قطع طريق التمديد الرئاسي قبل مغادرة قصر المرادية

بوتفليقة يضع «حدوداً» لرؤساء الجزائر

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعدما زعزع أهم جهاز في الجزائر، وهو جهاز المخابرات، وأقال رئيسه محمد مدين المعروف بالجنرال توفيق، وأعاد هيكلة المؤسسة برمتها، ها هو الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة يطوي فتنة كانت ستهز مؤسسة الرئاسة من بعده، بإغلاقه للعُهد الرئاسية وتمديداتها الدستورية، عبر العودة إلى بند العُهدتين الرئاسيتين غير القابلتين للتجديد، بعدما فتح لنفسه سابقاً أبواب العُهَد الأربع بتعديله الدستور الذي كان يسميه دائماً «الدستور الناقص».

بمجرد إعادة انتخابه لعُهدة رئاسية رابعة، في مايو 2014، قرر بوتفليقة (الرئيس الثامن للجزائر منذ الاستقلال) استئناف مسار التعديل بإطلاق جولة جديدة من المشاورات محورها مسوّدة لمشروع التعديل.

وأعلن عن تكليف مدير ديوانه، أحمد أويحيى، بإدارة المشاورات مع القوى الحزبية والشخصيات الوطنية التي قاطعتها القوى الرئيسية الفاعلة. والواضح أن الرئيس لا يريد مغادرة مقر المرادية إلا وبصماته بادية على مستقبل من سيرث منصبه.

لكن ما يعاب عليه أنه لجأ إلى غرفتي البرلمان لتمرير المشروع من دون اللجوء إلى استفتاء الشعب، على اعتبار أن الدستور الجديد به مادة ترسّم الأمازيغية التي أثارت جدلاً قوياً في أوساط المعارضة التي اعتبرته تنازلاً من قبل الرئيس قبل وداعه قصر المرادية، لكن البعض يرى أن بوتفليقة أصاب في التعديل الجديد بما يحفظ الوحدة الوطنية ويبعد البلاد عن شبح الفتنة.

استبعاد الاستفتاء

ويبدو أن الرئيس استبعد الاستفتاء بسبب احتمال العزوف الشعبي، الوارد جداً في مثل هذه الظروف المحتقنة داخلياً التي تمر بها الجزائر، وفي ظل الاتجاه التنازلي لنسب المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، ما قد يفقده مصداقيته.

كما أنه في تعديل 2008 الذي مهّد لبوتفليقة طريق الاستمرار في الحكم لعهدات متتالية، لم يغامر أهل الحكم بالذهاب إلى استفتاء شعبي.. وكانت الحجة السياسية والدستورية أن البرلمان، بما أنه منتخب ويمثل الشعب، يستطيع أداء المهمة.

خلاف

قد يثور الخلاف حول مضمون الدستور بصيغته المعدلة، وقد يطول الجدل حول أهمية بعض المواد التي تمت إضافتها، أهمها مسألة دسترة الأمازيغية، أو«تمازيغت» كما وردت في النص الدستوري. والحال أن مسار الدسترة بدأ بالتعديلات المضافة عام 2002 مروراً بدستور 2008، حيث أقرت الوثيقة الصادرة بكون اللغة الأمازيغية لغة وطنية أيضاً.

في حين أن تعديلات 2016 ارتقت بها إلى لغة وطنية ورسمية، كل هذا يعتبر هامشياً مقارنة بالمسألة الأساسية المتعلقة بالإصلاح السياسي الحقيقي الذي يحتاج إليه النظام السياسي الجزائري استبعد التعديل منح مزيد من الحريات للمجتمع بحجة الأمن القومي ومواجهة الخطر الخارجي، فهو لم يفعلها في 2008 عندما كانت الأوضاع داخل البلاد ومن حولها أقل اضطراباً سياسياً وأمنياً.

ويمكن لأي دستور أن يكون محصناً من الخرق، والتجاوز إلا بطريقة واحدة، وهي أن يكون المجتمع هو الذي شارك في صياغته، وهو ما انتبه إليه الرئيس جيداً، حيث أشرك كل التيارات السياسية في صياغته بعد مشاورات ماراثونية في قصر المرادية لتفادي أي انتقادات في المستقبل والرد على المعارضة بأن لدى الذين أشرفوا على صياغة التعديلات ما يكفي من المعلومات والخبرة لجعلهم في موقع القادر على تقديم أفضل البدائل التي تحفظ الاستقرار على المدى البعيد، وتحمي الوطن من مخاطر التفكك.

لكن بقيت المسألة الأساسية التي طرحت على الساحة السياسية في الجزائر منذ الاستقلال، وهي مسألة احترام الدستور وسائر القوانين، وهناك إجماع لم يتزعزع، على أن المشكلة لم تكن أبداً في النصوص بل في عدم تطبيقها.

دستور كل رئيس

المتصفح لتاريخ دساتير الجزائر، يقف على حقيقة مفادها أن كل رئيس جزائري له دستوره الخاص به. فهناك دستور أحمد بن بلة سنة 1963. ودستور هواري بومدين 1976.. ودستور الشاذلي بن جديد المعدل سنة 1988. ودستور الأمين زروال سنة 1996. ثم دستور عبدالعزيز بوتفليقة سنة 2008، تبعه الدستور الحالي 2016.

وبهذا تغير الدستور الجزائري خلال 50 سنة، ست مرات.

Email