دراسة لمعهد الخليج بواشنطن تفضح استغلال الدوحة المشــــــــين لعلاقتها مع أميركا

قطر تلعب على حبال معاداة الـــــــجيران وتستقوي بالخارج

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحت عنوان بناء جسور التفاهم الذي يتخذه معهد دول الخليج العربية في واشنطن شعاراً له، كتب البروفسور ديفيد روبرتس حول مسألة تأمين قطر يقول إنها تفعل ذلك بطريقتين ترتكز أولاهما على علاقاتها المتينة بالولايات المتحدة المنبثق من أهمية قاعدة العديد العسكرية، وتذهب الثانية إلى تزويد دول العالم القوية بمصادر الطاقة سيما الغاز الطبيعي المسال.

أضف إلى ما سبق مجموعة صغيرة من المواطنين المستقرين الناعمين في رفاه دولة مؤمنة اسمها قطر. وفي ظل المخاوف الأمنية الخارجية والداخلية القليلة، استثمر قادة قطر أحداث الربيع العربي التي عصفت بالمنطقة في الآونة الأخيرة فبالغت في أوهامها، وأمعنت في دعم الفوضى والتفلت في حصد الفشل وبث الشقاق وإغضاب دول الجوار.

وها هي التحديات التي تواجه قطر اليوم تأتيها من جاراتها الأقرب الثلاث وتشكل اختباراً صعباً لأسلوب عملها الأمني الموزع على شقين. فبالرغم من علاقات قطر المطواعة دولياً وأميركياً، فقد برزت لحظات مثيرة للقلق، ولا تزال الدوحة تواصل التهرب.

تشير أفق العلوم السياسية الأميركية أو النظرة العالمية المتماهية مع رؤية كيسينجر، إلى ضرورة توخي الحذر من الدول صغيرة الحجم، والتحلي بالحكمة لإيجاد دولة سائدة تحميها، والعمل ضمن منظومة قوانين إقليمية محددة ومرعية، وعدم اختصام دول الجوار أو أي منها، سيما إذا كانت تفوقها كبراً. ويتوفر أيضاً خيار بديل يقضي في حال وقوع الدولة الصغيرة في براثن مماحكات سياسية إقليمية صعبة أن تطور قدرات عسكرية متطورة قادرة للتصدي، وهذا ما لا تمتلكه قطر.

إلا أنه وبالنظر إلى كيفية تأمين قطر لنفسها كدولة صغيرة بوجه التحديات الإقليمية المتغيرة، نلاحظ ما ينقض تلك الرؤية. ومع أن مقاربة قطر عكست في كثير من الأحيان توقعات المراقبين والمطلعين على مسار الأمور، إلا أنها اضطلعت في أوقات أخرى كثيرة بدور اللاعب الأحادي المستفز والتحريضي في ميدان السياسة الخارجية.

وليس السبب الكامن وراء ذلك بالخفي، إذ لطالما سعى القطريون لبناء علاقة متينة مع دول نافذة لترسيخ دعائم أمنهم. وفي ظل لعب أميركا اليوم هذا الدور يبدو أن قاعدة العُديد قلبت مقاييس التحكم وجعلت العلاقة الثنائية أشبه بزواج مصلحة، ظنت ان الطلاق فيه ليس خياراً وارداً، في مشهد استغلته الدوحة للدخول في دوامة سياسات خارجية تحريضية مستهجنة في المنطقة.

ويسود مع هذا الانطباع بأن قطر التي تجاسرت وحلقت بعيداً بفعل شعورها بأنها محصنةً من آثار عواقب أفعالها الشائنة، قد دخلت في اختبار ذاتي. ولا يمكن لقيادات الدوحة، بعد عقود من التركيز على علاقات قطر الدولية أن تتهرب من واقع الجغرافيا وحدودها، ولا بدّ لها من إعادة التركيز على اجتراح تسوية ولو مؤقتة مع جيرانها الثلاث الأقرب السعودية والإمارات والبحرين.

ويحفل تاريخ المنطقة، بحسب روبرتس، بالشواهد على تغلب السياسات المحلية على الحسابات المباشرة اللصيقة بالأمن القومي. وشكلت قطر منذ استقلالها في عهد الأمير أحمد بن علي آل ثاني عام 1971، عدداً من الممارسات الخارجة عن السياق. مروراً بالانقلاب الناعم في العام نفسه وصولاً إلى مسيرة التقارب مع إيران، ووصلت الى إنشاء مكتب التجارة الإسرائيلية على أراضي عاصمتها الدوحة، في موقف ناشز سيما للمملكة العربية السعودية.

لقد عمدت قطر إلى اتخاذ قرارات مستقلة مثيرة للجدل، ونأت شيئاً فشيئاً عن الإصغاء لمشورة الرياض، وقد أثار ذلك سخط القيادات، سيما رفض حمد التراجع عن موقفه حيال إسرائيل، ما أدى إلى تدهور العلاقات مع السعودية.

وشهد العام 1992 بداية المناوشات على الحدود، قبل أن يتسلم حمد في العام 1995 السلطة من والده على خلفية انقلاب مدان من السعودية كسابقةٍ خطيرة. أما في العام 1996 فظهرت في الميدان الإعلامي قناة الجزيرة، التي عمدت في جانب من سياستها لتدعيم القوة الناعمة الجديدة للدوحة، واستُخدمت في سياق آخر للرد الانتقامي على السعودية. وساهم في تذكية الشقاق تعمّد قطر استضافة المنشقين والتدخل في السياسة الداخلية للسعودية، ما أثار حفيظة القادة في الرياض، وأدى بهم إلى سحب السفير السعودي من الدوحة عام 2002، في وضع استمر لست سنوات كإحدى وسائل ممارسة الضغط على قطر وثنيها عن المضي في أساليبها البغيضة.

وعمد حمد بالإضافة إلى السلاح الإعلامي وقاعدة العديد إلى تدعيم أمن قطر من خلال مخطط يرمي لدمج أمن وازدهار الدوحة مع اقتصادات دول العالم القوي. وسعى إلى التنويع وعدم حصر خيوط الأمن في شبكة الولايات المتحدة، فلعبت قطر على مسارات الوساطة في المجالات الرياضية والإعلامية والتعليمية، وحبكت شبكة علاقات متينة دعمتها بإمدادات الغاز الطبيعي المسال لبريطانيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية.

وبرزت قطر بزعامة حمد في الألفية الثانية كدولة مكافحة للظهور بثوب الشخصية الحيادية، واكتساب هالة الأهمية في أكبر عدد من دول العالم. ولم تتمكن الإدارات الأميركية المتعاقبة من كبح جماح سياسات قطر النافرة. وظلت محطة الجزيرة تشكل مثار نزاع للإدارات الأميركية وقد رأت فيها مصدر ضخ الدعاية شبه الإرهابية، دون أن تتمكن من ثنيها. وانعكس سوء العلاقات الأميركية القطرية في أعوام الألفية تكدراً في التعاون في مجال إصدار التأشيرات العسكرية للجنود المتجهين للعُديد.

عصر تميم

استلم تميم بن محمد آل ثاني زمام الحكم في عام 2013، عندما تنحى والده حمد عن الحكم. وتنص نظرية المؤامرة على أن حمد أُجبر على التنازل عن الحكم من قبل بعض القوى الخارجية والداخلية، لكن هذه تفتقر إلى أي دليل. إذ لا يوجد أي دليل على أن حمد لا يدير قطر من وراء الكواليس، على الرغم من الشائعات المتداولة التي تظهر العكس.

في غضون ثمانية أشهر من استلامه زمام الحكم، عرف تميم كيف يثير غضب جيرانه عندما سحبت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات والبحرين في فبراير 2014 سفرائهم من الدوحة احتجاجاً على موقف قطر. وصاحب هذا الانقلاب الدبلوماسي أقاويل في وسائل الإعلام العربية بشأن الخيارات التصعيدية التي تشمل إغلاق الحدود البرية الوحيدة لقطر مع السعودية.

وكان هذا الفصل صادما، وأعلن الجيش لقطري حالة التأهب القصوى استعدادا لمزيد من التصعيد. ولم يكن هناك شعور قوي بأن قطر قد غيرت توجهها الأساسي بشأن سياستها الخارجية بعيداً عن تأييد الإسلاميين على الرغم من أن هذا هو المطلب الجوهري كما يبدو لمجلس التعاون الخليجي.

مفاجأة يونيو

في 6 يونيو الجاري، وفي أوج شهر رمضان الكريم، أعلن عن مقاطعة قطر من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر، مرة أخرى شعرت قطر بالصدمة، وكانت التقارير التي تحدثت عن رغبة الدوحة بدفع مليار دولار كفدية مقابل عودة الرهائن القطريين من قبضة الميليشيا الشيعية في جنوب العراق، هي القشة التي قصمت ظهر البعير.  وتذكر هذه المقدمة القصيرة قطر أنها تواجه مخاطر حقيقية في الوقت الحالي، وكان للمقاطعة تأثير مهم على كيفية ضمان قطر لأمنها، وعجزها عن ذلك.

وعلى الرغم من أن تميم لطالما أنفق الأموال على الجيش القطري لتعزيزه، لكنه لم يحصل على نتائج ملموسة. وتشير التقارير إلى أن نشر القوات القطرية في اليمن كان مقتصراً على الحدود السعودية، وتظهر الدلائل على أن مساهمة قطر في الحرب اليمنية كانت مجرد شكل رمزي. وحتما سيضاعف تميم جهوده لبناء جيش قطري فعال، وربما سيستخدم إسرائيل كقدوة وتشبيه نفسه بها بزعم أنه محاط بالأعداء من كل جانب.

الخلاصة

ضمان أمن قطر لم يكن في يوم من الأيام سهلا، فالدولة القطرية كانت دائما ضعيفة نسبيا وتعتمد على الآخرين في ضمان أمنها. وأحدث مساندة لأمن قطر هي من جانب الولايات المتحدة، وهي الأحدث في خط الهيمنة التي تعود بأثر رجعي إلى بريطانيا والامبراطورية العثمانية.

والشيء المبتكر من جانب حمد هو تنويع هذه التبعية لمواصلة جعل أمن بلاده واستقرارها وازدهارها أهمية قصوى بالنسبة لسلسلة من دول العالم الرئيسية. وخلال الربيع العربي بالغت قطر في موقفها.وفي محاولة لإبراز أهميتها بالنسبة للدول المشار إليها، فشلت مرارا وتكرارا في تحقيق أهدافها وأثارت إزعاج أقرب حلفاءها الإقليميين في غضون ذلك. وهذا أدى إلى بروز القضايا الإقليمية في عام 2014، وقضايا هذه الأيام.

Email