إدارة الاختلاف.. تنازلات قليلة تصنع المعجزات

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاختلاف والخلاف.. مفردتان مترادفتان بحسب معاجم اللغة القديمة، غير أن تباينا اصطلاحيا غير منظور لدى الكثيرين طرأ على الأولى، عدد من الزملاء الذين استطلعتهم «اختلفوا» في تفسير أيهما أشد الاختلاف أم الخلاف، فمنهم من يرى أن الاختلاف أشد قسوة من الخلاف، وآخرون يرون عكس ذلك.

وبعيدا عن المماحكات الفلسفية واللغوية نجد أن الاختلاف اصطلاحا يعني المغايرة وفي أحيان يعني التنوع وتنحو جميع الاستخدامات الاصطلاحية للمفردة باتجاه أنه مصدر قوة للمجتمعات، غير ان الواقع في عالمنا المعاصر يشي بغير ذلك، إذ إن مجمل الصراعات الكارثية التي نشهدها اليوم في نهايات أسبابها تعود لهذه المفردة والفشل في تعزيز ثقافة إدارتها لتكون مصدر قوة أكثر من ضعف، ويجمع الخبراء على أن قليلاً من التنازلات يصنع المعجزات للمجتمعات.

أزمات ونكبات

مئات آلاف المهاجرين الذين يركبون عباب البحر منهم من يستقر في جوفه، ومنهم من يعبر للضفة الأخرى عشرات آلاف القتلى في النزاعات المسلحة ومثلهم أو ضعفهم خلال السنوات الأخيرة تجد ان مولد معاناتهم ينبت على تربة فشل بلدانهم في إدارة الاختلاف بين مكوناتها وتحوله من مجرد اختلاف إلى خلاف ومن ثم إلى نزاع فضغائن ففتنة لا تبقي ولا تذر، ويقول عدد من علماء الاجتماع ان الفشل في إدارة الاختلاف هو منبع أزمات العالم وبئره السوداء التي لا تنضب.

والبائن ان المنطقة تحتاج إلى تعزيز وتعميق مفهوم ثقافة الاختلاف حتى تقضي على جميع بؤر التوتر الماثلة فيها، وتطفئ لهيب النزعات الملتهبة.

المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو» عبد العزيز بن عثمان التويجري يرى أن تعزيز التنوع الثقافي يوفر الأسباب لتقوية وشائج التعاون الدولي، من خلال الحوار والتقارب بين الثقافات الذي ينتهي إلى التحالف بين الحضارات من أجل بناء مستقبل آمن ومزدهر للإنسانية التي تتخبّط اليوم في متاهات عالم غير آمن وغير عادل.

ويقول التويجري الحوار هو مدخل إلى التقارب والتفاهم والاحترام المتبادل، كما أن التحالف بين الحضارات، يتأسَّس على الحوار بين الثقافات وتقاربها ، ويشدد على ان الاختلاف هو مصدر قوة اذا احسنت ادارته وشر مستطير اذ تم النعامل معه بجهل

ويقول وزير التنمية السياسية في المملكة الأردنية الهاشمية د.نوفان العجارمة، إننا بحاجة الى تعزيز وتعميق ثقافة الاختلاف في الرأي بانتظام الاختلاف في الموقف السياسي وفي الرؤية السياسية وفق قواعد وأطر واضحة.

وفي ذات المنحى، يذهب الوزير السابق في ذات البلد مازن الساكت إلى ضرورة السعي لإصلاح المفاهيم حول مسألة الاختلاف في معناها العريض ابتداء من اختلاف النوع بين ذكر وأنثى إلى حدود اختلاف اللون والطائفة، ولا تنتهي باختلاف الدين، ويمضي قائلاً نحن نحتاج كمجتمعات عربية إلى أن نعمق هذا الفهم بأن الآخر من حيث هو ليس شيطانا وإنما إنسان لا يعني لا يضعه اختلافه عني في شيء في مرحلة العداء، وإنما اختلافه يجعله مرآة لي أرى فيها أخطائي وأبصر من خلالها إلى أشيائي.

العولمة تحدّ

ويلفت الكاتب والروائي السوداني مأمون التلب في أطروحة قدمها عن الإعلام في تعزيز ثقافة الاختلاف، إلى أن هويتنا وطرائق رؤيتنا للواقع مشروطة بمرجعياتنا الثقافية التي تؤثر على نظرتنا لأنفسنا، وكيفية تعاطينا مع الآخرين وتفاعلنا مع العالم. وعلى ذلك، تؤثر علينا وسائل الإعلام تأثيراً كبيراً يشمل ليس فقط تفكيرنا وإنما يمتد كذلك إلى تصرفاتنا.

ويمضي الشاعر ليقول إن العولمة ليست مجرد عملية اقتصادية وتكنولوجية. فالعالم المعولم يعني كذلك زيادة التفاعل بين الشعوب وحرية تداول المعلومات والترابط بين الثقافات.

ويقول مأمون في أطروحته ان العالم يتجه بقوة إلى وضع إطار فكري وأخلاقي جديد في العلاقات الدولية من خلال استهلال الحوار بين الحضارات وبلورة برنامج عمل يحول مفهوم الحوار إلى مبدأ ذي الأولوية في العلاقات بين الحضارات والثقافات والشعوب، لمواجهة التهديدات التي يتعرض لها السلام والأمن.

توتر ونقاش

فيما يقول الكاتب والصحافي الجزائري خالد سي محند في مقالة نشرها بصحيفة «لي مومند الفرنسية» إن احترام الخصوصيات الثقافية والمحافظة في ذات الوقت على حرية التعبير، أمر سيبدو على الدوام بمظهر توتر يتعين مناقشته والتداول بشأنه في أي مجتمع ديمقراطي.

فالكلام بصراحة، بل وبشدة أحيانا حق لنا، إلا إذا كان الغرض منه التحريض على التمييز أو العداوة أو العنف. ولذلك فإن أي محاولة للحد من حرية التعبير ينبغي أن تقاس وفق هذا المعيار. ويجب مع ذلك احترام حقوقنا المتعلقة بالديانة والثقافة. فلا يوجد أي نظام تراتبي أو هرمي فيما يتعلق بحقوق الإنسان. فحقوق الإنسان سلسلة مترابطة، واحترامها جميعا هو بالتحديد ما يضمن للفرد كرامته.

وهناك أمر آخر بالغ الأهمية هو الاعتراف بأن التنوع الثقافي يستمد معينه من تجارب وإسهامات جميع البلدان والثقافات والشعوب. والتنوع الثقافي يعزز القيم الإنسانية ويقيم أرضية مشتركة، حيث لا يمكن لأي ثقافة أن تدعي الفضل على سائر الثقافات.

ورغم أن التنوع بإمكانه إثارة الفرقة والتعصب بل والعنف كذلك، فإن وسائل الإعلام إن كانت حرة وتعددية ومهنية قادرة هي أيضاً على توفير منتدى للتفاوض السلمي بشأن هذه الاختلاف.

ديباجة

إعلان اليونسكو العالمي بشأن التنوع الثقافي الذي اعتُمد في عام 2001، يعرف التنوع الثقافي بأنه يمثل تراثاً مشتركاً للإنسانية، ويعترف كذلك بما للحوار بين الثقافات من إمكانيات.

وجاء في ديباجة الإعلان أن الثقافة ينبغي أن ينظر إليها بوصفها مجمل السمات المميزة، الروحية والمادية والفكرية والعاطفية، التي يتصف بها مجتمع أو مجموعة اجتماعية وعلى أنها تشمل، إلى جانب الفنون والآداب، طرائق الحياة، وأساليب العيش معاً، ونظم القيم، والتقاليد، والمعتقدات.

Email