قضية

«مستقبل كردستان».. التفكك السياسي العراقي سلاح ذو حدين

 قوات البيشمركة خلال معارك تحرير قرية في بعشيقة | رويترز

ت + ت - الحجم الطبيعي

يرى متابعون للشأن العراقي، أن ورقة التسوية السياسية، التي طرحتها أطراف في «التحالف الوطني»، كشفت عن مدى تفكك الوضع السياسي، وكتله المعروفة، على الرغم من كونها «ورقة أمنيات»، شأنها شأن سابقاتها، ينتهي مفعولها فور التوقيع عليها.

ولا يوجد حساب لما بعد ذلك، وخير دليل هو البرنامج الذي تم الاتفاق عليه عند تشكيل حكومة حيدر العبادي، وقبله برنامج حكومة نوري المالكي، الذي تم تنفيذه بالمقلوب،ويرى مراقبون أن إقليم كردستان الطامحة كثير من كتله للانفصال ربما يضيع في زخم هذا التفكك بينما يرى آخرون أن التفكك ربما يعرقل الحلم الكردي.

ويبدو أن الجانب الكردي يئس من كثرة الوعود والبرامج وعدم تطبيقها، إلا أن مشروع التحالف الوطني الجديد، طرح مسألة «الضمانات الدولية»، لتنفيذ أي اتفاق، الأمر الذي دفع ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، إلى الإعلان عن رفضه لأي تدخل أممي أو اجنبي في برنامج عراقي خالص، ما أدى إلى إجهاض فكرة الضمانات الدولية، ليطرح الجانب الكردي بالمقابل «الشرط الجزائي».

في حال الإخلال بالاتفاق، كما هو الأمر في الاتفاقات المهمة، والشرط الجزائي هنا، هو إلغاء فقرة «رفض الانفصال في أي حال من الأحوال»، وكذلك رفض مشروع ائتلاف المالكي، بتشكيل حكومة «أغلبية سياسية»، وهي تعني في السياسة العراقية «الأغلية الطائفية»، التي تلغي كل الاخرين، ليكونوا تابعين للمحور الإيراني.

قوميتان رئيسيتان

ويستند الجانب الكردي في طرحه على أن المادة الأولى من دستور 1958 نصت على أن العراق يتكون من قوميتين رئيسيتين، هما العربية والكردية، ما يلغي فكرة «الأغلبية»، التي تحكم الاخرين حسب توجهاتها، كما يستند إلى أن كل «العملية السياسية» بعد العام 2003 بنيت على أساس توافقي، فيما يحاول رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي الخروج على هذا النهج السيئ، ولكن بلا أسس تعتمد دولة المواطن، وليس دولة الطائفة.

وبالمقابل، يطرح الجانب الكردي شرطه الجزائي «حق الانفصال» في حال عدم التزام الطرف الآخر بالاتفاقات، وهذا حق دستوري ودولي، ولكنه غير قابل للتطبيق في ظل التشظي السياسي الكردي، والتدخلات الإقليمية والدولية.

كما أن التشظي اقترب من اخطر درجاته في التحالف المدعوم من إيران، ما يعني أن ورقة التسوية، ستنحصر في جزء محدود من المكون، ولا يمكن الاقتراب من تنفيذ أي تسوية، فيما تطرح أطراف رئيسية في التحالف رؤى مختلفة تماما، أي عدم امكانية تقديم ضمانات.

ترتيب البيت الداخلي

وتحاول القوى السياسية الكردية لملمة أوضاعها وترميم البيت الذي يشهد صراعاً داخلياً واضافة الى النزاع الإقليمي، في نفس الوقت، وبلا شك فإن المهمة صعبة جدا، وتؤجل فكرة الاستفتاء على الانفصال إلى مدى بعيد.وبحسب مصادر كردية مطلعة، أن الأحزاب السياسية الكردستانية في الإقليم أنهت المرحلة الأولى من الحوارات والمناقشات بشأن حسم القضايا الخلافية داخل البيت الكردي.

وفيما يُنتظر أن تشرع في «المرحلة الثانية» قريباً، يستعد الحزبان الرئيسان في الإقليم «الاتحاد الوطني والديمقراطي» إلى تشكيل وفد يضم الأحزاب السياسية الكردستانية الرئيسة لزيارة بغداد للتفاوض بشأن الاستقلال.

ويرى مراقبون سياسيون انه على الرغم من إجماع البيت الكردي على «حق الشعوب في تقرير مصيرها»، غير أن طرح فكرة الانفصال التي يتبناها الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود بارزاني، في الوقت الحالي، لم تلق إجماعاً داخل الأحزاب الكردستانية.

وكشف المجلس الأعلى الإسلامي، عن تفاصيل «حديث الانفصال» الذي جرى خلال زيارة التحالف الوطني الأخيرة إلى إقليم كردستان، مشيراً إلى أن التحالف رد بوضوح على ذلك، فيما أكد أن القوى السياسية الكردية لم تعترض على ورقة التسوية الوطنية.

وقال الناطق باسم المجلس حميد معلة، إن «الزيارة التي أجراها وفد التحالف الوطني إلى كردستان مهمة وكان هناك ترحيب بها»، لافتاً إلى أن «توقيت الزيارة مهم أيضا حيث إن المرحلة فيها تحديات كبيرة وخطيرة، وأن مهمة الوفد كانت تصب في صالح توثيق العلاقة بين العرب والكرد».

وأضاف أن «من بين الأمور التي تمت مناقشتها خلال الزيارة، ورقة التسوية الوطنية التي لم يعترض الاكراد على طبيعة أهدافها وأجمعوا على أنها ذات مضامين وطنية عالية».

وأشار إلى أن مسألة الانفصال مطروحة في الإعلام الكردي بكثافة لكن التحالف الوطني ذهب وهو يحمل روح الوحدة، اذ ليس من مفهوم التحالف أن يذهب لكي يقبل بالحديث عن الانفصال. وتابع معله أن الاكراد «قالوا إن تجربتنا مع الحكومة الاتحادية لا تبدو تجربة مشجعة على الاستمرار، وإننا إذا لم نتفق فسوف نلجأ إلى خيارات أخرى».

وأردف قائلا إن «ردنا كان واضحاً بأن كردستان جزء منا وتشكل الخارطة الجميلة للعراق وننظر إلى وحدة البيت الكردي ونأمل أن نكون خيمة واحدة»، مبينا أن «الحديث في السليمانية كان أقل حدة، لكنهم أيضاً قالوا إذا لم نتفق فقد نكون أمام خيارات أخرى».وكان سكرتير الحزب الديمقراطي الكردستاني فاضل ميراني أكد، انه تم بحث مسألة الانفصال مع وفد التحالف الوطني العراقي «بدون خجل»، فيما لفت إلى أن التحالف الوطني استمع بشكل جيد على عكس اللقاءات السابقة.

حسم الخلافات

وفي الشأن الداخلي الكردي، تقول النائبة عن الحزب الديمقراطي الكردستاني أشواق الجاف، إن المرحلة الأولى من حسم الخلافات بين الأحزاب الكردستانية انتهت، والتي تضمنت عقد اللقاءات والحوارات، مضيفة إن تلك المرحلة وصفت بأنها مرحلة التعايش السلمي، وإذابة الجليد بين الأحزاب الكردية في الإقليم.

وكشفت الجاف عن مرحلة ثانية للمناقشات، تتضمن مناقشة آلية تغيير الرئاسات الثلاث في الإقليم، والتي من المقرر أن يعلن عنها في القريب العاجل، في حال لم يتمسك أحد الأحزاب الكردستانية برأيه، والذي يكون عادة ضد الأحزاب الأخرى، في إشارة إلى حركة التغيير.

ودعت الجاف الكتلة- التي لم تسمها- إلى «تغيير رأيها والانضمام إلى قافلة الأحزاب الكردستانية الأربعة الأخرى، لمناقشة الأمور المهمة التي تعرقل الاستقلال والاستبيان»، مشيرة في الوقت عينه إلى إن الأحزاب الكردستانية الأربعة اجتمعت مع وفد التحالف الوطني باستثناء هذه الكتلة. وبحسب النائبة عن الديمقراطي الكردستاني، فإن الانتهاء من المرحلة الثانية يمهد الطريق نحو مرحلة الاستفتاء، مبينة إن الانفصال حق مشروع، وحلم كل كردي في أرجاء كردستان.

وتابعت «طرحنا مسألة الانفصال عدة مرات وفي أكثر من مناسبة، هذا حق شرعي وليس تهديداً، فالدستور العراقي أعطى الحق لكل مكون من مكونات الشعب العراقي في تقرير مصيره». وأكدت الجاف أن إصرار القوى السياسية الكردستانية على إتمام موضوع استقلال الإقليم بالحوار مع بغداد.ويرى الحزب الديمقراطي الكردستاني امتلاكه ثلاثة مقومات أساسية لـ«الانفصال»، ويصف ذلك بأنه واقع حال.

مسؤولية تاريخية

وفي هذا الشأن، تقول النائبة عن الحزب نجيبة نجيب، إن «الأحزاب الكردستانية تعلم بأنها أمام مسؤولية تاريخية تجاه شعب كردستان، وحان الوقت للشعور بهذه المسؤولية تجاه هذا الشعب، وإن العلاقة الدبلوماسية بين بغداد وأربيل جيدة، لكن الخلافات بين الجانبين.

- والتي امتدت لأكثر من 13 عاماً- لم تحل حتى الآن.وأشارت إلى أن الأحزاب الكردستانية تصر على استمرار الحوار مع بغداد حتى في قضية الاستقلال والاستفتاء، مبينة إن أولى خطوات الاستقلال ستبدأ من بغداد.

ومن أبرز المقومات التي تؤهل الإقليم لمرحلة الانفصال، بحسب النائبة عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، هي التمتع باستقلال إداري ومالي منذ نحو 25 عاماً، على الرغم من إن الإقليم لم يشهد أزمة مالية مثل التي يمر بها منذ نحو ثلاثة أعوام.

أما على الصعيد الأمني، فتشير الجاف إلى إن قوات البيشمركة تدافع عن إقليم كردستان بعربه وكرده، وأثبتت إنها قادرة على الدفاع عن أرض كردستان.

إلا أن النائب عن «الاتحاد الوطني الكردستاني» نوزاد رسول، يؤكد أن طرح قضية استقلال الإقليم في الوقت الحالي لا تبتعد كثيراً عن الشعارات الحزبية للحزب الديمقراطي الكردستاني، مبيناً إن الشعب الكردي مع استقلال كردستان كحق دستوري، لكننا أمام موقف محرج وهو كيفية تكوين الدولة الكردية.

بحث تركي محموم عن غطاء كردي في سوريا

لعبت الأحداث المتلاحقة منذ تفجر الحرب ضد تنظيم داعش في المنطقة وتصاعد دور أكراد سوريا كجبهة متقدمة ضد التنظيم الإرهابي في التخفيف كثيراً من المعارضة التركية لإعلان إقليم كردستان العراق الاستقلال. وخلال زيارة رئيس الإقليم مسعود بارزاني إلى أنقرة أمس، كان لافتاً رفع علم كردستان الخاص بالإقليم خلال مراسم استقبال بارزاني في المطارات التركية.

وهذه التحولات في الموقف التركي نتاج سنوات من التعاون البراغماتي بين الطرفين منذ عام 2003، وتوجت في المرحلة الحالية بتطابق مواقف بارزاني مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول سوريا، وتحديداً معارضة مساعي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الانتقال من الإدارة الذاتية إلى الفيدرالية في شمال سوريا طالما أنها بقيادة الحزب المتبني لأفكار الزعيم الكردي المسجون في تركيا عبدالله أوجلان.

ودرج كل من بارزاني والمسؤولون المقربون منه خلال الفترة الأخيرة على إطلاق تصريحات منددة بسياسة الحزب الكردي السوري داخلياً من اعتقالات وتضييق على السياسيين الموالين لبارزاني، إلا أن الأمر أوسع من ذلك، ويتمثل في التنسيق العلني مع تركيا للقضاء على وجود الاتحاد الديمقراطي في سوريا مقابل تسهيلات تركية أكبر لإقليم كردستان العراق قد تصل إلى درجة الاعتراف الفوري في حال تم إعلان الانفصال النهائي عن العراق.

وتتداول أوساط إعلامية في تركيا والإقليم وكذلك في الإعلام الكردي المناهض لهما أنباء عن مساعٍ تركية للزج بقوات كردية سورية تأسست برعاية بارزاني في كردستان لتحل محل قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركياً.

حيث تحتاج أنقرة إلى غطاء كردي قوي في حال قررت التدخل عسكرياً في مناطق أكراد سوريا، ولا يمكن توفير هذا الغطاء إلا عبر بوابة كردستان العراق. وفي هذه الحالة، يكون ثمن الموافقة التركية لدولة كردية مستقلة بأن تعمل هذه الدولة على منع ظهور كيانات كردية مشابهة في دول الجوار.

Email