العراق يتّجه إلى الدويلات والطوائف

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتفاقم مشكلة التقسيم في العراق، يوماً بعد آخر، كلما اقتربت الحرب ضد تنظيم داعش من نهايتها، وهي نهاية غير معلومة، وغير معلوم ما ستنجبه، وما ستخلفه، مع مطالبة كل جهة بالمكاسب، إلى جانب غياب شبه كامل للدولة، منذ غزو العراق عام 2003 حتى الآن، ما ينذر بتفكيك العراق كدولة، والعودة به إلى ما كان عليه، أيام تفكك الدولة العباسية والغزو المغولي.

وبينما تطرح كل الكتل السياسية والطائفية والإثنية، الآن، موضوع وحدة العراق «شكلياً»، فإن موضوع التقسيم يبدو «من الأمور المسلم بها»، ولم يعد حبيس المجالس المغلقة والأوساط الدبلوماسية المعنية بالأزمة العراقية، بل بات مطروحاً في العلن، وواقعاً يكاد يكون ملموساً في خضم الحرب المفتوحة ضد «داعش» الذي استولى على أراض واسعة في شمال وغرب البلاد.

ولم تعد طروحات تقسيم العراق مجرّد تحليلات وآراء وتبادل اتهامات على المستوى العراقي الداخلي، بل بات الطرح مرتبطا بآليات القضاء على التنظيم، والغنائم الجغرافية للأطراف المشاركة وغير المشاركة في القتال.

مشروع بايدن

وفي الجانب النظري، هناك شبه توافق على تطبيق مشروع بايدن، بتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم «كردي وشيعي وسني»، إضافة إلى إقليم المركز «بغداد».

إلا أن «الشيطان يكمن في التفاصيل»، لاسيما بعد التغيير الديموغرافي الهائل الذي انتجته النزاعات الطائفية والعرقية، منذ عام 2003، وما زال مستمراً، وخصوصاً قمع وتهجير العرب السنّة من مناطق حزام بغداد ومحافظات صلاح الدين وديالى وبابل، وأخيراً الموصل.

ويقول رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، ليس لدينا مشكلة مع تقسيم العراق بالتراضي، وأصوات الدعوة إلى تقسيم العراق تتعالى، وتحظى بقبول واسع في الشارع العراقي، في حين يقول النائب عن ائتلاف «متحدون» طالب المعماري إن «فكرة انفصال العرب السنة عن العراق أو إقامة إقليم سني غير مطروحة حالياً من جانب السياسيين في الحكومات المحلية للمحافظات الغربية».

لكن النائب عن الائتلاف الذي يتزعمه أسامة النجيفي نائب رئيس الجمهورية يقر بأن «أزمة الثقة بين الفرقاء السياسيين وإقصاء بعض المكونات والتهجير هي التي ستؤدي إلى تقسيم العراق إلى دويلات».

ويرى النائب عن الأنبار أحمد عطية أن هناك قبولاً لفكرة التقسيم، بسبب ما نراه من تصرفات السلطات تجاه بقية الأطراف، وبالتالي ستؤدي إلى قناعة عند المواطن بعدم إمكانية التعايش بين المكونات.

رؤية

وتقول أطراف سياسية إن واشنطن بدأت بوضع اللمسات الأولى لإقامة أقاليم السٌنّة في العراق، مشيرة إلى تحركات لشخصيات سياسية سُنيّة لدى الكونغرس الأميركي لتحقيق ذلك المسعى. وبحسب النائب عن ائتلاف دولة القانون محمد ناجي إن «العراق يمر الآن بمنعطف خطير، وهو على أعتاب التقسيم، نتيجة عدم اتفاق الكتل السياسية على رؤية واضحة لإدارة الدولة».

مشيراً إلى أن التوجه الأميركي يميل نحو إعلان محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى إقليماً مستقلاً، مماثلاً لإقليم كردستان، إضافة إلى إقليم الموصل، وتقسيمه إلى محافظات عرقية، بالتراضي مع الجانب الكردي، الذي ينتقد محاولات افراغ محافظة ديالى ذات الأغلبية السنية العربية من سكانها الأصليين، ما يتيح للميليشيات الشيعية تشكيل أغلبية في المناطق «المتنازع عليها».

ويرى المراقبون السياسيون أن الحديث عن التقسيم أو الفيدراليات لا يزال نظرياً، لأن الواقع العملي أكثر مرارة بكثير، ويتجسّد في الصراع على السلطة والنفوذ، والانتشار الفوضوي للسلاح، وحدود المحافظات أو الأقاليم، والاهم من كل ذلك الاختلافات داخل المكون الواحد.

والتشجيع غير المناسب للعشائر المدججة بالسلاح، المتصالحة منها والمتخاصمة، تحت مظلات الحشد الشعبي والعشائري أو خارجها، وبالتالي.. التخوف من الاقتتال العشائري والسياسي في المكون الواحد، ولعل الوضع الداخلي المتفكك حالياً في إقليم كردستان خير مثال على ذلك.

Email