قضية

أزمة سوريا.. هل من فرصة للحل؟

العالم يتطلع الى أن ينتج عن جنيف4 بصيص أمل لإنهاء الصراع الدامي / أ.ف.ب

ت + ت - الحجم الطبيعي

كل الجولات السابقة من جنيف1 إلى جنيف3 بين وفدي المعارضة والنظام السوري انتهت بالفشل، دون أي اختراق في حل الأزمة السورية. وبعد ما يقارب ست سنوات على الصراع في سوريا، يلتقي وفدا المعارضة والنظام الخميس 23 فبراير في جنيف في جولة جديدة، يتطلع العالم لأن ينتج عنها بصيص أمل لإنهاء الصراع الدامي، الذي تحول إلى أصعب أزمة في المنطقة والعالم.

في جنيف4 ثمة متغيرات طرأت على الأزمة السورية، منها المعطيات العسكرية على الأرض بعد استعادة قوات النظام لحلب، ودخولها مدينة بردى، ناهيك عن تراجع الدور الأميركي في الملف السوري وتقدم القوى الإقليمية (تركيا – إيران)، فيما يجمع المراقبون.

ومن بينهم المعارضة السورية، أن روسيا باتت اللاعب الدولي الأول في هذه الأزمة، بل يذهب معارضون إلى أبعد من ذلك بالقول إن الولايات المتحدة الأميركية فوضت روسيا بالملف، بعكس الجولات السابقة التي كان فيها زخم أوروبي أميركي إقليمي. والسؤال الذي يسبق انعقاد جنيف4، هل نذهب إلى جنيف خامس أم أن روسيا قادرة هذه المرة على فرض الحل السياسي على المعارضة والنظام، وإجبار إيران على قبول هذا الحل؟!

عقدة الحل السوري

تكمن عقدة الحل السوري في بيان جنيف الأول الذي أعده المبعوث الأممي كوفي عنان في يونيو من العام 2012، الذي وضع شروطه الستة لحل الأزمة دون التطرق إلى مصير الرئيس السوري بشار الأسد، واكتفى ببند المرحلة الانتقالية، وهذه البنود الستة مازالت تشكل المسار الأساسي للأزمة السورية، وجرى استنباط كل القرارات الدولية الأخرى من ثنايا هذه البنود.

وفي الواقع تعتبر المعارضة السورية مصير الأسد عقدة العقد في الأزمة، إذ إن السؤال الجدلي الآن «هل يبقى الأسد في المرحلة الانتقالية أم يرحل بعد البدء بها أم في نهايتها؟».

ويرى كبير المفاوضين في المعارضة السورية محمد صبرا في تصريح مقتضب لـ«البيان»، أن بقاء الأسد هو العائق الأول للعبور إلى الدولة الوطنية السورية الديمقراطية، لذا فإن وجوده في أي مرحلة من المراحل يعني استمرار الأزمة.

واعتبر رئيس المجلس الوطني السابق وعضو الائتلاف عبدالباسط سيدا في تصريح لـ«البيان» أن أبرز العقد، موضوع مصير الأسد والدور الإيراني المستقبلي في سورية، ناهيك عن وجود القوى الأجنبية المتطرفة بمختلف انتماءاتها المذهبية وشعاراتها الدينية منها والعلمانية.

أما وفد النظام فأكد في كل مرحلة من مراحل التفاوض أن الحديث عن الأسد خط أحمر وخارج النقاش. وبالتالي النتيجة في هذا الأمر؛ العودة إلى المربع الأول.

وقد علمت «البيان»، من مصادر موثوقة في المعارضة أن روسيا ليست متمسكة بالأسد بقدر ما هي متمسكة ببقاء الدولة السورية ومؤسسات الجيش والأمن. وهذا ما أكده زوار موسكو من المعارضة.

ويرى المعارض السوري د.كمال اللبواني أن جنيف4 يأتي ضمن مسار طويل لكسب الوقت وتخفيض سقف المعارضة بانتظار تحقيق النصر العسكري لصالح النظام، لافتاً إلى أن ما يجري مسلسل تنازلات والنتيجة معروفة.

ورأى أن المشكلة مع النظام ليست سياسية بل جنائية، تتعلق بجرائم حرب، مشيراً إلى أن العالم يتفرج على الشعب السوري بينما هو يسقط ويتّجه للتعامل مع النظام وعقد تسوية مع إيران، والخاسر الأكبر هو الشعب، لأن العالم لن يقبل التعامل مع المعارضة بشكلها الجاري عسكرياً وسياسياً.

علاقة أستانة بجنيف

بعد تشكيل الثلاثية (الروسية – التركية- الإيرانية)، كان التكتيك هو سياسة الخطوة خطوة، بمعنى تحقيق تقدم على الأرض لجهة وقف إطلاق النار، وبعدها يجري التوجه إلى الشق السياسي، لذلك كان الهدف من مشاورات أستانة1 وأستانة2، بناء هدنة صلبة يمكن الاستناد إلى نتائجها في جنيف4. وقد حرصت هذه الأطراف .

وكذلك المبعوث الأممي للأزمة ستيفان دي ميستورا على عدم التفكير بأن تكون أستانة مرجعية بل جنيف هو المرجعية السياسية للحل الشامل، لذلك فإن نجاح مشاورات جنيف4 مرتبط ارتباطاً وثيقاً بما يتمخض عنه مسار أستانة عموماً، حتى تجد المعارضة شرعية بذهابها إلى جنيف4، وتبذل روسيا في هذا الأمر جهوداً حثيثة لتثبيت وقف إطلاق النار.

وقال رئيس أركان الجيش الحر العميد أحمد بري لـ«البيان»، إن مشاورات أستانة تبيّن مصداقية روسيا في إجبار النظام السوري على الحل، لافتاً إلى أن مسار جنيف سياسي يتعلق بقرارات الأمم المتحدة، على عكس أستانة المختص فقط بتثبيت وقف إطلاق النار.

نقطة ضعف المعارضة

وعلى الرغم من أن الهيئة العليا للمفاوضات، أعلنت تشكيل وفدها، إلا أن ثمة ثغرات في هذا الوفد، ففي الوقت الذي أكدت روسيا ودي ميستورا على ضرورة تمثيل الوفد لكل المنصات السياسية المعارضة، إلا أن هناك أصواتاً مازالت ترفض شكل الوفد المتمخض عن الهيئة العليا، خصوصاً منصتي القاهرة وموسكو، اللتين أكدتا أنهما لم يتم التشاور معهما بخصوص تمثيلهما في الوفد.

وبالتالي فالمشكلة الأكبر في المعارضة هي تمثيل كل التيارات السياسية، الأمر الذي طالما استغله النظام بالقول إنه «لا يوجد معارضة تمثل الجميع، لذا فهناك معارضات وليست معارضة موحدة.

وعلق سيدا على هذه الناحية بالقول: الوفد الذي تم اختياره من قبل الهيئة العليا للمفاوضات مقبول إلى حد ما. كان بالإمكان تحسين مستواه بصورة أفضل من جهة اختيار التقنيين المهنيين في ميدان المفاوضات، ولكن حسابات الكتل كانت وراء التشكيلة الحالية المقبولة.

عوامل النجاح

تدفع الدول الإقليمية والأمم المتحدة، للتخلص من صداع الأزمة السورية ووقف الاقتتال والانتقال إلى مرحلة سياسية، رغم صعوبة المسألة وتشابكاتها الداخلية والإقليمية، إلا أن استمرار هذه الأزمة سيكون باهظ الثمن على كل الأطراف المعنية بالأزمة. ومع ذلك ثمة عوامل إذا توفرت يمكن من خلالها إنهاء الكابوس السوري.

وأوضح عبدالباسط سيدا لـ«البيان» أن من أهم عوامل نجاح جنيف4، هو التوافق الأميركي - الروسي وبالتفاهم مع الدول الإقليمية الفاعلة حول الانتقال السياسي في سوريا من دون نظام بشار الأسد، مع الحرص في الوقت ذاته على طمأنة كل السوريين عبر دستور يحترم الحقوق والخصوصيات الجمعية والفردية والمناطقية.

أما المعارض سمير نشار، فقال في تصريح لـ«البيان»، إن فرص نجاح جنيف4 تكاد تكون معدومة وإذا تحقّق بعض التقدم فسيكون أشبه بالمعجزة.

لأن هناك محاولة روسية تعتمد على أمرين، الأول هو التحول بالموقف التركي وحجم تأثيرها على الفصائل المشاركة بجنيف، العامل الثاني، يعتمد على موازين القوى الجديد الذي نشأ بعد نهاية معركة حلب، من أجل حصر أهداف المؤتمر في تحقيق ما ورد بالقرار الدولي رقم 2254 الذي ينص على تشكيل، حكم تمثيلي ذي صدقية غير طائفي يشمل الجميع، وهذه الصيغة سيحاول الروس البناء عليها لتشكيل حكومة وحدة وطنية أو ما شابه، بعيداً عن الانتقال السياسي الذي يتطلب إنشاء هيئة حاكمة انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة مناصفة بين النظام والمعارضة.

واختتم نشار تصريحه لـ«البيان» بالقول إن «الساحة السورية ربما تشهد تطورات ميدانية تغطي على مؤتمر جنيف والمقدمة جاءت من درعا والتي يمكن أن تتطور إلى مناطق أخرى ولم يعد مستبعداً إيجاد جسم عسكري جديد مناهض للحل السياسي قوامه هيئة تحرير الشام وأحرار الشام، وبعد انضمام آلاف المقاتلين اليهم تحت مسمى جديد، وبذلك الملف السوري يأخذ منحى جديداً من الصعب التكهن بمساره.

تحذير دي ميستورا

كان تحذير المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا من الجحيم الذي ينتظر سوريا في حال فشلت مشاورات جنيف4، بمثابة الضغط على الأطراف المتصارعة. ومع ذلك لا يبدو أن الأطراف مستعدة لتغيير موقفها أو على الأقل تقديم تنازلات متبادلة لإنهاء الأزمة. وقد علمت «البيان» من مصادر مطلعة أن تحذير دي ميستورا، يأتي على خلفية مغادرته منصبه في غضون ثلاثة أشهر.

فيما يسعى جاهدا المبعوث الأممي لأن يتوج بالمبعوث «الذهبي» الذي استطاع فك شيفرة الأزمة السورية ووقف الصراع.. إلا أن كل المؤشرات على ما يظهر تشير إلى الذهاب إلى جنيف5.. ليكون -في هذه الحالة- دي ميستورا المبعوث الثالث الذي تخرجه الأزمة السورية من ميدان الأمم المتحدة بعد أن أخرجت قبله الدبلوماسي المخضرم كوفي عنان وزميله الأخضر الإبراهيمي.

بصيص أمل

لا يمكن أن يستمر الجرح السوري إلى ما لانهاية دون حل أو بصيص أمل في نهاية النفق المظلم، كما أن الوضع العالمي الجديد أمنياً وسياسياً واقتصادياً، لم يعد يحتمل الاستمرار في هذا الصراع وهو يدفع ضريبة باهظة نتيجة التردد أو الصراع الدولي إن صح التعبير على المصالح الاستراتيجية في سوريا. لقد تغير العالم بشكل واضح بعد اندلاع الصراع في سوريا.

ومن هذه الرقعة خرج تنظيم داعش الإرهابي وجبهة النصرة وانتشرت ميليشيات حزب الله وإيران، وسقط مفهوم الدولة وحتى القانون الدولي. وانفلتت الحركات الراديكالية في المنطقة بسبب ضعف السيطرة الدولية على الصراعات في الشرق الأوسط، والتي كانت سوريا أبرز مثال على هذا.

الحق، أن المجتمع الدولي يتحمل جزءاً كبيراً مما يحدث في سوريا، نتيجة تضارب الأجندات الدولية وتنامي صراع النفوذ خصوصا بين روسيا والولايات المتحدة.

إلا أن هذا الصراع وجد تربة خصبة في الأزمة السورية التي خرجت من إطارها السوري كمعارضة ونظام. لكن في الوقت ذاته ثمة مسؤولية كبيرة على أطراف الصراع، التي حتى الآن بعد مرور ست سنوات على القتل والدمار، عجزت عن الحوار الوطني السوري. متحصنة بخطاب جامد لم يتغير رغم كل المتغيرات المحيطة.

تداخل

صحيح أن الأزمة السورية معقدة، بحيث تتداخل فيها الأجندات الإقليمية والدولية، إلا أن الاستسلام لهذا التعقيد أحد أكبر مسوغات استمرار الأزمة.

وصحيح أن كل الأطراف باتت مرهونة بالقوى الداعمة سياسياً أو عسكرياً، إلا أنه في النهاية لن ينجز الحل إلا السوريين أنفسهم.

ومهما سيطرت قوات المعارضة أو النظام على الأرض، إلا أن النهاية لن تكون إلا عن طريق حوار يحمل تنازلات متبادلة، فلا خطاب رئيس الوفد السوري بشار الجعفري الإقصائي مناسباً لحل مثل هذه الأزمة، ولا سقف المعارضة المرتفع بضرورة رحيل الأسد قبل بدء المرحلة الانتقالية مقبولا دولياً. وعلى الطرفين أن يدركا أن العالم لن يبقى مشغولا بهذه الأزمة إلا في حدود مصالحه.

مراجعة

وقد كان تصريح المبعوث الأميركي للتحالف الدولي في سوريا والعراق بريت ماكغورك واضحاً في قمة الأمن في ميونخ، حيث رد ماكغورك على سؤال المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا الذي تساءل، أين أميركا من الأزمة السورية. فرد ماكغورك قائلا: إن واشنطن ستكون أكثر أنانية في التعامل مع قضايا المنطقة، وهي بصدد مراجعة عملية لسياستها.

 

Email