التفوا بجميع أطيافهم حول أسرة الصباح.. والعراق لم يجن منه إلاّ شوكاً وُزّع على العرب

«الغزو الأسود» وحّد الكويتيين وفرّق الأمة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

مشاهدة الجرافيك بالحجم الطبيعي اضغط هنا

في فجر يوم الثاني من أغسطس 1990 استيقظ الكويتيون على صوت رصاصات جيش جار كانوا يظنونه سنداً وظهيراً.

إنه الخميس الأسود. اليوم الذي توحد فيه الكويتيون ووقفوا خلف قيادتهم السياسية ممثلة في أسرة آل الصباح وطووا خلافاتهم السياسية وتناسوها ليقدموا درساً في الوطنية سيظل حاضراً في ذاكرة التاريخ. أما العراق فلم يجن من هذا الغزو الأسود، الذي احتلت خلاله الكويت سبعة شهور إلاّ شوكاً تسبب في أذى الأمة العربية بشكل عام، وتصدّع النظام العربي، والذي استمرت فصول ارتداداته حتى يومنا.. فالكثير من المراقبين يرون أنّ الكابوس الذي تعيشه الأمة العربية حالياً ليس إلا فصلاً من فصول 2 أغسطس 1990.

نظام صدام حسين لم يلتفت إلى التحذيرات والنصائح التي جاءت له من الدول العربية، وأصرّ على غزو الكويت مستبيحاً أرضها وثروتها لأسباب واهية، فتسبب في انتقال الأوضاع في العراق من سيئ إلى أسوأ، وتسبب بأفعاله في ضرر الدول العربية وسمح بتسلّل النفوذ الأجنبي إلى المنطقة.

نجحت الكويت في توحيد صفوفها الشعبية، ووقف الكويتيون سنة وشيعة بدواً وحضراً في صف واحد أمام القوات العراقية الغازية، ورغم أن عدد القوات العراقية كانت تفوق عدد أفراد القوات الكويتية إلا أن مقاومة أفراد القوات الكويتية منذ الغزو وحتى التحرير لم تتوقف. ولا يزال درس الغزو ووقوف الكويتيين صفاً واحداً في مواجهته يستلهم منه السياسيون التأكيد على ضرورة تمسك الشعب بوحدته الوطنية.

مواقف عربية

الفضل بعد الله سبحانه في تحرير الكويت يعود إلى عوامل عدة فبجانب المقاومة الشعبية لن ينس الكويتيون الموقف المشرف لدول عربية من ضمنها السعودية والإمارات ومصر، إضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية. فقد نشطت المملكة العربية السعودية إلى زيادة التعاون العسكري والتنسيق، مع كلٍّ من مصر وسوريا، لكونهما الدولتَين العربيتَين، اللتَين وقفتا بقوة ضد الغزو العراقي. بينما أظهرت المملكة سياسة حازمة، تجاه العراق والدول التي رأت أن جوهر مواقفها ينمّ عن مساندة الموقف العراقي، والترويج له.

دور إماراتي مشرّف

أما موقف دولة الإمارات فسيظل خالداً في ذاكرة الكويتيين، فمنذ وطئت أقدام الجنود العراقيين رمال أرض الكويت، ساد أبناء الإمارات، قيادة وشعباً، شعور بألم طعنة الغدر التي أقدم عليها صدام حسين. وأعلن الشعب الإماراتي التعبئة العامة وأَقبَل على التطوع والتدرب.

وقد لخص الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، في أحاديثه العديدة الموقف الحازم من الغزو العراقي، إذ قال: «الكويت دولة مسالمة، طوال تاريخها، ولم ترتكب أي عبث ضد الآخرين، أو تتدخل في شؤون أي دولة، سواء كانت عربية أو غير عربية». وشاركت دولة الإمارات في جميع الاجتماعات، على المستوى العربي، وكذلك جميع اجتماعات دول مجلس التعاون الخليجي.

واشترك الشيخ زايد في مؤتمر القمة غير العادية، في القاهرة، في 10 أغسطس 1990، وفي إطار التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي، أكد الشيخ زايد أن «كل دول مجلس التعاون، هبت في وجه المعتدي».

ويشعر السواد الأعظم من الشعب الكويتي أنهم مدينون إلى الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، نظراً لدوره الجوهري في تحرير الكويت ومشاركة بلاده في حرب التحرير.

53 قراراً

وأصدر مجلس الأمن خلال الأعوام من 1990 - 2000 ثلاثة وخمسين قراراً خاصاً بحالة العراق، أهمها قرار فرض الحصار على العراق، وقرار إخراج العراق من الكويت ولو باستخدام القوة، وقرار النفط مقابل الغذاء. وكان أول هذه القرارات هو القرار رقم 660 الذي صدر في 2/8/1990 نفس اليوم الذي دخلت فيه القوات العراقية الأراضي الكويتية، دعا فيه العراق الخروج من الكويت مباشرة ومن دون شروط، ثم اتخذ قرارات عدة تفرض عقوبات اقتصادية، وتدمير أسلحة العراق، كما طلب من الطرفين البدء بحوار مباشر لحل الاختلافات بينهما، بدعم من جامعة الدول العربية. ثم كان قرار النفط مقابل الغذاء لتخفيف آثار الحصار على الشعب العراقي، إذ اتخذ مجلس الأمن 17 قراراً متعلقاً ببرنامج النفط مقابل الغذاء، بدأ أولها في 14 أبريل 1995 وهو القرار رقم 986، وتلا ذلك قرارات عدة تتابع تطبيق هذا القرار وتمدد فترته كل ستة شهور.

وجاء القرار رقم 661 والذي صدر في 6 أغسطس 1990، الذي فرض بموجبه حظر اقتصادي على العراق، وطالب فيه مجلس الأمن جميع الدول بالامتناع عن أيه تبادلات تجارية مع العراق باستثناء الإمدادات الطبية والغذائية.

وصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 687 الذي صدر في 3 أبريل 1991، وطالب بترسيم الحدود بين العراق والكويت من خلال لجنة خاصة بذلك، كما طالب القرار العراق بالكشف عن كل أسلحة الدمار الشامل التي يملكها وقبول تدميرها، وحظر توريد أية أسلحة أو مواد لها صفة عسكرية للعراق. وشكلت لجنة تفتيش خاصة بأسلحة العراق. وعينت وحدة لمراقبة الموقف بين البلدين.

أما قرار مجلس الأمن الدولي رقم 887 فصدر في 2 أكتوبر 1992، وأدان فيه مجلس الأمن عدم التزام العراق بالقرارات الصادرة عن مجلس الأمن، ويؤكد قلقه من تدهور الحالة الصحية والغذائية للسكان المدنيين العراقيين. كما يطلب مجلس الأمن من العراق أن يعيد جميع الممتلكات الكويتية التي استولى عليها.

تطمين عراقي.. ولكن

على صعيد الموقف العراقي، فإن تصريحات المسؤولين العراقيين بعد زوال نظام صدام حسين صبّت في اتجاه تهدئة الأجواء والتبرؤ من هذا الغزو، الذي أكدوا أنه غزو صدامي وليس غزواً عراقياً، فيما تتباين الآراء بين السياسيين في الكويت بشأن هذا الأمر، لكن في المقابل تشهد العلاقات الكويتية العراقية أفضل مراحلها الآن.

سفير العراق لدى الكويت محمد حسين بحر العلوم حرص في ذكرى الغزو للعام الماضي على الإشادة بالتطور «المميز والإيجابي» للعلاقات الكويتية العراقية، وتعاون البلدين لطي صفحة الماضي بهدف الوصول إلى الاستقرار المنشود، مؤكداً أن ما شهدته العلاقات خاصة خلال الثلاث سنوات الماضية «كان طفرة مميزة وقفزة نوعية».

وعن أبرز القضايا التي احتاجت للحل بعد الغزو، أوضح بحر العلوم أن العراق هو الدولة الوحيدة التي تميزت بـ70 قراراً دولياً ومن ضمنها قسم كبير تحت أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، منها ثلاثة قرارات خاصة بالحالة الكويتية العراقية، وهي قرارات الحدود والتعويضات والثالث خاص بالأسرى والمفقودين والممتلكات الكويتية.

وبين أن أهم هذه القرارات هو قرار الحدود لاسيما الفقرة المتعلقة باستكمال صيانة العلامات الحدودية، وهي المرحلة الثالثة من مراحل ترسيم الحدود بين البلدين، مؤكداً أنّ العراق أثبت النوايا الإيجابية تجاه الجار الكويت والمجتمع الدولي وعزمه وتصميمه على احترام جيرانه من خلال احترامه وتطبيقه الكامل لهذه القرارات.

وعن القرار الدولي الخاص بالتعويضات، ذكر الدبلوماسي العراقي أنّ مجلس الأمن الدولي أقر تعويض الكويت عن جراء الخسائر التي منيت بها وتعويض المتضررين من مواطنين ومقيمين خلال فترة الغزو، مضيفاً أنه تم تشكيل لجنة الأمم المتحدة للتعويضات في العام 1994 وفي ضوئها «فرض على العراق تسديد مبلغ 52 مليار دولار». وقال إن المبلغ المتبقي على العراق اليوم هو حوالي تسعة مليارات دولار، لافتاً إلى أنّ العراق يدفع حالياً حوالي مليار وربع المليار كل ثلاثة شهور لدولة الكويت وعلى هذا المنوال سيسدد العراق مع نهاية العام 2015 المبلغ كاملاً وهو ما يعني خروج العراق مما يفرضه عليه هذا القرار من أحكام الفصل السابع.

وفي ما يتعلق بموضوع الأسرى والمفقودين الكويتيين والممتلكات الكويتية، أوضح أن القرار الدولي بهذا الشأن ينص على أن على العراق العمل الجاد لإرجاع المفقودين والأسرى الذين فقد أثرهم وعددهم حوالي 605 من كويتيين وغير كويتيين، وهو الأمر الذي حتم على العراق البحث عنهم وتسليم رفاتهم إلى دولة الكويت.

قضايا عالقة

ورغم مرور ربع قرن على ذلك الزلزال في المنطقة وفي النظام العربي، لا تزال هناك مجموعة من القضايا التي لا تزال خاضعة لهذا الفصل.. وعلى رأسها بقية تعويضات الكويت وحظر السلاح، وأيضاً استعادة أصول ترجع إلى فترة حكم صدام وحظر تجاري على ممتلكات عراقية ثقافية مسروقة. كما أن الكويت لا تزال إلى الآن متضررة من مخلفات الحرب والأسلحة العراقية المدفونة في بعض المواقع الكويتية، فضلاً عن الألغام.

صحيح التزم العراق بتنفيذ أغلب القرارات ودخلت في مرحلة إيجابية جيدة من العلاقات مع الكويت، لكن هذه العلاقات لن تكون إيجابية 100 في المئة كحال علاقة الكويت بدول الخليج الأخرى، إذ سيظل يوم 2 أغسطس من كل عام يوماً أسود في ذاكرة الكويتيين، فلا تزال قضية الأسرى والمفقودين الكويتيين تؤلم العائلات الكويتية المعنية.

مشاركة أميرية

في تطور مهم في طريق طي صفحة الغزو أكد أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح على حق العراق في استضافة القمة العربية العام 2012 والتي أصر على الحضور والمشاركة فيها.

شهادة

روى شهود عيان من قلب الحدث ما جرى أيام الغزو الغاشم، ومن ضمنهم الفريق أحمد الرجيب والذي أسر في الرابع من أغسطس 1990 وتم إطلاق سراحه في 27 مارس 1991، حيث أكد أن رجال النظام العراقي كانوا ينقلونه والأسرى كل ثلاثة شهور من معتقل إلى آخر.

وتحدث الرجيب عن ظروف اعتقاله، فبيّن أنّه في أول ثلاثة أيام تم اعتقال أكثر من 600 عسكري كويتي ونقلهم إلى أكثر من معتقل على متن الباصات أو القطارات، مضيفاً إن جنود النظام العراقي فرقوا ما بين الشرطة والعسكر والحرس الوطني ومن ثم عزلوا ما بين القوات البحرية والجوية والأرضية ومن ثم الرتب الصغيرة والكبيرة.

100.000

اختلفت التقارير في إحصاء الخسائر البشرية العسكرية العراقية. لكنها بالمتوسط اشتملت على ما بين 70000 إلى 100000 قتيل ونحو 30000 أسير، و لا توجد إحصائيات تحدد مدى حجم الخسائر في صفوف المدنيين.

 600

تم أسر أكثر من 600 كويتي وبعض الأشخاص من جنسيات أخرى أثناء الاحتلال العراقي ولا يزال معظمهم مفقودين، وتم فيما بعد إيجاد رفات حوالي 236 أسيراً منهم في مقابر جماعية.

Email