على نشر وترويج فكر تنظيم داعش والقاعدة عبر وسائل إعلامها المباشر وغير المباشر، وكذلك نقضها البيان الصادر عن القمة العربية الإسلامية الأميركية بالرياض في 21 مايو 2017 لمكافحة الإرهاب الذي اعتبر إيران الدولة الراعية للإرهاب في المنطقة إلى جانب إيواء قطر للمتطرفين والمطلوبين أمنياً على ساحتها وتدخلها في الــشؤون الداخلية لدولة الإمارات وغيرها من الدول.

الثروة والإرهاب

وتسخدم قطر ثروتها من الغاز في خدمة سياساتها بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية. وتعد قطر رابع أكبر منتج للغاز في العالم، وتمتلك ثالث أكبر احتياطي للغاز (885 تريليون قدم مكعب) أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، وتمثل صادراتها منه ما يقرب من ثلث الصادرات العالمية. وقد سعت قطرللاستفادة من هذه الشركات كأداة ضغط وقت الحاجة .

وفتحت قطر أبواب إعلامها في قناة الجزيرة لجماعة الإخوان لينشروا عداءهم، وكان لها دور في دعم جماعات الإسلام السياسي في الوصول للحكم في «الثورات» العربية، ووصل حجم التمويل القطري «المبدئي» للإرهاب نحو 65 مليار دولار خلال الفترة بين عامي 2010 و2015، إذ تشير تقديرات متواضعة من وسائل الإعلام الأوروبية إلى تقديم قطر 85 مليون يورو لمراكز وجماعات يديرها الإخوان في بعض دول أوروبا.

وبدأت قطر في استخدام قناة الجزيرة التي أنشأتها عام 1996 في انتقاد حكومات الدول العربية من خلال استضافة المعارضين السياسيين فيها، كما كانت منبراً لجماعة الإخوان، وكان للقناة دور رئيسي في دعم «الربيع العربي».

وعملت قطر على التغلغل في مؤسسات صنع القرار في الدول الأوروبية والأميركية من مؤسسات الفكر والبرلمانات والمؤسسات الرئاسية ووسائل الإعلام، للتأثير على صانعي القرار في هذه الدول والحصول على دعمهم لسياسات قطر الخارجية.

الاستعانة بالخارج

فور بدء الأزمة التي تسببت بها قطر فإن القيادة القطرية طرقت أبواب تركيا. وجاء التحرك التركي سريعاً وداعماً لقطر، حيث صادق البرلمان التركي في 7 يونيو 2017 على قانون لنشر قوات من الجيش التركي في قاعدة عسكرية تركية تتضمن 5 آلاف جندي تركي.

ومن ثم كان التعاون العسكري والاستراتيجي بين البلدين، كما تعترف الدولتان أنهما تواجهان "أعداء مشتركين"، ما يعني وجود تقارب في أهداف السياسة الخارجية لكل من الدوحة وأنقرة، ويقدمان دعماً علنياً للجماعات المتشددة رغم تصنيف بعضها إرهابية، كما يوجد تعاون تركي قطري في تمويل الجماعات الإرهابية بالمنطقة ومنها «داعش، النصرة، والقاعدة»، حيث تقدم قطر التمويل المالي وتقدم تركيا الدعم اللوجيستي لهم للعبور من محافظات جنوب تركيا للأراضي السورية.

كما جاء الموقف الإيراني متحيزاً كما التركي لقطر، حيث فتحت أجواءها للطيران القطري وصدرت إليها السلع الغذائية لتخفيف أثر المقاطعة، وتدفع طهران بالأزمة القطرية إلى التصعيد إلى حد التدخل العسكري.

مخالفة القانون الدوليومن المعروف أن الاتهامات التي وجهت لقطر هي التدخل بشكل مباشر وغير مباشر في الشؤون الداخلية للدول وتهديد أمن واستقرار الدول الخليجية والعربية وعلى رأسها مصر من خلال إيواء أو تجنيس مواطني دول المجلس ممن لهم نشاط يتعارض مع أنظمة دولهم، ودعم الفئات المارقة المعارضة لدولهم، دعم الإعلام المعادي، ودعم الإخوان والمنظمات والتنظيمات والأفراد عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي، وتقديم الدعم لفئات في اليمن ممن يشكلون خطراً على الدول المجاورة لليمن، وقيام قطر بنشاطات إعلامية الموجهة ضد مصر في جميع وسائل الإعلام بصفة مباشرة أو غير مباشرة، ومحاولة النيل من أمنها واستقرارها.

وهو ما يخالف مقاصد ومبادئ الأمم المتحدة التي قامت عليها والتي تلزم الدول الأعضاء فيها بتنفيذها، والتي قبلت بشروط العضوية في المنظمة الدولية ومنها أن تكون محبة للسلام، وتقبل الالتزامات المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، وأن تكون قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات، وعلى استعداد للقيام بذلك، ومن الواضح أن قطر ومن خلال المعلومات والأدلة المؤكدة تخل بشروط العضوية في المنظمة بتأثيرها في أمن واستقرار الدول المقاطعة وغيرها من الدول، ومن ثم في حالة عدم خضوع الدولة العضو بتنفيذ هذه المقاصد فإن الأمم المتحدة تقوم بفرض عقوبات على قطر ولذا قامت الدول الداعية إلى مكافحة الإرهاب بفرض العقوبات على قطر للحفاظ على مقاصد وأهداف الأمم المتحدة التي تلزم الدول الأعضاء بتنفيذها في علاقاتها ببعضها البعض.

ومن المؤكد أن مقاطعة الدول الداعية لمكافحة الإرهاب جاءت بناء على معلومات وأدلة جمعتها أجهزة الاستخبارات في هذه الدول وبالتعاون الاستخباراتي مع أجهزة مخابرات لدول كبرى، الأمر الذي يؤكد النشاط القطري المعادي للدول العربية للنيل من استقرار وأمن هذه الدول.

وتحرص الدول الغربية في تعاملها مع الأزمة القطرية على التأكيد بصورة مستمرة على أن حل هذه الأزمة يكون من خلال الحوار في إطار مجلس التعاون. وهذا الخطاب تكرر في تصريحات لمسؤولين خليجيين والذين أكدوا على أن «يكون حل الأزمة مع قطر داخل البيت الخليجي».

مراوغة وتلاعب

تظهر المؤشرات أن قطر تراوغ لعدم حل الأزمة وهو ما عكسه تصريح سفيرها في ألمانيا، سعود بن عبد الرحمن آل ثاني في 13 أغسطس 2017.

لجأت قطر إلى توجيه تهديد عالمي بارتفاع أسعار النفط والغاز، من خلال سفيرها في ألمانيا أيضاً الذي حذر من أن أزمة بلاده مع الرباعي العربي سيتجاوز تأثيرها منطقة الخليج، وستمس المواطن العادي في أي مكان في العالم؛ مضيفاً أنه كلما زادت المدة سيكون هناك صعوبات أكبر في إيجاد حلول، نحن نعلم أن منطقة الخليج تغذي العالم بأكثر من 40 في المئة من مصادر الطاقة، وإذا استمرت هذه الأزمة أكثر من ذلك سينعكس هذا سلباً حتى على الشخص العادي في أي مكان بالعالم، لأن أسعار الطاقة ستزيد سواء النفط أو الغاز، وهذا بدوره سيؤثر في المنتجات الأخرى».

قراءات خاطئة

ضعف تعويل قطر على احتمالية قيام تحالف يضمها مع كل من إيران وتركيا يستهدف إعادة ترتيب شؤون المنطقة وأوضاعها، وهو ما عبرت عنه اتفاقية خفض التصعيد في سوريا الموقعة في مايو 2017 بين الأطراف الثلاثة (روسيا - تركيا - إيران)، إذ كشفت هذه الاتفاقية عن أمرين مهمين: الأول، أن النظام السوري نفسه كونه موضوع الاتفاقية ليس طرفاً فيها. والثاني، أنها جسدت حصص اللاعبين الرئيسيين في سوريا.

ولكن، رغم ما قد يبدو للبعض من أن هذا التحالف الثلاثي التركي الإيراني القطري تحت الرعاية الروسية سيستمر، فإن حقائق الواقع وخبرات الماضي تؤكد فشل هذا التحالف قبل أن ينشأ.

ثمة قراءة خاطئة بشأن التحرك القطري للانضمام إلى المحور التركي الإيراني في مواجهة الموقف الخليجي المصري، حيث ستجد الأزمة القطرية طريقها إلى الحل كما هو الحال في كثير من الأزمات التي تتعرض لها كثير من البلدان، إلا أن التشبث بالرأي وفقدان بوصلة التحرك بعيداً عن جادة الطريق تكون نهايتها غير مضمونة العواقب.

ويحكم موقف الدول الغربية تجاه الأزمة المصالح المشتركة، إلا إن كفة كل من السعودية والإمارات أعلى من قطر.

فالدول الغربية لا ترغب في أن تتجه قطر لاستخدام العنف والإرهاب ضدها داخلياً، وأيضاً بسبب الدعم الذي تقدمه قطر للجماعات المتشددة في دول "الربيع العربي"، حيث تريد الدول الغربية ضمان القرار السياسي في هذه الدول المضطربة والحيلولة دون سيطرة روسيا والصين على منابع الطاقة في المنطقة للتأثير في التنمية ومكانة هذه الدول في النظام العالمي.

Email