سيناريوهات مفتوحة في المشهد السوري

رحيل الأسد.. العقدة والحل

ت + ت - الحجم الطبيعي

يمكن وصف سؤال رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، بالسؤال اللغز في الأزمة السورية، ذلك أنه عاد يصبح الحديث الأول في الأروقة الدولية وفي كل المحافل، وبخاصة بعد الضربة الصاروخية الأميركية على مطار الشعيرات إثر الهجوم الكيماوي على بلدة خان شيخون في ريف إدلب.

وقد تصاعد الحديث أكثر فأكثر عن رحيل الأسد، إذ فتحت الضربة الأميركية الأخيرة على مطار الشعيرات كل الخيارات على الأزمة السورية، ولم يخف المسؤولون الأميركيون الخيارات العسكرية في حال تكرّر ما حدث في خان شيخون.

وقد توقف الكثير عند التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون الذي قال إن حكم عائلة الأسد في سوريا انتهى، وإن الشعب السوري لن يقبل بعد كل ما جرى أن يبقى الأسد رئيساً.

لكن بعض الآمال التي أنعشتها الضربة الأميركية بدأت تتراجع أو تخفت عندما عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى خطابه الإعلامي الأول بأن أولويته ليست في رحيل الأسد، بل ذهب أبعد من ذلك، إذ قال إن السلام في سوريا ممكن مع بقاء الأسد في السلطة، لكنّه حذّر من تكرار حادثة خان شيخون.

يضاف إلى ذلك موقف روسيا الفاعل والمؤثّر، وربما الحاسم، فمنذ بداية الأزمة تكرر موسكو أن المطالبة برحيل الرئيس السوري بشار الأسد غير مقبولة، وأن الشعب السوري يجب أن يقرر مصيره من خلال العملية الديمقراطية، وقد برّرت بهذا الموقف استخدامها الفيتو في مجلس الأمن الدولي سبع مرات ضد أي قرار يستهدف النظام السوري. كما لا ينبغي تجاهل مواقف أخرى تشارك روسيا موقفها مثل الصين ودول في أميركا اللاتينية.

تفاؤل المعارضة

وفي ظل التحرك الأميركي، والخلاف مع روسيا حول الوضع في سوريا، باتت المعارضة متفائلة حيال مسألة نهاية النظام ورحيل الأسد، بينما يذهب آخرون إلى أن المسألة ليست بهذه السهولة، ذلك أن جذور الأسد عميقة ومتشعّبة، كما أن حليفتيه إيران وروسيا تشكلان مظلة تحميه من كل العواصف.

ويرى المعارض السوري كمال اللبواني، أن «رحيل الأسد أمر محقّق لا محالة، لكن سيناريو الرحيل لم يتم الاتفاق عليه حتى الآن»، معتبراً أن «النظام ذاته يدرك أنه راحل ويتصرف على هذا الأساس، لذا فهو يعمل على تدمير البنية التحتية للدولة ووضع صعوبات لأي نظام قد يأتي من بعده».

يقول اللبواني لـ«البيان» إن حجم الانتشار الإيراني في سوريا والميليشيات الطائفية من العراق ولبنان والدول الأخرى، يعقد مسألة إسقاط الأسد، بالإضافة إلى وجود تنظيم داعش، الأمر الذي يجعل الدول الغربية تخشى من فكرة إسقاط الأسد، معتبراً أنه في حال رحيل الأسد، ستنتهي كل هذه القوى من الوجود.

وتذهب بعض أطراف المعارضة إلى أبعد من ذلك، إذ قال مسؤول في ملف سيزر حول تعذيب السجناء السوريين لـ«البيان» إن ثمة تحركاً أميركياً وأوروبياً قادماً ضد الأسد في المحاكم الدولية، على خلفية الجرائم التي هي قيد التوثيق الآن، مؤكداً أن الكونغرس الأميركي لا يزال يدرس ملفات التعذيب في سجون النظام.

وقال إن المحاكم الإسبانية بدأت تتحرك لمحاكمة الأسد وشخصيات أخرى من النظام متورطة بالدم وفي وقت لاحق ستتحرك المحاكم الأوروبية مجرد أن تبدأ الماكينة الأميركية بالتحرك ضد جرائم الأسد، معتبراً أن المكان المناسب للأسد هو محكمة لاهاي، لافتاً إلى أن هذا الملف سيكون ضاغطاً على النظام وحلفائه.

الحل السياسي

المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي حسن عبدالعظيم، كان أكثر منطقية في مسألة رحيل الأسد. وقال لـ«البيان» إن طريقة الحل السياسي للأزمة السورية أصبحت معروفة على قاعدة القرارات الدولية وبيان جنيف1 وقرارات الأمم المتحدة الداعية إلى الانتقال السياسي وهيئة حكم انتقالي تنتقل بموجبها الصلاحيات وعلى مرحلتين، الأولى 6 – 7 أشهر، والثانية 18 شهراً بما فيها انتخابات رئاسية أو برلمانية.

وأشار إلى أن هذا السيناريو تم الاتفاق عليه من القوى الإقليمية والدولية من خلال بيان فيينا وميونيخ والقرارات الدولية ذات الصلة العام الماضي، مؤكداً أن الالتزام بالقرارات الدولية هي الطريقة الأكثر ضماناً للحل السياسي ووقف حمام الدم.

ومن وجهة نظر حسن عبدالعظيم التي يختلف معها من يمكن تسميتهم بصقور المعارضة السورية، فإن رحيل الأسد بشكل فوري قبل مرحلة الأشهر الستة شرط يصعب تحقيقه وغير عملي، ذلك أن السلطات التشريعية والتنفيذية والإدارية وغيرها من السلطات الأخرى معلقة بشخص الأسد، بغض النظر عن موقف المعارضة منه.

وأضاف إن عدم وجود الأسد في بداية المرحلة الانتقالية من أجل تسليم هذه الصلاحيات إلى هيئة الحكم الانتقالي يشكل مخاوف بانهيار الدولة، وهذا لن يكون في مصلحة الشعب السوري وربما يقود إلى تطوّرات غير محمودة.

تعقيدات الرحيل

ومن بين التعقيدات حول رحيل الأسد أو إنهائه، هي الارتباط بالتفاهمات الدولية حول العديد من القضايا المشتركة بين روسيا وأميركا، ذلك أن المعضلة السورية دخلت في سلّة المساومات الدولية، لذا يبقى الحديث عن مصير الأسد المعادلة الأصعب، حيث إن الأسد نجح طوال السنوات السابقة في التموضع ضمن الصراع الدولي، وحوّل سوريا إلى ساحة مساومات.

ويرى مدير الهيئة السورية للإعلام د.إبراهيم الجباوي لـ«البيان» إن رحيل الأسد بات الآن مسألة ابتزاز دولي، وبرأيه فإن روسيا تحاول ابتزاز المجتمع الدولي لتقبض ثمن رأس الأسد على شكل امتيازات في سوريا وفي أوكرانيا ولتحصل على ما خسرته جراء مشاركتها الأسد في الحرب، مضيفاً أنه حتى اللحظة أميركا ترفض إعطاء روسيا الثمن.

وأضاف الجباوي «لا أعتقد أن ما يطفو على السطح من خلاف ظاهري بين روسيا وأميركا سيستمر لأن روسيا تدرك أنها غير قادرة على الدخول في سجال طويل مع أميركا، وأنها غير قادرة على مواجهة أميركا.. ويبقى الأسد يتأرجح بين التفاهمات الأميركية الروسية.

قواعد اللعبة

لكن في الوقت ذاته، ثمة من يرى أن الحديث الآن عن رحيل الأسد غاية في الصعوبة بعد ست سنوات من الصراع، إلا إذا كانت الولايات المتحدة مصمّمة على مسألة رحيله، هنا ستتغير قواعد اللعبة في سوريا وسرعان ما تتجه كل القوى إلى سكة القطار الأميركي.

وبدوره، يقول الباحث في مركز التحرير الأميركي من واشنطن حسن حسن، إن الولايات المتحدة ستحافظ على النبرة العالية ضد نظام الأسد، خصوصاً وأنها باتت نقطة للضغط على روسيا التي تدعمه، بعد الهجوم الكيماوي الذي لقي ردة فعل دولية قوية.

واعتبر أن إسقاط نظام الأسد، ليس بالسهولة التي يراها الكثير، ذلك أن إيران وروسيا ما زالتا داعمتين بشكل قوي للنظام وهو الآن الأكثر سيطرة على الأرض من قبل، لافتاً إلى أن الأسد لن يرحل إلا بتفاهم أميركي روسي.

وحتى الآن، لا تبدو أميركا واضحة في مسألة رحيل الأسد، أو أنها جادة في هذا الأمر، خصوصاً أنها ما زالت تؤكد أن أولويتها قتال تنظيم داعش في سوريا والعراق، لكنها ملتزمة ألا يتجاوز الأسد حدوده في الصراع.

موقف الضرورة

فسّر الباحث الأميركي المتخصص في الشأن السوري د.جوشوا لانديس الموقف الأميركي الأخير من الأسد بأنه موقف للضرورة، مشيراً إلى أن أميركا لا بد أن تثبت أنها قوية في الملف السوري من أجل أن تطرح كل القضايا الخلافية مع الروس من البوابة السورية. وقال لـ«البيان» إنه من المبكر الحديث عن رحيل الأسد، وإذا كان هناك بالفعل رحيل فلا بد أن يكون ذلك بالتوافق الإقليمي والدولي وعدم السماح للقوى المتطرفة في سوريا السيطرة على مقاليد الحكم.

Email