ليبيا بين وقائع مؤلمة ومستقبل مجهول

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتأرجح الليبيون في بداية العام الجديد، ومع اقتراب الذكرى السادسة لاندلاع الانتفاضة المسلحة ضد نظام العقيد معمر القذافي في 17 فبراير 2011، بين اليأس والأمل، وبين الوقائع المؤلمة والوعود الحالمة، وهم يواجهون شتاءً بارداً انعدمت فيه الخدمات من غاز وكهرباء بشكل غير مسبوق، وأفلست المصارف.

وانهارت العملة المحلية، مقابل ارتفاع في مستوى الصراعات المسلحة وفي نسبة الجريمة، وخاصة جرائم الخطف والنهب والقتل والاغتصاب التي اعترف بها نائب موسى الكوني رئيس المجلس الرئاسي، وقال إنها من دوافع استقالته من منصبه، ومغادرته قاعدة أبوستة البحرية، حيث مقر حكومة الوفاق إلى غير رجعة.

وبعد مرور عام من توقيع اتفاق الصخيرات في المغرب في 17 ديسمبر 2015، تجد الطبقة السياسية في ليبيا والمجتمع الدولي أمام خلاف قانوني بشأن استمرار الاتفاق السياسي حول الشرعية الليبية أو انتهائه.

فبعد عامين من الكر والفر، ومع نهاية 2016، يلوح في أفق ليبيا أزمة جديدة قد تعصف بجهود السلام وتعود بليبيا للمربع الأول، وذلك في ظل ظهور أزمة شرعية جديدة، ولكن هذه المرة ليست بين الأطراف المتنازعة السابقة على السلطة بل في الجسم الجديد، الذي أنشأ لحل تلك الأزمة القديمة، المتمثلة في تعدد الشرعيات في ليبيا.

تزامن ذلك، مع مواجهات في جنوب البلاد بين اللواء 12 التابع للجيش، والذي يقوده محمد بن نايل، وتدعمه قوات رديفة من أبناء قبائل فزان، والقوة الثالثة التابعة لمصراتة التي دعاها سكان الإقليم الجنوبي عبر بيانات ومظاهرات غاضبة إلى المغادرة فوراً، بينما أعلنت تشاد غلق حدودها مع ليبيا، وتحدثت تقارير أمنية عن استعداد عناصر تنظيم داعش الفارة من سرت وبنغازي ودرنة لتنفيذ عمليات إرهابية في محاولة لخلط الأوراق من جديد.

جماعات متشددة

ولا تنكر قوى الإسلام السياسي في طرابلس دعمها للجماعات المتشددة المناوئة للجيش مثل سرايا الدفاع عن بنغازي ومجلس شورى ثوار بنغازي ورديفه في درنة، بينما دخلت الميليشيات المسلحة في مصراتة المتأثرة بفتاوى مفتي الإخوان الصادق الغرياني في تحالف مع الجماعات المتطرفة سرعان ما انضم إليه وزير الدفاع في حكومة الوفاق مهدي البرغثي.

بهدف تحشيد المسلحين وتشكيل غرفة عمليات في منطقة الجفرة، استعداداً للهجوم على الهلال النفطي، ومنه على مواقع خاضعة لسيطرة القوات المسلحة في شرقي البلاد، وهو ما رد عليه سلاح الجوّ بقصف مقر تجمع لقيادات الميليشيات ما تسبب في إصابة رئيس المجلس العسكري لمدينة مصراتة إبراهيم بيت المال.

ضبابية

إلى ذلك، مثّلت عودة سيف الإسلام القذافي إلى المشهد السياسي عبر إعلانه أخيراً عن تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا، حدثاً مهماً، نظراً لاعتراف مختلف الأطراف المؤثرة بالداخل والخارج، بأن لا حل دون مصالحة، ولا مصالحة دون إشراك رموز النظام السابق وأنصاره في أي مشروع سياسي للخروج من النفق المظلم.

صراع على الثروة

في أوائل ديسمبر الماضي، تم الإعلان عن تحرير سرت من براثن تنظيم داعش الإرهابي، وقالت قيادات عسكرية من مصراتة، إن المدينة غير مستعدة لخوض أية حرب أخرى بعد ما تكبدته من خسائر في أرواح أبنائها، حيث وصل عدد القتلى من قوات «البنيان المرصوص» إلى 720 قتيلاً، إضافة إلى إصابات تعرض لها 3296 مسلحاً، بينهم 2664 جريحاً من مصراتة وحدها.

إلا أن هذا الموقف لم يصمد طويلاً بعد أن قامت ميليشيات ساهمت في تحرير سرت بالمشاركة في الهجوم على منطقة الهلال النفطي يوم 7 ديسمبر الماضي، والذي صدته قوات الجيش الوطني بدعم مباشر من سلاح الطيران.

وقد تبين بعد تلك المواجهة، وجود تحالف بين ميليشيات ذات نزعة دينية متشددة تنحدر من مدينة مصراتة، وما يسمى بسرايا الدفاع عن بنغازي التي يتزعمها مصطفى الشركسي المصراتي إضافة إلى فلول من ميليشيات إبراهيم الجضران آمر جهاز حرس المنشآت النفطية سابقاً ومسلحين مرتبطين بتنظيم القاعدة.

وأن كل هذا الطيف الواسع من الجماعات المسلحة اتخذ من منطقة الجفرة مكاناً للحشد والتوجيه ولتشكيل غرفة العمليات التي تقرر أن يتم من خلالها إدارة هجوم جديد على منطقة الهلال النفطي والمنشآت النفطية الخاضعة لسيطرة القوات المسلحة الليبية بعد تحريرها في 11 سبتمبر 2016، في إطار عملية «البرق الخاطف» التي أطاحت آنذاك بسلطة ميليشيات الجضران المدعوم من قبل المجلس الرئاسي وقوى الإسلام السياسي.

مخطط هجوم

ووفق مراقبين، فإن مخطط الهجوم على الحقول والمنشآت النفطية كان محل توافق بين قوى صناعة القرار في طرابلس ومصراتة وجهات خارجية، نظراً لما تمثله السيطرة على مصادر الطاقة من ورقة ضغط في أية مفاوضات قادمة بين الأطراف الفاعلة في الأزمة الليبية، وقد تأكد ذلك من خلال الاتهام الصريح الذي وجهته قيادة الجيش إلى وزير الدفاع المقترح في حكومة السراج، مهدي البرغثي، بالمشاركة في وضع خطة الهجوم.

وكرد مباشر، على الاستعدادات الدائرة في مدينة الجفرة، قام سلاح الجو الليبي يوم 3 يناير الجاري بقصف مطار المدينة، حيث كان يجتمع قادة الميليشيات، ليعلن بعد ذلك عن تعرض إبراهيم بيت المال رئيس المجلس العسكري لمدينة مصراتة لإصابات بليغة، ما دفع برئيس مجلس حكماء مصراتة إبراهيم بن غشير إلى التلويح بالانفصال عن المنطقة الشرقية.

سيطرة الجيش

في الأثناء، أكد القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر، أن قواته تسيطر على 80 بالمائة من التراب الليبي، وهو ما يعني أنّ المناطق التي لاتزال خاضعة لمنظومة فجر ليبيا السابقة هي المدن الساحلية الغربية مثل مصراتة وزليتن والخمس والزاوية والعاصمة طرابلس.

إضافة إلى ترهونة وسرت والجفرة، وبعض البؤر المحدودة في الجبل الغربي، ومدينة سبها في الجنوب، بينما تبسط القوات المسلحة الليبية نفوذها على عدد من المناطق المتاخمة لطرابلس وصولاً إلى الحدود المشتركة مع تونس.

ويرى الخبراء العسكريون أن الوضع القائم حالياً يبث الخوف في قادة تيار الإسلام السياسي المفتقد للسند الشعبي، والمعتمد إلى حد الآن على سلاح الميليشيات وقوة المال في فرض شروطه على أجندات الحوار والمفاوضات، كما يعرقل أي مخطط للتقسيم، إلا إذا اختاره إقليم برقة، أو دخلت ليبيا في حرب أهلية طاحنة ستتضرر منها بالأساس المنطقة الغربية نتيجة التناقضات السياسية والميدانية التي تعاني منها بعكس الوضع في شرق البلاد، والكثافة السكانية التي تمثل حوالي 70 بالمائة من سكان ليبيا.

من جهة أخرى، أكدت مصادر عسكرية ليبية أنّ أي مخطط جديد للهجوم على الحقول والمنشآت النفطية لن يحقق أهدافه، وهو ما يعني أن الجيش الليبي قطع الطريق أمام تقسيم البلاد بسيطرته على منابع الثروة في المنطقتين الوسطى والشرقية، وفي المنطقة الغربية، حيث توجد حقول النفط والغاز تحت سيطرة قوات تابعة وأخرى مساندة له.

أما في الجنوب، حيث المساحات الشاسعة والثروات الطائلة والكثافة السكانية المحدودة، فيتجه الوضع إلى الحسم خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة، في ظل إصرار أغلب القيادات الاجتماعية والقبلية المؤيدة للواء 12 مشاة بقيادة محمد بن نايل المقرحي على مغادرة القوة الثالثة التابعة لمصراتة لمناطقها، بعد أن حاولت السيطرة من جديد على قاعدة براك الشاطئ الجوية.

فقد دعا أعيان إقليم فزان، القوة الثالثة المكلفة بتأمين المنطقة الجنوبية منذ فبراير 2014، إلى ضرورة الخروج من منطقتهم، معلنين أنهم في حلٍ من كل الاتفاقات السابقة التي شرعنت وجود أي قوة من خارج المنطقة في الجنوب.

وقالوا في بيان أصدروه عقب اجتماعهم، في مدينة سبها، إن «ما يحدث هذه الأيام يستهدف أمن فزان ويزيد من المخاطر التي تهدد النسيج الاجتماعي»، مؤكدين أنهم تدارسوا «بكل شفافية كل ما يحصل في المنطقة وما قد تصل إليه الأمور».

Email