ليبيا من حلم الدولة إلى واقع الصراعات المسلحة

■ عناصر إحدى ميليشيات العاصمة طرابلس | أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

حلم الليبيون بإقامة دولة جديدة بعد إسقاط نظامها السابق. لكن بعد سنوات من سقوط النظام وظهور العشرات من الميليشيات المتناثرة فوق الجغرافية الليبية، بدأ الحلم يبتعد شيئاً فشيئاً على وقع الصراعات المسلّحة والسيطرات والتناحر القيادي.

ففي ليبيا تغيب الدولة والمؤسسات، ويسود الصراع بين الميليشيات المسلّحة، حيث يوجد الكثير مما يمكن الصراع حوله: النفوذ السياسي، السلطة والهيمنة، المغانم الاقتصادية والمالية، الشرعية الثورية بل وحتى الأصالة والانتماء للهوية الليبية، حسبما قال محلل ليبي في مقال.

المآل الذي وصلت إليه ليبيا ما بعد القذافي مرجعه التاريخ والواقع المجتمعي الموروث والمتشكّل. فليبيا تاريخياً تتكون من ثلاث مناطق؛ برقة في الشرق وفزان في الجنوب وطرابلس في الغرب، والمكوّن الرئيسي لغالبية المجتمع الليبي هو القبيلة.

وهذا الوضع يخلق اصطفافات جهوية وقبلية كرّست في بعض الحالات تمسّك الجماعات بالسلاح كضمانة للحقوق والمصالح في دولة لا تنقصها الموارد.

بؤر

الوضع المتشكّل في البلاد بعد سقوط النظام وتفكك الجيش وعدم وجود قوة مركزية قادرة على لملمة الوضع، وبخاصة الأمني، أفضى إلى ما يشبه البؤر المناطقية أو دويلات بلغة السياسة والصراعات.

فما تمتلكه بعض الميليشيات من أسلحة ثقيلة مثل الدبابات والمدفعية والراجمات والصواريخ يفوق قدرات بقايا الدولة، بل إنها استقوت بها على الدولة وأصبحت تقوم مقام الدولة، كل واحدة في مناطقها.

حاول الليبيون تفادي الأخطار من البداية، ونظموا انتخابات برلمانية والتقى قادتهم في مؤتمرات مصالحة عدة في عواصم عربية ودولية، إلا أن مؤسسات الحكم الانتقالي بعد إطاحة النظام السابق ورثت دولة ضعيفة وازدادت ضعفاً على أيديها، في ظل عدم وجود رغبة أو قدرة على إنهاء تحكم الميليشيات.

كما تنقل بي بي سي عن الحسين عريبي، عضو المجلس المحلي لتاجوراء. كما أن عدم نمو مؤسسات الدولة وتحولها لـ«مؤسسات حقيقية يرجع لعدم حل المشكلة الحقيقية وهي انتشار السلاح والميليشيات المسلحة، كما تنقل القناة عن خالد الترجمان الناشط الحقوقي والسياسي، والذي شغل سابقاً منصبي أمين سر المجلس الانتقالي».

وبهذا المعنى، فإن الميليشيات تغذت على ضعف الدولة الليبية وضعف المؤسسات التي تشكلت، وهي المجلس الانتقالي ومن بعده المؤتمر الوطني العام اللذين شهدا انقسامات سياسية حادة ألقت بظلالها على استقرار الأوضاع.

بناء

سبب آخر للوضع الميليشيوي يسوقه محللون ليبيون، إذ يرون أن انهيار القوة العسكرية للنظام السابق وتفكك الجهاز الإداري للدولة تقريباً، لم يتبعهما برنامج دولي لإعادة بناء ما تفكك، كما لم يقدم المجتمع الدولي المساعدة على جمع الأسلحة والذخائر التي خلفها الصراع.

والتي تقدر بواحد وعشرين مليون قطعة سلاح. هذا يعني أن البيئة كانت خصبة لنمو الميليشيات المسلّحة في ظل غياب ترتيبات للأمم المتحدة على الأرض. ووفقاً لتقدير جهاز الاستخبارات البريطاني، فإن ليبيا عقب الإطاحة بالقذافي كان فيها مليون طن من الأسلحة أي أكثر مما لدى الجيش البريطاني.

وفي ظل الفراغ الأمني قامت الميليشيات المسلّحة بعمليات حفظ الأمن ومراقبة الحدود وحراسة السجون والمنشآت الحيوية بالبلاد، بهدف إضفاء ما يشبه الشرعية على وجودها.

Email