نواب منشغلون بفصل البذرة العشائرية.. ودماء تسيل في البرلمان

الحشد الشعبي يبتلع الجيش العراقي

الحشد الشعبي يسابق القوات النظامية لتحرير الرمادي | أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

شعر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بـ«الدهشة» حينما قال وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر إن الجيش العراقي لا يمتلك إرادة القتال ضد تنظيم داعش، وهو تصريح رغم أنه مفاجئ في توقيته وتأثيره، يكشف عما حرص الأميركيون على إخفائه: لا يستقيم وجود جيش قوي في ظل الطبقة السياسية الحالية في العراق، فلا بديل إذاً عن الحشد الشعبي، رغم السمعة السيئة للأخيرة في المناطق السنية، فضلاً عن عدم فاعليتها عسكرياً في المعارك الطويلة.

العتب الذي صدر عن العبادي تجاه كارتر وترجيحه أن هناك من أوصل معلومات خاطئة له، قابله في الجانب الآخر غضب القيادي في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني الذي اتهم الأميركيين بالتواطؤ لإسقاط الرمادي في أيدي داعش.

بعيداً عن السجّال حول مسؤولية سقوط الرمادي وتوسع داعش في أراض جديدة حتى مع فقدانه مناطق مهمة مثل تكريت، فإن التصريحات المتكررة حول عدم جدوى الأسلوب الحالي في قتال داعش يفتح الباب أمام سؤال آخر ربما يكون جذر المشكلة: هل يمكن بناء جيش قوي في دولة تسودها طبقة سياسية ضعيفة ومتنازعة؟.

بمراجعة الأحداث البارزة في الأسبوعين الأخيرين من هذا الشهر، ما الذي انشغلت به الطبقة السياسية البرلمانية في ظل صولات وجولات داعش في الرمادي، وتهديده بغداد مجدداً؟

في مداخلة تلفزيونية، رد الناطق باسم كتلة المواطن بليغ أبو كلل على اتهامات رئيسة كتلة إرادة النيابية، حنان الفتلاوي. كانت الفتلاوي اتهمت كتلاً سياسية ومن بينها كتلة المواطن التي يقودها عمار الحكيم بـ«الانبطاحية» في التعامل مع إقليم كردستان.

أبو كَلَل رد على الفتلاوي بطريقة اعتُبرت «مهينة»، وقام بتأويل كلمة الانبطاح وردها إلى النائبة الفتلاوي، والأخيرة يبدو أنها أحالت القضية لشيخ آل فتلة، عبد الواحد السكر، فاحتشد وجهاء العشيرة الأبرز في ثورة 1920 في مضافته بمنطقة المشخاب في النجف.

في البداية أُشيع أن «إمارة آل فتلة» أصدرت بياناً بهدر دم الناطق باسم كتلة المواطن وحذرت الحكومة من التدخل في هذه القضية، ثم نفت ذلك – أو تراجعت - بعد وصول وفود من عشيرة أبو كلل (اسم العشيرة أبوكلل) إلى مضافة المشخاب، حيث توصل الطرفان إلى تحمل آل أبو كلل فصل البذرة» وهو مصطلح عشائري يتم بموجبه دفع الديّة للطرف المتضرر، وبناء على فصل البذرة تقرر أن تدفع عشيرة أبوكلل 400 مليون دينار عراقي (نحو 300 ألف دولار) ديّة عن تأويل النائب بليغ أبوكلل كلمة «الانبطاح» ضد النائبة حنان الفتلاوي. ثم تكريماً لوفادة القادمين تم تخفيض مبلغ الديّة إلى 100 مليون، على ان تذهب لدعم الحشد الشعبي.

هذا الحدث الذي كان طرفاه نائبين في البرلمان أقلق شيعة العراق لأكثر من أسبوع انتهى بتذكر الفريقين أخيراً لعدو اسمه «داعش» الذي كان قد سيطر لتوه على الرمادي.

دماء في البرلمان

في الـ26 من الشهر الجاري، وتزامناً مع إعلان القوات العراقية معركة تحرير الرمادي، خطف البرلمان الأضواء مجدداً، وهذه المرة مشاجرة دامية نقل على إثرها النائب المستقل والمتعاطف مع ائتلاف دولة القانون، كاظم الصيادي، إلى المستشفى بعد أن اجتمع على ضربه عدة نواب من التيار الصدري.

السبب أن الصيادي اعترض على آلية التصويت على محمد الدراجي وزيراً للصناعة، حيث طلب النائب المدمّى باعتماد آلية التصويت الإلكتروني وليس اليدوي، لأن نواب دولة القانون التابعين لنوري المالكي يريدون إسقاط الدراجي، ولكي يتم ذلك يجب ان يكون التصويت إلكترونيا لتفادي الحرج. بعد نقل الصيادي إلى المستشفى، قررت رئاسة البرلمان حرمان النائب عن التيار الصدري غزوان الكرعاوي من حضور الجلسات.

الإحساس بالخطر

رغم أن أطراف الحدثين السابقين من الكتل الشيعية، فإن «داعش» على ما يبدو ليست كافية لدفع الطبقة النيابية إلى الإحساس بالخطر.

هنا وفادة عشائرية وحديث عن هدر دم وفصل عشائري وتحذير للحكومة من التدخل، وهناك نائب مضرج بدمائه تحت قبة البرلمان، إضافة إلى تفرغ نواب لإثبات أن الشهادة الإعدادية للنائب مشعان الجبوري مزوّرة، وبناء عليه تم إلغاء عضويته في البرلمان.

ربما هذا ما يدفع البعض إلى القول إنه من غير المناسب للعراق أن يكون ذو جيش مركزي قوي، بل إن “الحشد الشعبي”، بتحركه المرتجل في ميدان المعركة، هو الشكل العسكري الأنسب في ظل هذه الطبقة السياسية سواء على صعيد النواب أو أعضاء الحكومة.

و”الحشد الشعبي” الذي يبدو أنه ظاهرة تتكاثر في الشرق الأوسط، يبتلع الجيش العراقي بوتيرة متسارعة، وبات الحديث عن تزويد إيران لهذا التشكيل العسكري من المتطوعين بـ100 صاروخ سكود يحتاج إلى نفي من العبادي نفسه من دون ان يزيل الشكوك.

الحشد الشعبي بهذا المعنى، هو التعبير العملي عن انفصال الطبقة السياسية العراقية عن إدارة البلاد التي تخوض حرب وجود. الجيش العراقي تعبير عسكري عن الطبقة السياسية، فيما الحشد الشعبي تشكيل عسكري يعبر عن الدولة الموازية.

الأمر يذكّر، على سبيل المقارنة الدرامية، بحال الطبقة السياسية البغدادية العباسية حينما كان جيش المغول يزحف باتجاه عاصمة الخلافة. رغم فداحة الخطر، كانت الطبقة السياسية وعلى رأسها الخليفة العباسي منشغلة بصغائر الأمور. ولم يغير من الأمر شيئاً ذاك “الحشد الشعبي” العباسي في ذلك الحين.

دوام

وافق مجلس الوزراء العراقي على منح تفرغ كامل لموظفي الدولة الراغبين بالالتحاق بصفوف الحشد الشعبي، على أن يقدم تأييداً من رئيس الحشد الشعبي بالالتحاق والدوام والانضباط ضمن صفوف الحشد.

Email