«التسريبات» تهرّب قطري من الـرد على المطالب العـربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

وضعت السياسة القطرية المتهورة القائمة على نقض العهود والتناقضات والقرارات المضطربة غير محسوبة العواقب، قطر في موقف سعت إليه لتواجه مصيرها المتوقع وتعيش عزلة خليجية وعربية وإقليمية غير مسبوقة لتجني نتاج ما غرسته، وإذا كانت قطر ترغب في حل الأزمة فكان لابد أن يكون قادتها الآن عاكفين على دراسة المطالب، لا تسريبها لوسائل الإعلام. وإذا كانت قطر حريصة على علاقاتها الخليجية لكانت منحت نفسها وقتاً لدراسة المطالب بدلاً من رفضها ضمنياً.

البحرين: مراهقة سياسية

وصف عدد من الإعلاميين البحرينيين تسريب قطر للمطالب الخليجية بالمراهقة السياسية وبالتخبط الدبلوماسي، وهو ما يؤكد بـأن الهوية الخليجية باتت آخر ما تفكر به حكومة قطر اليوم.
وأوضحوا في تصاريحهم «للبيان» بأن «السياسة القطرية لم تدرك عواقب ما تمارسه من عبث في المنطقة من احتضان قطر للإرهاب وتصديره لها».

مواقف حاسمة

وأكد الكاتب والمحلل السياسي يوسف الحمدان لــ«البيان» بأن«مطالب دول الخليج الثلاث عشرة القانونية والمستحقة لحفظ أمنها القومي وسياداتها الوطنية، وضعت حكومة الدوحة بموقف لا تحسد عليه، ومثلت حسماً كاملاً لكل ما تروجه مكنتها الإعلامية الكاذبة على مدار الساعة عّن دعاوى الحصار والتجويع».

ويرى الحمدان بأن السلوكيات القطرية الخارجة عن العرف العربي، تؤكد بـأن الهوية الخليجية باتت آخر ما تفكر به حكومة قطر اليوم، والدليل بدلك ضلوعها المستمر ودعمها الدائم للإرهاب العابر للحدود.

وشدد بضرورة أن تعتذر حكومة قطر من شقيقاتها الخليجيات وللعالم العربي، للعالم الذي يرى أن في دعمها وتمويلها للإرهاب تهديداً للأمن والاستقرار في المنطقة، خصوصاً وأنها باتت دون غيرها، الوحيدة التي ترى في الأسود (بياض) الإرهاب الذي يزكي حضورها الدولي، من بين أهم الدول والمنظمات الضالعة فيه، وعلى رأسها حكومة طهران.

دليل إدانة جديد

من جهته، قال الإعلامي البحريني علي الجزاف أن تسريب قطر للمطالب الـ 13 للدول المقاطعة لها، تمثل دليلاً جديداً على أن استمرارها في سياسة الابتعاد اكثر واكثر عن الحضن الخليجي والعربي.

واعتبر الجزاف هذه التسريبات مراهقة سياسية وتخبطاً للدبلوماسية القطرية، وبالتأكيد ستستغلها قناة الجزيرة ذراع قطر الإعلامي للمزيد من الاختلاف والتباعد، فهذا هو دور «الجزيرة» المعروف.

وقال بحديثه للبيان «قطر دولة ذات سيادة، وهذه السيادة تعني العمل على حل الخلافات مع شقيقاتها بالطرق الدبلوماسية المعروفة، وللتباحث مع الدول المقاطعة في اجتماع معلن كما هو معروف دبلوماسياً، بعيدا عّن التسريبات والتي لا تنم عن الحكمة، أو الدبلوماسية الصحيحة، والخلاصة أن قطر تؤكد لنا يوماً بعد يوم أنها مستمرة في عنادها غير المفهوم مع أشقائها، وفي ابتعادها عن البيت الخليجي».

حيلة الخاسر

إلى ذلك، رأت الكاتبة فاطمة الصديقي بأن تسريب قطر لمطالب دول المقاطعة هي حيلة الخاسر الذي لا يمتلك القرار الصائب والجاد لحل الأزمة القائمة، مضيفة «سلوكيات قطر الخارجة عن الحكومة تؤكد لنا جميعا أن إعادة الثقة معها ليست بقريبة، بل ستحتاج لأمد طويل».

وزادت «التخبط الذي ينتهجه النظام الحاكم بقطر منذ اعلان دول الخليج ومصر المقاطعة بتزايد مستمر، يشوبه المكابرة والتعنت، لن يجدي القطريين نفعا، لا الحكومة القطرية ولا الشعب القطري، فمواقف دول الخليج واضحة وصلبة وتقوم على الشرعية والحقائق». وفيما يتعلق بالمطالب الثلاثة عشر، أكدت الصديقي بأنها واقعية وحتمية لوقف استهتار النظام القطري بمصائر الشعوب، وقالت«وضعت دول الخليج النقاط على الحروف لقطر، والتي أضحت ملزمة اليوم بتحديد موقفها من دعم الإرهاب والتطرف والتطرف الديني والمذهبي».

مصر: تناقض واضح

أكد خبراء قانونيون على أنه لا يمكن لقطر أن تتذرع بمسألة «السيادة» في مواجهة أي قرارات دولية صادرة ضدها، انطلاقًا من اعتبار أن «الدولة التي تنتهك القانون الدولي انتهاكًا جسيمًا تتنازل بمحض إرادتها عن سيادتها، وعليها أن تتحمل مغبة تجاوزاتها والمسؤولية كاملة عن ذلك الأمر».

وتسعى الدوحة سعيًا حثيثًا من أجل التغلب على أزمتها الراهنة باستخدام كل ما يتاح إليها من حيل، من بينها الحديث المتكرر حول «السيادة»، وادّعاء أن المطالب المقدمة إليها من الدول المقاطعة تمس سيادتها، في موقف يمثل «تناقضاً قطرياً واضحاً» حسب وصف مراقبين، ففي الوقت الذي تحاول الدوحة التذرع بمسألة السيادة، تناست تدخلاتها في الشؤون الداخلية للعديد من الدول العربية وقيامها بالإضرار العمد بالأمن القومي العربي بشكل عام.

وحسب ما أكده أستاذ القانون الدولي العام الدكتور أيمن سلامة، فإن قطر يمكنها إثارة مسألة السيادة، لكن ذلك لن يكون متكئًا شرعيًا لها؛ لأن الدولة التي تنتهك انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي تتنازل بمحض إرادتها عن سيادتها، مشيرًا في السياق ذاته إلى النوايا القطرية الخبيثة وانعدام حسن النية في تنفيذ الالتزامات الدولية بموجب مبدأ القانون الدولي.

انتهاك القانون

وقالت نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا المصرية السابق المستشارة تهاني الجبالي لـ «البيان»، إنه لا يمكن لأي دولة قامت بانتهاك جسيم للقانون الدولي أن تثير أو تتكئ على مسألة «السيادة»، فمادامت الدولة عضو في الأمم المتحدة فهي مخاطبة بأحكام الميثاق والاتفاقيات الموقعة عليها؛ بالتالي فإن أي إجراءات تتخذ ضدها بشكل دولي لا يمكنها التذرع بـ «السيادة» لمواجهة تلك القرارات.

وشددت على أن الأمر ينطبق على قطر، وطبيعة الاتهامات الموجهة إليها وكذا القرارات التي سوف تتخذ ضدها بعد ذلك، فحال إن تم التحرك في إطار الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة فقد يصل الأمر إلى تطبيق «الباب السابع» من ميثاق الأمم المتحدة، والذي قد يصل إلى حد استخدام القوة العسكرية، وجميعها إجراءات مادامت اتخذت في إطار سياقها الدولي المُحدد لا يمكن للدولة المخالفة أن تتذرع بسيادتها.

تحمل العواقب

وإلى ذلك، أوضح أستاذ القانون الدولي الدكتور نبيل حلمي (نائب رئيس الجمعية المصرية للقانون الدولي) في تصريح لـ «البيان»، أن الدوحة عليها أن ترفض أو تقبل المطالب التي قدمتها الدول المقاطعة لها، وعليها أن تتحمل العواقب الخاصة في ذلك الصدد.

لافتًا إلى أن قطر قامت ابتداءً بالتدخل في الشؤون الداخلية للعديد من الدول ومن ثم فالدول تتخذ إجراءاتها لحماية نفسها والمنطقة من السياسات القطرية، وللجميع أن يستخدم كل الأسانيد والقرارات التي يمكن اللجوء إليها في إطار الضوابط التي يحددها القانون الدولي، خاصة أن قطر تدخلت في الشؤون الداخلية للدول العربية والإضرار بتلك الدول.

ولم تع خطورة المرحلة التي تعيشها المنطقة وحجم التحديات والمخاطر التي تحيط بها من كل صوب ولم تفق بعد من غفلتها  لا يبدو أن المخيلة القطرية قادرة على ابتكار طرق جديدة لتبرير موقف الدوحة المهتز، سوى الاستمرار في مسلسل البكائية وادعاء المظلومية.

حقائق التاريخ

الحجة القطرية هذه المرة تقول إن قطر بلد صغير لا يمكنه تلبية مطالب الكبار الصعبة، وهي حجة سقطت منذ الساعات الأولى لترديدها بمواجهة مجموعة من حقائق التاريخ والمنطق معاً.

فالتاريخ شاهد على اتفاق الرياض، الذي وقعت عليه قطر عام 2013، والاتفاق التكميلي عام 2014، مما يعني قبول الدوحة بما في الاتفاقين من مطالب. هنا يقف المنطق عاجزاً عن تبرير رفض قطر الضمني الآن لما وافقت عليه في الماضي قبل ثلاث سنوات وأكثر.

صحيح أن الرفض لم يصدر رسمياً، لكن المتابع لوسائل الإعلام الدائرة في فلك الدوحة لا يخفى عليه ما يدور من نقاشات في أروقة «قصر الريان».

نحن إذاً أمام نظام لا يحترم تعهداته بل ويقر علنا بذلك، ولأن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين فلم تجد الدول المتضررة من السياسات القطرية إلا التشدد في مطالبها هذه المرة، لتتجنب إعادة ذات السيناريو دون ضمانات واضحة من طرف اعتاد نكث العهود. ومن غير المعروف حتى الآن من أشار على صانع القرار القطري بتسريب قائمة المطالب، فقد أضر من حيث أراد أن ينفع، فالتسريب دليل على رفض الدوحة لتحكيم العقل والمنطق.

والواضح أن قرار قطر تسريب المطالب بدلاً من الرد عليه خلال القنوات الدبلوماسية يثبت أن الدوحة لم تعد في حاجة للوساطة الكويتية وتسعى لإفشالها مكتفية بالحليف الإيراني.

قصر نظر

قصر النظر هذا الذي تعاني منه الدوحة جعلها لا تدرك أن غالبية المطالب المقدمة تهدف إلى حماية دول مجلس التعاون الخليجي وضمان استمراريته كقوة إقليمية مؤثرة. ولأن سوء التقدير يلازم الدوحة فهي لم تدرك أيضاً أن المطالب المقدمة تسعى لمنع التدخلات الأجنبية في البيت الخليجي.

القراءات القطرية الخاطئة للمواقف الإقليمية والدولية تجعلها أيضاً لا تدرك حقيقة واضحة مفادها أن المطالب المقدمة تعبر عن موقف موحد للدول الأربع المقاطعة، وليس موقف دولة بذاتها. والواضح أن قصر النظر.. وسوء التقدير.. والقراءات الخاطئة.. عناصر ثلاثة تمثل العامل المشترك الأعظم لكل تصرفات الدوحة خلال الفترة الأخيرة.

Email