في الذكــرى 33 لتحريرها

سيناء.. بوابة تاريــــــــــخ مصر ومستقبلها

ت + ت - الحجم الطبيعي

صحيح أن شبه جزيرة سيناء تشهد عمليات إرهابية منذ مطلع التسعينيات، إلا أن الإرهاب دخل منعطفاً أشد خطورة بعد سقوط حكم الإخوان في مصر من خلال ثورة يونيو 2013. لكنه استند في استمرار ديناميته إلى العوامل المحورية ذاتها مثل الجغرافيا والخريطة الاجتماعية والقبلية وتسليح الجماعات المتطرفة واستراتيجية تحرّكها، إضافة إلى تعاون التيار السلفي مع جماعة الإخوان.

ويبدو أن النبوءة التي روجت لها أجهزة أمن إسرائيل وإعلامها قبل سنوات من تحوّل شبه جزيرة سيناء المصرية الى »سيناستان«، قد بدأت فعلاً بالتحقق عبر ما تسجله أحداث العنف والإرهاب في السنوات الأخيرة، وبخاصة بعد إنهاء حكم الإخوان، علاوة على انتشار الفوضى وكل أشكال التهريب سواء على خلفيات إجرامية جنائية أو إرهابية..

وهو ما يعود لأسباب ترتبط جوهرياً بظروف موضوعية اقتصادية واجتماعية وسياسية وأمنية وجغرافية وسكّانية، فضلاً عن المخططات الصهيونية والأهداف الإسرائيلية، بيد أن كثيراً من الخبراء المصريين يحذّرون من النظر الى هذه المعضلة على أنها معضلة أمنية صرفة، وبالتالي ينصحون بعدم قصر العلاج على المواجهة الأمنية.

أزمة قديمة ــ جديدة

يرى مركز أطلس لدراسات الشؤون الإسرائيلية، وهو مركز فلسطيني، أن ما تسمى معضلة سيناء الأمنية ليست وليدة السنوات الأخيرة، فأعمال التهريب وانتشار العصابات الإجرامية المسلّحة معروفة في سيناء منذ أكثر من ثلاثة عقود، لا سيما تهريب المخدرات والمهاجرات من أوكرانيا لصالح عصابات الرقيق الأبيض الإسرائيلية قبل أن تدشّن عصابات التهريب في سيناء خطوط تهريب طوفان المهاجرين الأفارقة الى إسرائيل.

بيد أن دائرة العنف وحالة الفلتان الأمني ونشاط المجموعات المسلّحة التي تنتمي فكراً لتنظيمات متطرفة كتنظيم القاعدة، وتنشط تحت مسميات كثيرة، قد ازدادت في السنوات الأخيرة وتعاظمت من حيث الأفراد والتسليح واكتسبت نفوذاً ومهارات قتالية كبيرة، ومن نافل القول إنها جلبت الويل والخراب لمحافظات سيناء الجنوبية والشمالية.

ولا يخفى أن من بين أهداف إسرائيل الدائمة نشر الفوضى في سيناء من خلال استنزاف الجيش المصري، وبالتالي استنزاف الدولة المصرية ومواردها. وكذلك تهديد المجرى الملاحي لقناة السويس، ويبدو أن إسرائيل استعدّت قبل سنوات لهذا الأمر عبر تنفيذ مشروع استراتيجي كبير بإنشاء سكة حديد يربط بين ميناء ايلات وميناء اسدود ليشكل في المستقبل منافساً تجارياً.

وربما تراهن إسرائيل على توفّر الظروف الملائمة (من خلال الإرهاب) لتحقيق هدف قديم متمثّل بسلخ سيناء عن الدولة المصرية تمهيداً لإنشاء كيان منفصل يشكل حاجزاً بين مصر والأرض المحتلة، بحيث تكون له أفضلية التحالف والتعاون مع إسرائيل، وقبول تمرير مخططها القديم بتوسيع حدود غزة باتجاه سيناء لتستطيع استيعاب اللاجئين الفلسطينيين والفائض البشري في القطاع.

ويربط مسؤولون ومحللون مصريون بين الإخوان والتصعيد الإرهابي في سيناء بالاستناد إلى تصريحات بعض قادة الجماعة، وبخاصة محمد البلتاجي الذي قال صراحة إن الإرهاب في سيناء سيتوقف إذا عاد محمد مرسي إلى الحكم.

ويرى محللون أنه حتى لو لم تكن تصريحات البلتاجي تعني ربطاً مباشراً بين »الإخوان« والإرهاب في سيناء وغيرها من محافظات مصر، فإن صمتهم وعدم إدانتهم له يعني أنهم مستفيدون منه في معركتهم الخاسرة مع الدولة.

بين استراتيجيتين

ويرى القائد السابق للجيش الثاني الميداني اللواء أحمد وصفي أن المعطيات الأولى لتحرك الجماعات المتطرفة في سيناء، والتي تزامنت مع أحداث يناير 2011، وما أعقبها من انفلات أمني، تشير إلى أن هناك صفقات وتوجهات عامة بين تلك التنظيمات المحلية وأخرى إقليمية..

وأن هناك هدفاً يتم السعي إلى تحقيقه، خاصة بعد أن شهد مارس 2011 طباعة أول جرافيتي تكفيري، على جدران منازل الشيخ زويد، وجاء بتوقيع »إمارة سيناء الإسلامية«، ما يكشف حقيقة التربص بتلك المساحة الجغرافية ذات الأهمية الجيوسياسية، ومحاولة سيطرة التيار الراديكالي عليها واقتطاعها من الخريطة المصرية لصالح الأجندة الغربية التي ترى في مشروع »الوطن البديل«، حلاً للقضية الفلسطينية.

وينقل موقع »بوابة الحركات الإسلامية« عن خبراء أن التحرك البري للقوات في سيناء ينقصه القليل من الحسابات التي تقوم على قاعدة معلومة دقيقة عن جغرافيا المنطقة، مشيرين إلى عمليات التفخيخ التي كانت تستهدف الدوريات الأمنية والعسكرية على مدار الشهور الأولى من بدء التطهير بعد ثورة 30 يونيو، كان من الممكن تلاشيها، بتغيير خطوط سير عمليات الجيش، وهو ما يؤكده لجوء القوات بعد فترة قليلة، لمشاركة الطائرات الأباتشي دعماً للمشاة، تحاشياً للكمائن والأفخاخ.

كما أن استهداف خطوط الغاز لأكثر من 20 مرة، وتعرض الكمائن الثابتة لإطلاق نار، خاصة كمين »الريسة« الذي تعرض لـ 50 هجوماً، ونجاح المنفّذين في الفرار مستخدمين الدروب الصحراوية والوديان، يؤكد أن المعرفة بطبيعة المنطقة جغرافياً، من أهم عوامل الحسم في المعركة. ولأن العصبية القبلية تمثل مرجعية أساسية في تلك المنطقة، كان من الطبيعي وفق الموقع الإلكتروني، أن تهتز قاعدة المعلومات المتوفرة لدى أجهزة الأمن والمعلومات.

وعلى الرغم من أن تسليح الجماعات الإرهابية لا يضاهي تسليح القوات المسلّحة في سيناء، إلا أنها استعاضت عنه بالتخطيط والتحرك ما أكسبها مساحة من التفوّق أحياناً، وما تقوم به هذه المجموعات من هجمات يشبه ما يفعله تنظيم داعش في سوريا والعراق.

الهدف والقدرة

ورغم أن هناك تسليماً معلناً أو مبطناً بأن الإرهاب لا يُسقط الدولة ولا يمكنه أن يوصل الجماعات الإرهابية نفسها أو أمها »الإخوان« إلى السلطة، إلا أن العناصر الإرهابية تواصل تحويل عملياتها الإرهابية إلى واقع دائم بهدف استنزاف الجيش والدولة المصرية خدمة لأجندة أعداء مصر والأمة العربية الذين يدركون أن مصر قوية يعني أمة عربية قوية، والعكس صحيح.

ولقد باتت الحرب على الإرهاب في سيناء بحاجة إلى إدارة دقيقة ومحسوبة، من دون التركيز على عوامل بعينها وإهمال أخرى بل التعامل مع هذه الحرب كسلسلة متكاملة تحتاج إلى كل حلقة فيها.

Email