تقارير «البيان»

اغتيال قيادات «النصرة» يمهد لعملية إعادة التأهيل

مقاتلون من المعارضة السورية على خط الجبهة ضد قوات الأسد في ريف حماة رويترز

ت + ت - الحجم الطبيعي

تشير المعلومات الأولية الواردة من مصادر عدة، أن طائرة مجهولة الهوية استهدفت اجتماع لقيادات «جبهة النصرة» في ريف إدلب، قتل على إثره قيادات عسكرية بارزة من بينهم، أبو همام الشامي ومعه أبو عمر الكردي وأبو مصعب الفلسطيني وأبو البراء الأنصاري، إذ يعتبر هؤلاء من أبرز القيادات العسكرية في شمال سوريا ولهم الدور المفصلي داخل جسم جبهة النصرة، لتخرج على ضوء هذه الحادثة جملة من تصورات تفسر مغزى هذه العملية تزامناً مع هذا التوقيت بالذات.

وجاءت هذه العملية بعد أيام قليلة من تداول روايات عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، تفيد بوجود مخطط قد يقدم عليه أبو محمد الجولاني الذي يقود جبهة النصرة المصنفة في خانة قائمة الإرهاب..

بضرورة فك الارتباط مع تنظيم القاعدة، تمهيداً لإعادة تأهيل الجبهة بمساندة بعض البلدان الإقليمية والدولية كي تكون في صف المعارضة السورية المسلحة التي ترفض التعاطي مع الجماعات المتطرفة من بوابة اختلاف الأجندات الإيديولوجية والسياسية المتنافرة مع المشهد السوري.

مساعٍ إقليمية

وأشار المعارض السوري محي الدين اللاذقاني معلقاً على هذه الحادثة بأننا: «كنا على اطلاع بوجود اجتماع عالي المستوى مع قادة «النصرة» لفك الارتباط بـ«القاعدة» ولتجنيب فصيل أغلبه من الشباب السوريين الانتقام الذي كان يلوح في الأفق، وكان هناك تقبل لهذه الفكرة، لكن يبدو أن هذه العملية الأخيرة ضربت كل المساعي المرجوة».

وقد خرجت وجهات نظر عدة على لسان شخصيات وكيانات قريبة من الائتلاف الوطني والجيش الحر، تشير إلى أن جهات إقليمية عدة كانت تجري نقاشات متواصلة مع قيادة «النصرة» من أجل فك الارتباط مع «القاعدة» بغرض قطع الذرائع عن المجتمع الدولي، فضلاً عن أهمية توحيد الصف للفصائل المسلحة، بعدما سلم النظام السوري مصيره بشكل واضح للحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية في العراق لبنان..

وقضم تنظيم داعش بدوره مساحات شاسعة من نفوذ المعارضة المسلحة وجبهة النصرة، الأمر الذي قوض دائرة تحرك الفصائل المسلحة، بما فيها مناطق نفوذ «جبهة النصرة» التي تعاني من الشح المالي والعسكري وفق مصادر عدة.

توفير الإمكانات

وعلى ضوء تلك المعطيات، بدا أن الرهانات تتجه نحو جبهة النصرة باعتبارها تعد من بين أقوى الفصائل المنظمة التي تحارب النظام وحلفائه، وهي على ما يبدو لديها نوع من الاستعداد في مقارعة «داعش» أيضاً، فيما لو توفرت لها الإمكانيات المطلوبة.

لكن المعضلة كانت تكمن في إدراج «النصرة» على قائمة الإرهاب بسبب إعلان ارتباطها مع «القاعدة»، ومحاولتها تكريس تصورات دينية متشددة في ريفي حلب وإدلب تتماهى بزاوية ما مع رعونة تنظيم داعش، مما دفع جهات ميدانية عدة لحثها الخروج من تحت عباءة «القاعدة» لكي تزيل عن نفسها العزلة المفروضة، وتشرعن لها البوابة الدولية والإقليمية والمحلية، وهذا بطبيعة الحال يتطلب منها أن تغير سلوكها المتطرف، وتنسجم مع الشروط العسكرية المقبولة.

برغماتية «النصرة»

بيد أن «النصرة» وإن أدرجت هذه النقاشات المفصلية على جدول أعمالها بحسب المصادر المعارضة، إلا أنها كانت تصطدم بوجهات متباينة داخل هيكلتها التنظيمية التي انقسمت حيال هذا الاختبار المصيري ما بين المؤيد والمعارض، إذ حاولت الأطراف المحلية والتي غالبيتهم من الجيل الحديث، أن تتعاطى بطريقة براغماتية مع هذا العرض، لعلها تستثمر الظروف المواتية..

وتتجاوز الصعوبات الكثيرة التي تقف حجر عثرة في وجه النصرة، وهؤلاء غالبيتهم من السوريين، ويفضلون مشروع الدولة الإسلامية السنية ذات الطابع المرن على مصلحة الجماعة المتشددة، ومن أجل ذلك، لا يعتبرون التواصل مع الخارج الذي يدعم هذا المشروع في وجه النظام وحلفائه بأمر مخالف لأصول المعاملات الدبلوماسية، لطالما كانت تصب في نهاية المطاف لصالح استراتيجيتهم على الأرض.

تيار رافض

بيد أن الجيل القديم من «القاعدة» والذي يقبض زمام المبادرة، رفض الانصياع إلى هذا الأمر على ما يبدو، وهم في غالبيتهم من المهاجرين، ذلك أنهم حملوا المجتمع الدولي مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في سوريا نتيجة خذلانهم نصرة الشعب، علاوة على أن عامل الثقة المفتقر وحسابات إستراتيجية متعلقة برؤية الأصولية و«القاعدة» عززت من وجهة نظرهم هذه، وعلى أغلب التقدير أن القيادات التي استهدفت في العملية الأخيرة، ينحدرون من هذا الجيل المتزمت، ذلك أن سيرة أبو همام الشامي الذي يعد من أبرز قادة «النصرة» لوحدها تكشف هذا التصور..

حيث تخرج من معسكرات أفغانستان، وعين أميراً لمنطقة مطار قندهار، ثم انتقل للعراق ولبنان وسوريا، وأوردت تعليقات متباينة على مواقع التواصل الاجتماعي القريبة من النصرة، تشير إلى أن الولايات المتحدة تريد القضاء على الجيل القديم لـ«القاعدة» في سوريا، لكنها لا تغفل الجيل الجديد، واعتبروا أن هذا المخطط بداية «شيطنة» المهاجرين وطردهم من الشام على حد تعبيرهم.

وفيما لو صح هذا الأمر، فهذا يعني أن «جبهة النصرة» قد تكون مقبلة على عملية إعادة التأهيل بإشراف بعض الجهات الدولية بخلاف وجهات النظر التي تعتقد أن العملية الأخيرة عرقلت المساعي المبذولة في هذا المنحى.

شكوك

اتهمت الأوساط المقربة من جبهة النصرة التحالف بشن القصف الذي أودى بحياة قادتها، غير أن التحالف نفى ذلك، فيما تبنى النظام العملية. ويشكك الكثير من المراقبين في تبني النظام كون العملية تتطلب معلومات استخباراتية دقيقة وقصفاً لا يحتمل الخطأ.

Email