حرب الموصل

زراعة القنابل وحصاد الضحايا

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ أكثر من أسبوعين، يتحدث قادة عسكريون عراقيون وأميركيون عن وضع خطط جديدة لاستعادة الشطر الغربي من مدينة الموصل، بعد تعثّر التقدم الأول الذي حقّقته القوات العراقية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، بسبب الأحوال الجوية تارة، وبسبب عنف مقاومة تنظيم داعش تارة أخرى، أو «لوجود المدنيين»، مع علم الجميع بأن هؤلاء المدنيين هم أول الضحايا، من الطرفين المتقاتلين.

وبحسب المصادر العسكرية، فإن الخطط الجديدة «ستركّز» على أمن وسلامة المدنيين كما حدث في المجزرة الأخيرة التي راح ضحيتها مئات القتلى والجرحى من المدنيين في غارة شنّتها مقاتلات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

ويشير مراقبون ميدانيون الى أن الجانب الأميركي، اقترح فتح ممرات لخروج مقاتلي «داعش» من الموصل، كما حصل سابقاً في الفلوجة، تجنّبا لمعارك شرسة ودموية داخل المدينة، وبخاصة في الشطر الأيمن المزدحم بالسكان، إلا أن قيادات عسكرية ذات صلة بإيران أصرت على غلق جميع المنافذ، لتجعل الحرب أكثر دموية، مع ملاحظة أن قوات مكافحة الإرهاب التي أشرفت على تدريبها القوات الأميركية، استنفدت زهاء نصف قدراتها في الشطر الأيسر، وإن انتهاء هذه القوات يتيح المجال لقيادات الجيش الأخرى غير المهنية، والحشد الشعبي، بالهيمنة كلياً على الموقف العسكري داخلياً.

قوات النخبة

لم يتم زج قوات النخبة في معارك الساحل الأيمن من الموصل، الا بقدر قليل، وهي تكرّس العمل على استعادة عافيتها، وهذا يعني أن القوات الميدانية الحالية في الساحل الأيمن تفتقر الى قدرة قوات مكافحة الإرهاب وخبراتها، حيث ينتظر منها الجانب الأميركي أن تلعب الدور الأهم في مرحلة ما بعد «داعش»، لعدم ترك الأمور سائبة، أو متماشية مع الإرادة الإيرانية في الهيمنة على المؤسسة العسكرية العراقية كلها.

ومع تعثر التقدّم العسكري، والادعاء بخطط جديدة، يعتقد الكثير من المراقبين بأن مجزرة الموصل الأخيرة مخطط لها، لغرض إثبات تعذّر استعادة الشطر الأيمن مع وجود «داعش» فيه، وأن ذلك سيؤدي الى إبادة المدنيين الذين يقدر عددهم بزهاء نصف مليون شخص، وهو ما يتطلب فتح الممرات لخروج مقاتلي داعش، وإعلان «تحرير الموصل».

قصف العامرية

ويذكر متابعون للشأن العراقي، ان حرب الخليج عام 1991، كان من أبرز مبررات وقفها، قصف ملجأ العامرية، غربي بغداد، وصهر أكثر من 400 مدني في داخله حيث أدت إحدى الغارات الأميركية يوم 13 فبراير 1991 على بغداد بواسطة طائرتين من نوع أف-117 تحملان قنابل ذكية إلى تدمير الملجأ، ما أدى إلى قتل من فيه، وقد بررت أميركا هذا القصف انه كان يستهدف مراكز قيادية عراقية، لكن أثبتت الأحداث أن تدمير الملجأ كان متعمدا، خاصة وأن الطائرات الأميركية ظلت تحوم فوقه لمدة يومين.

وكان بالإمكان وقف الحرب قبل هذا الحادث المفجع، بأسابيع، بعد ان فقد الجيش العراقي قدرته على المقاومة، ولم يكن بحاجة الا لتأمين الخروج من الكويت.

لعبة الحروب

وفي لعبة الحروب، يعتقد كثيرون.. بل يكاد يكون هناك إجماع على أن الحرب العراقية الإيرانية، انتهت في 8 سبتمبر 1988، إلا أنها في الحقيقة انتهت قبل ذلك بزهاء 5 – 6 أشهر، باتفاق الطرفين على عودة القوات الى ما كانت عليه قبل 8 سنوات، وما بين الاتفاق على وقف القتال وتنفيذه كانت هناك معارك شرسة «مسرحية»، ومن بينها قصف حلبجة وعمليات الانفال ونهر جاسم، وغيرها، واستعادة الفاو «هاتفياً» حسب تقرير وكالة رويترز آنذاك.

ويتساءل متابعون للشأن العراقي، عن إمكانية وجود سناريو مشابه في الحرب ضد «داعش»، ويرون أن التحالف الدولي لا يقوم بأي عمل بشكل عبثي وخاطئ، وقد يتبين، ولو بعد حين، الهدف الحقيقي وراء هذه الغارات، والذي قد يكون سياسياً أو عسكرياً.

النصر على الجثث

الحروب عبر التاريخ ليست بريئة من دماء المدنيين، بل توجد حروب نظيفة، وهذا ما يعترف به صانعو الحروب سواء كانت حروبهم عادلة أو غير عادلة. لكن حروب السنوات الأخيرة بات قتل المدنيين أكثر سهولة، وأحياناً يدعي هذا الطرف أو ذاك تحقيق الانتصارات، ولو على جثث الأبرياء.

الإعلامي العراقي مهند النعيمي غرّد بالقول «التباهي بنصر على جثث الأطفال والنساء والشيوخ، هزيمة منكرة، والتقدم على أرض محروقة إرهاب بكل المقاييس».

مسؤول عسكري في بغداد كشف عن معلومات قال إنها مؤكدة تشير إلى استخدام الجيش الأميركي قنابل كبيرة محرّمة وذات قوة تدمير عالية داخل المدن، أدت إلى سقوط هذا العدد الهائل من الضحايا.

ويؤكد أن ست قنابل منها دمرت تماماً الشارع المستهدف وثلاثة أزقة مجاورة له. الآثار تبدو واضحة جداً بل أوضح من اي اعتراف، فالجثث المتفحّمة والحديد المنصهر والفجوات العميقة التي خلّفتها القنابل في الأرض لا يمكن أن تكون من صاروخ عادي.

مصادر محلية في الموصل تقول إن تأخر انتشال الضحايا تسبّب بموت عشرات الجرحى الذين كان يمكن إنقاذهم بعد القصف مباشرة، ذلك أنّ «القوات العراقية علمت بالمجزرة وحاولت التكتّم عليها، ولم تقم بفعل شيء لانتشال الضحايا من تحت الأنقاض، وهو ما أدى إلى ارتفاع الحصيلة»، كما تؤكّد المصادر.

3000

بدأت القوات العراقية في 19 فبراير الماضي عملية كبيرة لاستعادة الجانب الغربي للموصل، الذي يعد أكثر اكتظاظاً من جانبها الآخر. وذكر مصدر في دائرة الدفاع المدني بالموصل ان أعداد الضحايا المدنيين منذ بدء الهجوم على الجانب الغربي من الموصل ارتفع إلى أكثر من 3 آلاف قتيل في غضون أقل من شهرين. وأضاف أنَّ 2070 مدنياً بينهم نساء وأطفال ومسنّون، مازالوا تحت الأنقاض في مناطق الموصل الجديدة والمشاهدة والعكيدات وباب الجديد والفاروق والمطاحن.

وأوضح أنه «لم يتم انتشال هذا العدد من الجثث، بسبب وجود قناصي التنظيم، وعدم تمكن فرق الدفاع المدني وآليات بلدية الموصل من رفع الأنقاض».

 

 

Email