الباحث الموريتاني البكاي ولد عبد المالك:

الدولة المعاصرة تعددية ثقافياً

ت + ت - الحجم الطبيعي

قال الدكتور البكاي ولد عبد المالك الباحث الأكاديمي والوزير السابق للتعليم العالي في ندوة «موريتانيا بين واقع التنوع الثقافي ومبدأ المواطنة» التي نظمها المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الإنسانية - مبدأ، ان الحديث في موضوع التعددية الثقافية ومسألة التعايش لا يزال يستثير الكثير من ردود الفعل لدى الباحثين وصناع القرار في أماكن كثيرة من المعمورة مع اشتداد المشاكلة الميتافيزيقية للكوكب في ظل العولمة الثقافية وما نجم عن ذلك من تفتيت لكيان الدولة الوطنية وتراجع لدور الثقافة الأصلية أو المهمنة وانتشار لما بات يعرف بالثقافات الفرعية وانحلال لعرى الجماعات وتفجر للدعاوى المطالبة بالانفصال.

وتساءل: كيف يمكننا في هذا الوضع الذي أصبح شيئاً فشيئاً يطبعه التناقض بين الوحدة والكثرة بين سلطة الدولة وطموح الجماعات للتعبير عن نفسها التوفيق بين المسعيين؟ كيف يمكننا الخروج من أسطورة العقل التماثلي ومنطق الهوية الصارم دون الوقوع في مزالق الاختلاف وشرذمة المجتمع وتجزئته إلى كيانات لا تقدر على الصمود في وجه تيار العولمة الجارف؟

بتعبير آخر إذا كانت الدولة واحدة من حيث طبيعتها ومنطقها والواقع المجتمعي متعددا بحكم أصوله ومصادره وبحكم ميول أفراده ونوازعهم فهل يتعين جعل هذا الواقع انعكاسا للتنوع الثقافي أم على العكس من ذلك يجب علينا أن نخضع التعددية الثقافيـة والعرقية للمجتمـع لمنطق أحاديـة الدولة؟ هــل يمكن الخروج من هذا المأزق بإعادة التفكير في مفهوم الهوية؟ ما الدور الذي يمكن للمواطنة أن تلعبه في وحدة المجتمع وتماسك الدولة؟

كيف يكون لدينا مواطنون مختلفون من حيث الأصول الثقافية والاجتماعية ولكنهم متساوون أمام القانون؟ إذن كيف تكون هناك مواطنة في ظل التعددية الثقافية؟ ما السبيل إلى تقنين التفاوت طالما أنه لا سبيل إلى القضاء عليه؟

مفهوم المواطنة

وبحسب ولد عبد المالك تتحدد الهوية في بعدها الوجودي التاريخي باعتبارها تجانساً وقدرة على البحث عن غد أفضل. وفي هذا البعد يتقهقر مفهوم الهوية باعتبارها ذاتية مطلقة، وتأخذ دلالة أنطولوجية أوسع بما أنها تستند إلى فكرة الأصل أو المنشأ، والتجانس، ووحدة أنماط العيش.

هذا البعد هو الذي تحدث عنه فلاسفة السياسة من خلال مفهومهم للجماعة السياسية الكبرى أو الدولة والتي لا تتميز عن الجماعات السياسية الأخرى من الناحية الكمية فقط بل أيضا من الناحية النوعية أي من حيث الهدف الذي تنشده والغاية التي تحققها لأعضائها: الخير المشترك وتحقيق السعادة.

مواطنون مختلفون

وعن المواطنة في الدولة الديمقراطية التعددية قال الأكاديمي الموريتاني البكاي ولد عبد المالك: «عندما ننظر إلى هذا التعريف ثم نعكسه على واقع الدولة المعاصرة التي هي بحكم طبيعتها دولة تعددية من الناحية الثقافية نجد أن مفهوم المواطنة مفهوم جامع يتجاوز كافة الأطر الضيقة اجتماعياً وسياسياً وثقافياً، وهذا يعني أن هذا المفهوم يتأسس على المساواة المطلقة أمام القانون بغض النظر عن العرق واللون والأصل الاجتماعي.

فالمواطنة بالنسبة لشخص معين أو جماعة معينة تتمثل في الاعتراف به رسميا بصفته مواطنا وعضوا في المجتمع السياسي الذي تمثله الدولة، وهي كذلك رباط اجتماعي إذ أن العيش المشترك لا يعني مجرد الاشتراك في المعتقد أو التواجد معا بمجرد الانتماء إلى كيان واحد أو الخضوع لسلطة واحدة بل يعني الانتماء المشترك إلى نفس التنظيم السياسي والعقد الاجتماعي الذي هو في الواقع عبارة عن مجتمع سياسي بأتم معنى الكلمة».

ويطرح الباحث الإشكال الذي سبق أن طرحه جون رولز الفيلسوف السياسي الأميركي الشهير في كتابه المعروف «نظرية العدالة»: كيف يكون لدينا مواطنون مختلفون من حيث الأصل الاجتماعي والثقافي ومن حيث الكفاءات والاستعدادات الطبيعية ولكنهم متساوون أمام القانون؟

كيف تكون هناك مواطنة في ظل التعددية الثقافية؟ والذي يجيب عنه رولز بالقول: أنا قمت بتحرير هذا الكتاب لحل الإشكالية المتعلقة بالمواطنة في الدولة المعاصرة ذات التعددية الثقافية لذلك تطرح قضية المواطنة بشكل أكثر حدة في الدولة ذات التعددية الثقافية والعرقية، مؤكدا أن المواطنة تقوم على مبدئين: هما الحرية والفرق.

حرية متساوية

وعن مبدأ الحرية يقول: يجب أن يكون لكل مواطن حرية متساوية ومتوافقة مع حرية المواطنين الآخرين.

وهذا يعني أنه لا يكفي فقط أن تكون لديك الحرية بل يجب أن تكون متوافقة مع حرية المواطنين الآخرين إذن مبدأ الحرية يؤسس للاعتراف المتبادل وللتواجد المدني السلمي غير القائم على العنف، أما مبدأ الفرق فيقول: يجب أن يكون الاختلاف في مصلحة الجميع وخاصة الأقل حظا في المجتمع، لهذا فإن مبدأ الفرق يؤسس للعدالة التوزيعية وخاصة لمبدأ التمييز الإيجابي.

فإذا كان المبدأ الأول مبدأ الحرية يتعلق بالجانب النظري للحرية بالحريات الأساسية والمدنية فإن المبدأ الثاني يرتبط بالجانب العملي بالتوزيع العادل للثروة وهي إشكالية مطروحة للدولة المعاصرة التي تطبعها النزعة الفردية المطلقة واللبرالية المتوحشة.

Email