مصنع لإنتاج الإرهاب وتصديره إلى مصر والمنطقة

ليبيا.. مرتع الفوضى ومكمن الخطر

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

4 سنوات قلبت سطح المشهد في المنطقة رأساً على عقب سياسياً وأمنياً لاسيّما في تونس ومصر وليبيا، لتنجح تونس ومصر بتجاوز العثرات والمضي قدماً في طريق التغيير السياسي، فيما تعثّرت ليبيا تحت وطأة الإرهاب الذي مزّق الدولة وجعل منها «كرة لهب» تهدّد دول الجوار ومنطقة الشرق الأوسط، لاسيّما مع تنامي نفوذ الجماعات المتطرّفة.

وعلى الرغم من حراك دول الجوار الليبي والحراك الدولي والذي تمثّل في مؤتمر جنيف برعاية أممية، إلّا أنّ الأزمة لازالت باقية بل وتتمدّد، بعد أن أصبحت ليبيا مرتعًا للجماعات والفصائل الإرهابية، ومسرحًا لتصدير الإرهاب لدول الجوار، في ظل أحداث مشتعلة تشهدها المنطقة بالتزامن مع الوضع الليبي في كلٍ من سوريا والعراق، مع تمدّد وتنامي نفوذ تنظيم «داعش».

ولعل من بين التهديدات الإرهابية من الحدود الغربية لمصر من جهة ليبيا والتهديدات من الحدود الشرقية في سيناء، وتهديدات الأوضاع في الحدود الجنوبية، فضلًا عن التهديدات من الحدود الشمالية، إذ يفصلها البحر المتوسط عن بؤر أحداث مشتعلة أيضًا، تقف القاهرة بين «كماشة الإرهاب»، تُحاول أن تبذل المزيد من الجهود مع دول الجوار، من أجل مكافحة ذلك الإرهاب الذي يستخدم الدين كعباءة لتبرير مواقفه وتحركاته.

أشرس إرهاب

وصف المحلل السياسي الليبي ناصر الهواري الإرهاب الموجود في ليبيا بـ«الأشرس» في شمال أفريقيا والمنطقة، لافتاً إلى أنّ «المشكلة الليبية هي مشكلة شعب يواجه الإرهاب، وليست مشكلة فرقاء سياسيين»، محذرًا من تبعات الأزمة الليبية على دول الجوار والمنطقة وأوروبا، لاسيّما مع تغلغل الجماعات الإرهابية وتشعبها.

وأردف: «التنظيمات الإرهابية في ليبيا تشكل خطرًا واسعًا على العالم، لاسيّما أن لدى بعضها تواصلا مع الجماعات الإرهابية في أماكن أخرى مثل «داعش»، وليبيا تحارب الإرهاب نيابة عن العالم، إذ إنّها تواجه إرهابًا عالميًا واسعَ النطاق»، متهماً المجتمع الدولي بالتقصير وغض الطرف عن العديد من الممارسات في ليبيا، مشدّداً على ضرورة منع وصول إمدادات الأسلحة لهذه الجماعات الإرهابية المنتشرة في ليبيا وحماية المدنيين.

تدخّل عسكري

وتفرض العديد من السيناريوهات نفسها بكل قوة على الساحة في المنطقة فيما يتعلّق بحل الأزمة السورية، فيما لم يتم استثناء التدخّل العسكري كآلية مباشرة لحسم الأمور، وهي آلية تحاول أن تدفع بها الولايات المتحدة وبعض أنصارها بعد دراستها، غير أنّ ذلك الحل مرفوض من قبل غالبية دول الجوار، في الوقت الذي شدّد فيه الاتحاد الإفريقي على أهمية التسوية السياسية للأزمة الليبية، وفق ما ذكر الناطق باسم الاتحاد، مردفاً: «لا يمكن تسوية الوضع في ليبيا بالقوة، والاتحاد مستعد لدعم الأطراف الليبية في البحث عن حل».

تمدّد إرهاب

بدوره، لفت الخبير العسكري والاستراتيجي المدير الأسبق لمركز دراسات القوات المسلّحة اللواء حسام سويلم في تصريحات لـ«البيان»، إلى أنّ «الأزمة الليبية تشكّل تهديدًا واضحًا ليس فقط على دول شمال إفريقيا لكن على العالم كله، مع تمدّد وترابط الجماعات الإرهابية، غير أنّ تأثير تلك الأزمة سيكون بشكل أكبر على مصر»، لاسيما أنّ مصر تواجه الإرهاب على أكثر من صعيد واتجاه، لاسيّما الإرهاب في سيناء ما يضاعف المسؤولية على عاتق السلطات المصرية ويزيد الأزمة في مصر، مؤكّدًا أنّ «الحل في ليبيا لا بد أن يكون سياسيًا من خلال تشكيل مجلس رئاسي، ومن خلال تقوية الجيش وإعادة مؤسّسات الدولة من جديد».

استغلال أزمة

ويحاول تنظيم «داعش» استغلال الأزمة الليبية للتسلّل إلى عمق شمال إفريقيا واستمرار تمدّده وزحفه، الأمر الذي بدا جلياً من خلال الرهان على ليبيا، فضلًا عن مبايعة بعض الفصائل الليبية «داعش»، إذ أشار الباحث في شؤون الحركات الإسلامية سامح عيد إلى وجود تنسيق مباشر بين دول أجنبية ودول الجوار الليبي، من أجل مواجهة الأزمة الليبية وسط جهود دولية لمواجهتها، لافتاً إلى أنّ ما يعمّق المشكلة وجود قوات مرتزقة جاءت إلى ليبيا من قبل دولتي مالي وتشاد، مشدّدًا على أنّ «الخطر محدّق بمصر التي تمتلك أطول حدود مع ليبيا، فضلاً عن التواصل بين الجماعات التكفيرية والجهادية الإرهابية في ليبيا وعناصر إرهابية في مصر».

3 مراحل

من جهته، ذكر الخبير العسكري اللواء عبد الرافع درويش في تصريحات لـ«البيان»، أنّ «الإرهاب في أي منطقة بالعالم يحتاج ثلاث مراحل، الأولى تتعلق بالتكوين ثمّ التمكين وأخيرًا مرحلة السيادة»، مشيراً إلى أنّ «الإرهاب في ليبيا لازال في مرحلة التمكين، وهناك رؤى لدى تلك الجماعات الإرهابية لتوسيع قاعدتها والتمدّد إلى دول الجوار لاسيّما مصر، بما يهدّد كامل منطقة شمال إفريقيا ويدفع بالمزيد من التداعيات الخطيرة، خاصة مع أنباء تأسيس تنظيم «دالم» في مصر وليبيا على غرار «داعش» في سوريا والعراق»، متوقّعًا استمرار الأزمة الليبية إلى فترة أطول، لاسيّما في ظل محاولات البعض استغلالها.

وتدرك دول الجوار الليبي وفق مراقبين خطورة الأزمة التي تجعل شمال إفريقيا، على صفيح ساخن، ما يدفعها لبذل مزيد من الجهود الدبلوماسية من أجل الدفع بعملية حل سياسي، جنبًا إلى جنب جهود برعاية أممية ممثلة في الحوار الليبي في جنيف، والذي انتهت جولته الثانية قبل أيام وإقرار عودة الحوار في ليبيا، وهي الاجتماعات التي تمّ التأكيد خلالها على ضرورة التغلّب على الخلافات السياسية وإعادة الاستقرار إلى البلاد، في خطوة اعتبرها كثيرون إيجابية بعيدًا عن الحلول العسكرية.

مفاصل دولة

في السياق، أشار المدير السابق لمركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلّحة اللواء علاء عز الدين محمود، إلى أنّ «الأوضاع في ليبيا لا تبشّر بالخير»، مبيّناً أنّه ومع تنامي قوة الجماعات الإرهابية وتدميرها مفاصل الدولة تواجه البلاد صعوبات حقيقية في الخروج من المأزق. وأردف محمود: «نحن أمام حكومة منهكة لا تملك أي قوة لمواجهة تلك الجماعات الإرهابية وتدعو إلى حل سياسي، دون امتلاك قوة موازية لإجبار تلك الجماعات على الحل السياسي، كما يواجه الجيش الليبي أيضا أزمة في التمويل»، مشيراً إلى تأثير الأوضاع الليبية على الجوار والمنطقة برمتها، في ظل تحوّل ليبيا إلى مركز وبؤرة إرهابية تحتوي بداخلها المرتزقة والإرهابيين.

ولفت الخبير الاستراتيجي إلى صعوبة حل الأزمة، لاسيّما بعد أن أصبحت القوى الإرهابية طرفًا أصيلاً في المعادلة، مضيفاً أنّ «سياسة غض الطرف التي يتبعها الغرب مع الأزمة تأتي في إطار رغبته في إنهاك دول المنطقة للاستيلاء على ثرواتها».

ووفق محمود يسمح استمرار الأزمة في ليبيا للدول الغربية باستغلال البترول المتوفر في ليبيا وشرائه بأسعار رخيصة لسد احتياجات الدولة، وهو ما يسهم بدوره في زيادة الأزمة العالمية للبترول، ومشيراً إلى أنّ «هناك الكثير من الجهات التي تحاول الاستثمار في الأزمة، واستغلالها لصالحها والحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب».

تصفية حسابات

ووفق محلّلين تحوّلت ليبيا إلى ساحة تصفية الحسابات الدولية، مضيفين أنّ «عناصر وجماعات الإسلام السياسي تستغل ليبيا مسرحاً لتدريب عناصرها وتصديرهم إلى دول المنطقة، إذ شدّد الباحث في شؤون الحركات الإسلامية أحمد بان، على صعوبة الأزمة في ليبيا، لاسيّما مع تداخل الجماعات الإرهابية ومصالحها المتضاربة، فضلًا عن تضاد المصالح الدولية». ويشير مراقبون إلى أنّ «منطقة شمال إفريقيا باتت أشبه بـ«كرة اللهب» في ظل التطورات السياسية والأمنية على مدار أربع سنوات، ما حدا ببعض الدول الأجنبية لتحذير رعاياها من السفر.

ظاهرة عالمية

من جهته، أكّد الخبير الأمني والاستراتيجي اللواء محمود زاهر، تأثير الأزمة في ليبيا سلباً على مصر ودول شمال إفريقيا، لافتاً إلى امتداد هذا التأثير إلى دول العالم باعتبار أنّ الإرهاب بات ظاهرة عالمية.

واتهم زاهر في تصريحات لـ«البيان»، قوى دولية لم يسمها بالعمل على استمرار الأزمة في ليبيا بما يخدم مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، لاسيّما أنّ ليبيا ليست بعيدة عن مخطّطات التقسيم التي تسعى الكثير من الدول الغربية لتنفيذها بدعم من بعض الجماعات والتنظيمات التي تخلقها تلك القوى لتنفيذ المخطّط الفوضوي، مشدّدًا على ضرورة تضافر الجهود العربية من أجل مواجهة الإرهاب في ليبيا وشمال أفريقيا لإعادة الهدوء إلى المنطقة.

ميليشيات

تحتضن ليبيا نحو مائتي ميليشيا عسكرية إرهابية تتقاتل جميعها على النفوذ والزعامة، فيما يعتبر تنظيم «داعش» ليبيا بوابته الاستراتيجية لتحقيق أحلامه، في وقت تتقاسم فيه ليبيا حكومتان الأولى والمعترف بها دولياً وتتخذ من طبرق مقراً لها، والأخرى في طرابلس ونواتها الكيانات المتطرّفة أبرزها «فجر ليبيا».

وتوجد 4 كيانات مسلّحة أخرى، لا تتفق مع الحكومتين، هي «مجلس شورى ثوار بنغازي»، وتنظيم أنصار الشريعة، وتنظيم مجلس شورى مجاهدي درنة وضواحيها، وتنظيم شباب شورى الإسلام، غير أنها تتلقى دعمًا سياسيًا من حكومة عمر الحاسي في طرابلس.

Email