حبائل أزمة قطر وجيرانها:

حلف بين الدوحة وطهران والخداع

ت + ت - الحجم الطبيعي

سلكت المواجهة الخليجية طريق المكاشفة الصعبة مع قطر لتدخل أسبوعها الثاني على وقع الجولات الدبلوماسية المكوكية ومواقف التهدئة والتصعيد. ورافق المشهدية المتأزمة سيل من التحليلات والتأويلات لم تكفّ معه أقلام محرري كبريات صحف العالم عن الرصد، ومتابعة الدجل القطري الدبلوماسي، ووثق موقع ويكيبيديا الحدث بصفحةٍ جديدة بعنوان «أزمة قطر الدبلوماسية 2017».

وفي حين استخدمت الدول العربية مطرقة الحسم معلنة عن أن تحمّل الدول العربية سيل سلوكات السياسة الدوحوية قد بلغ الزبى، اتفق كلّ من فرانك فيراسترو، وجون ألترمان من موقع الدراسات الاستراتيجية والدولية «سي إس آي إس» على أن التحرك المنسق والمتناغم بين دول الخليج انطوى على عاملي المفاجأة والسرعة، فأطاح في الوقت الراهن أي إجماع حول السبب المؤرث أو بشكل أهم طبيعة التحركات الواجب اتخاذها في المدى القريب لسحب فتيل التوتر وتفادي الانزلاق في دوامة التصعيد.

وينضح مستقبل الأزمة الراهنة بالغموض على المستويين السياسي والدبلوماسي في ظل غرق قطر في وحول العداوة والقطيعة، التي تزيد من صعوبة إيجاد حلّ يعيد المياه إلى مجاريها. وتوغل المسألة في التعقيد إزاء واقع عدم تجاوب قطر. يضاف إلى ما سبق إمعان ترامب المتكرر في إدانة الدوحة ودعم السعودية والإمارات العربية المتحدة، ما يقصي إلى حدّ كبير إمكانية دخول الولايات المتحدة على خط لعب دور الوسيط.

في حين رأت مصادر ألمانية أن مقاربة الأزمة قد تدفع بشكل من الأشكال بالدوحة للارتماء أكثر في حضن إيران.  وفي السياق العسكري عينه، برز عدد من التغريدات للسفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، أعرب فيها عن اعتقاده بأن كلاً من الإمارات وأميركا تركتا لقطر التمادي في سلوكها البغيض لفترة طويلة.

ولم يتورع المحلل إيشان ثارور، في مقاله في صحيفة "واشنطن بوست» الأميركية بعنوان «أزمة قطر تسلط الضوء على ارتباك ترامب في ميدان السياسة الخارجية»، بالقول إن المنطقة قد وقعت تحت عبء ثقيل، في ظل الزيارات المكوكية التي يقوم بها القادة لاحتواء نزاع يهدد تاريخ علاقات حسن الجوار الأكثر استقراراً وتماسكاً في المنطقة.

ووصف ثارور التشابه بين موقف ترامب من قطر، وذلك الذي أعلن عنه ستيفن كوك من مجلس العلاقات الخارجية حين قال: تلك هي طبيعة الأمور في منطقة الشرق الأوسط، وأوافق تماماً على أن القطريين يتبعون سياسات بغيضة في المنطقة.

وشددت "فايناشال تايمز"على طريقتها وبقلم ديفيد غاردنر على أن المواقف المتبعة لتقويض سياسات الدوحة التآمرية تسدد ضربة قاصمة للتطرف والإرهاب. وقد أشار غاردنر في مكان آخر إلى سخط الغرب إزاء فتاوى يوسف القرضاوي المشرعة للتفجيرات الإرهابية، على غرار نفور بعض العرب والمسلمين المعتدلين من طائفيته البغيضة.

ولا بد من العودة هنا إلى تقرير فيراستر وألترمان وقد أصابا في القول إن القطيعة الحالية تذهب إلى أعماق أبعد من أن نتذكر مثيلاً لها، في مشهد يبقى العامل الأوضح فيه استحالة التنبؤ بطبيعة التحركات القطرية. وعلى الرغم من أنه يستبعد أن تؤول الأوضاع إلى الوقوع في حرب، فإنه من السهل التخيل بأن الستاتيكو الذي سيبرز عقب الأزمة لن يكون شبيهاً بما سبقه من تساهل أدى في المقام الأول إلى تمادي قطر.

وأشار المحلل العسكري السابق المعروف ب"ذا سايكر" في مقاله الأخير حول أزمة قطر إلى أننا قد لا نكتشف مطلقاً حقيقة ما جرى من محادثات بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والسعوديين، لكن قليلاً من الشك فقط يحيط بالنتائج المباشرة لتلك المفاوضات والتي تمثلت بالتحرك السعودي ضد قطر.

وفي حين أن واقع الحال يشير إلى تاريخ من التباينات والإشكاليات بين السعودية وقطر، إلا أن جسامة الأزمة الراهنة تتخطى كل ما سبق. وهي تنعكس من المنظار الموضوعي بشكل سيئ على الولايات المتحدة لكن هل يعني ذلك أن الإدارة المحكومة بأصحاب العقائد الراسخة مستعدة لتقبّل هذه الحقيقة بشكل موضوعي.

وفي حين يعتبر "ذا سايكر" أننا إزاء حالة معقدة، يتساءل الباحث والأكاديمي الإيراني الاختصاصي بالشؤون الاستراتيجية حسن أحمديان، عما إذا كانت طهران تودّ حقاً انتهاء حال القطيعة في الخليج، لا سيما أنها سارعت للاصطياد في المياه العكرة بانتقاد المقاربة المتبعة بقيادة السعودية إزاء الدوحة والتشديد على الحاجة للحوار بدل المواجهة في سيناريو تثبت مسيرة إيران زيفه.

وقد كشف أحمديان عن أربعة دوافع محتملة تقود إلى التشكيك بنوايا إيران الحقيقية ورغبتها في انتهاء الأزمة، أهمها تاريخ طهران وممارستها الممعنة في دعم كل ما يخلق عدم الاستقرار والتوازن ويعزز حالات الانشقاق أينما وجدت.

وفصّل أحمديان في سياق متصل أربعة أسباب أخرى تبين استفادة طهران من الوضع الراهن أبرزها وجود مسوغ منطقي لهذا الخيار باعتبار أنها لن تخسر شيئاً من وقوفها بجانب الدوحة على نحو يعزز مصالحها الاستراتيجية في المنطقة ويحوّل وجهة الاهتمام عنها.

ويندرج في إطار الخديعة المضللة التي اعتبر المحلل الإيراني أنها نوع من تعميق شرخ تعوّل عليه طهران كونها محاولة يائسة لإثبات فشل محاولات الإجماع على معاداة إيران، تبلورت في مسارعة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف للقول إن "دول الجوار واقع مستدام، وإنه لا يمكن تغيير الجغرافيا"، مضيفاً أن الحلول لا تأتي بالإكراه، وأن الحوار شأن لا بدّ منه.

وتجلى في ظل المواقف المواربة لقطر ومن ورائها إيران موقف وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات معالي أنور قرقاش الذي جاهر بعدم ثقة دول المنطقة بقطر، وطالب بمراقبة دولية، وقال: إننا لا نثق بهم، مستوى الثقة صفر، وإننا نحتاج لبرنامج مراقبة ولأن يكون لأصدقائنا في الغرب دور فيه.

وإذ أكد قرقاش ضرورة أن تفضي الرقابة إلى ضمان عدم مواصلة الدوحة تمويل الإرهاب وإيواء المتطرفين، أو تأمين الدعم لمنظمة الإخوان المسلمين والقاعدة، أعرب عن قلقه، ليس من تصاعد وتيرة الأحداث بقدر عزل قطر.

كما جاء كلام قرقاش ـ بحسب ما استعرض باتريك وينتور، محلل الشؤون الدبلوماسية في صحيفة "غارديان" اللندنية ـ الأفضل في توصيف الوضع، الذي يشبه برأي قرقاش الوصول إلى مسرح الجريمة وتبيّن بصمات قطر في كل الأماكن.

 

Email