بروز «داعش» وتساقط مدن شمال شرقي البلاد وسقوط المالكي

بداية دموية في العراق بلا نهاية واضحة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

صار العنف والقتل طبقاً يومياً للعراقيين خلال العام 2014 بحيث لا يكاد يمر يوم بهدوء ومن غير أن يعكر صفوه حادث انتحاري، أو انفجار سيارة مفخخة أو قنبلة مزروعة على جانب طريق، حيث كانت بداية السنة ممزوجة بالدم على خلفية الهجوم على معتصمي الأنبار لتبقى نهايتها غير واضحة المعالم في ظل سيطرة تنظيم داعش على مجمل المحافظات .

وعدم قدرة التحالف الدولي على إخراجه من المنطقة، لكن تبقى الميزة الرئيسية لهذه السنة سقوط عرش رئيس الوزراء نوري المالكي رغم فوز حزبه بالانتخابات التشريعية لكن الضغوطات الدولية ساهمت في تولي حيدر العبادي رئاسة الحكومة بتركة ثقيلة في ظل مساهمة سياسات المالكي في تمدد تنظيم داعش.

 

وكانت البداية بأخطر موجة عنف اجتاحت البلاد، وقلبت كل الموازين، على الرغم من التحذيرات المحلية والدولية، من عدم الاستجابة للمطالب الشعبية في المحافظات ذات الأغلبية السنية، واللجوء إلى العنف الحكومي تجاهها، مما يؤدي حتماً إلى عنف مضاد.

وهو ما حدث بالفعل، عندما داهمت القوات الحكومية ساحة الاعتصام السلمي في الرمادي، مركز أكبر المحافظات السنيّة، وأكبر محافظات العراق مساحة، بمعدل الثلث من مساحة البلاد ككل، ما حوّل مناطق الاعتصامات السلمية إلى ساحات حرب، سمحت بدخول وتنامي تنظيم داعش.

«مغامرة» الأنبار

ويرى المراقبون أن «مغامرة الأنبار تختلف نسبياً عن مغامرة ضرب ساحة اعتصام الحويجة، جنوب غرب كركوك، في أبريل من العام نفسه، لأن قضاء الحويجة صغير نسبياً، وتابع لمحافظة كركوك، وفيه خليط سكاني، قومي وعرقي وطائفي، بينما الأنبار ذات طائفة واحدة، ما يعني تحول الصراع إلى نزاع طائفي صرف، ومع ذلك.

كان يفترض أن تكون «مغامرة الحويجة» درساً للحكومة، لأن قتل المعتصمين السلميين، قدم أكبر هدية لتنظيم داعش بالتحاق من يئسوا من «العملية السياسية» بها، إضافة إلى طالبي الثأر، ذوي الضحايا، الذين لا يؤمنون بفكر وأساليب التنظيم لكنهم التحقوا بها لغرض مقاتلة القوات الحكومية فقط.

تغيير البوصلة

ويشير المراقبون إلى أن «مغامرة الأنبار»، ابتدأت من منطلق «مقاتلة داعش في الصحراء الغربية وتأمين الحدود بين العراق والأردن وسوريا»، إلا أنها سرعان ما تغيرت بوصلتها باتجاه المدن، لضرب الاعتصامات في الرمادي والفلوجة، فجاءت نتيجة هذا التغيير.

فقدان السيطرة على المدن والصحراء، وانتعاش تنظيم داعش، الذي سيطر منذ بداية العام 2014 حتى نهايته، على 80 في المئة من محافظة الأنبار التي تبلغ مساحتها ثلث مساحة العراق، ولها حدود مع ثلاث دول مجاورة، هي الأردن وسوريا والسعودية.

وفسر الكثير من المراقبين عملية الأنبار، بأنها فصل من خطة لتأجيل الانتخابات البرلمانية، وإبقاء المالكي في سدة الحكم المطلق أطول مدة ممكنة، حتى لو اقتضى الأمر إعلان حالة طوارئ، إلا أن فكرة التأجيل أحبطت، لعدم وجود دعم لها من قبل كل الأطراف السياسية، إضافة إلى الأطراف الإقليمية والدولية.

معركة الانتخابات

وإذا كان الربع الأول من العام 2014، قد طغت فيه أحداث الأنبار، وبروز «داعش» كقوة ضاربة في العديد من المحافظات العراقية، بعد مرور سنة واحدة على تشكيلها في 9/4/2013، فإن ذلك ترافق مع الحملة الدعائية للانتخابات التي جرت في الشهر الأول من الربع الثاني من العام، والتي شهدت أكبر عمليات شراء للناخبين، ومساومات مع كتل وشخصيات سياسية، من أجل حصول رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي، على ولاية ثالثة.

وحصلت قائمة «ائتلاف دولة القانون» على أكثر عدد من المقاعد إلا أنها لم تصل إلى النصف، ولا حتى إلى الثلث، وحتى هذه النسبة، لم تكن فيها أغلبية لحزب الدعوة والمالكي وأقربائه، وإنما لحلفاء له مثل منظمة «بدر» و«مستقلون» و«الفضيلة»، فلجأ المالكي إلى طلب الأغلبية باسم التحالف الشيعي، الذي يضم أبرز المعارضين له.

كالتيار الصدري والمجلس الأعلى الإسلامي، إلا أن التحالف قرر أن يكون هو من يختار رئيس مجلس الوزراء، شرط أن يكوم مقبولاً من الكتل السياسية الأخرى، ومن المجتمع الإقليمي والدولي، وذلك لا يوجد فيه ما ينطبق على شخص المالكي، الذي ظل متشبثاً بالحصول على المنصب، رغم علمه.

وعلم كل الفرقاء في العملية السياسية، أن تمدد تنظيم داعش، بسبب سياسات المالكي، لا يمكن مواجهته إلا بدعم إقليمي ودولي، وهذا لن يتم إلا بتغيير جذري في القيادة السياسية للبلاد، التي تسببت بنكبات كبيرة، وفرقت الشعب العراقي الواحد، وحتى فصائل المذهب الواحد.

الانهيار السريع

وشهد الربع الثالث من العام 2014، تطورات دراماتيكية، فبينما كان المالكي يتشبث بالكرسي، ويحارب ويناور على جبهات عدة، كان تنظيم "داعش" يستعد لتوجيه أكبر ضربة قاصمة لنظام المالكي، حيث توغل في عمق مدينة الموصل، ثاني أكبر مدينة عراقية.

ليعلن في العاشر من يونيو "بين ليلة وفجرها" استيلاءه على مركز محافظة نينوى، وهروب ثلاث فرق عسكرية، تاركة معسكراتها وأسلحتها وتجهيزات وأموالها، هدية لـ تنـظيم داعش، الذي واصل زحفه إلى محافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك ومناطق أخرى في الأنبار، وحتى حزام بغداد.

كان لهذا الانهيار السريع والمريع لجيش المالكي، القائد العام للقوات المسلحة، دوي عالمي، إذ لم يكن معقولاً أبداً، ضياع كل جهود التحشيد والتسليح والتمويل الفلكي، بهذه السهولة، فيما يقف العالم متفرجاً، ويرفض أن يمد له إلى المالكي أو إلى العراق الذي أوقعه المالكي في هذه الورطة.

 

الغيرة الوطنية

يقول المراقبون السياسيون، إن أي قائد عسكري، لديه ذرة من الغيرة، يمنى بهذه الهزيمة الشنيعة لن تسمح له غيرته «إن وجدت»، بالبقاء في منصبه، ناهيك عن الفشل السياسي والاقتصادي والخدمي في عموم البلاد.

ورغم ذلك استمر عناد المالكي، وبعد زيارة قصيرة قام بها إلى محافظة السليمانية، وافق المالكي على اختيار فؤاد معصوم رئيساً للجمهورية، بعد اعتراضه على برهم صالح الذي يرفض فكرة «الولاية الثالثة»، على أمل أن يقوم معصوم بتكليفه تشكيل الحكومة.

كما قام بإسقاط التهم الموجهة إلى سليم الجبوري، وتمت المصادقة القضائية على عضويته في البرلمان، ليكون بديلاً عن غريمه أسامه النجيفي، وتم بالفعل انتخاب الجبوري في 15 يوليو رئيساً للبرلمان، وانتخاب معصوم في 24 يوليو رئيساً للجمهورية.

سقوط المالكي

وهنا حدث ما لم يكن في حساب المالكي، الذي يخطئ دائماً في الحساب، ولم يقرأ المعادلة بالشكل الصحيح، وهي: العراق أو المالكي، وكانت الضربة المفاجئة التي تم الإعداد لها خلف الكواليس، باختيار مرشح التحالف الوطني د. حيدر العبادي رئيساً للوزراء.

وذكر معصوم خلال مراسم تكليف العبادي بتشكيل الحكومة، بحضور رئيس البرلمان سليم الجبوري ورئيس التحالف الوطني إبراهيم الجعفري وعدد من رؤساء الكتل النيابية المنضوية في التحالف إن «الشعب العراقي سيكون أمانة في عنقك ونأمل أن يتم تشكيل الحكومة وفق المدة الدستورية والعمل الجاد لإعادة الأوضاع».

فيما رد المالكي إن ما ورد عن ترشيح التحالف الوطني للدكتور حيدر العبادي لا قيمة قانونية له معتبراً أن التحالف الوطني كيان سياسي وليس كتلة برلمانية وأنه لم يسجل في الجلسة الأولى للبرلمان باعتباره الكتلة البرلمانية الأكبر.

ولم تصمد اعتراضات المالكي وجماعته أكثر من ثلاثة أيام، إزاء ردود الفعل المحلية والإقليمية والدولية، فأعلن سحب اعتراضه في 14 أغسطس 2014.

وجاءت ردود الفعل الدولية، بداية من وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي قال إن «شيئاً واحداً يحتاج كل العراقيين لمعرفته وهو أنه سيكون هناك القليل من الدعم الدولي من أي نوع كان لأي شيء يحيد عن العملية الدستورية الشرعية القائمة والتي يجري العمل عليها الآن»، لافتاً إلى «أننا نحث الشعب العراقي للقيام به هو الهدوء، في هذه اللحظة من الديمقراطية من أجل العراق».

كما دعا الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق نيكولاي ملادينوف، القادة السياسيين إلى احترام المسؤوليات الدستورية لرئيس الجمهورية فؤاد معصوم كونه يؤدي واجباته حسب الدستور والعملية الديمقراطية.

ضربات التحالف

ومع سقوط المالكي، ابتدأت في الربع الأخير من العام 2014، ضربات التحالف الدولي ضد داعش، في يوم الثلاثاء 23 سبتمبر 2014، حيث قامت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة وبدعم من السعودية والإمارات والبحرين وقطر والأردن بأول هجمات جوية في سوريا والعراق.

وقال الرئيس الأميركي باراك أوباما إن «الولايات المتحدة لم تقدم المساعدة للعراق منذ بداية دخول تنظيم داعش فيه، لكون ذلك سيخفف الضغط على رئيس الوزراء نوري المالكي من معارضيه»، وبين أن «السبب الذي منعنا من القيام بضربات جوية في كل أنحاء العراق حالما بدأت مجاميع داعش بالدخول إلى البلد، هو أن القيام بذلك سوف يرفع الضغط على المالكي».

ويعد هذا أول كلام واضح وصريح للرئيس الأميركي في كشف أسباب «تردده» في قيام الولايات المتحدة بدور ضد «داعش» التي تنامت في العراق منذ نحو سنة بنشاطها في محافظة الأنبار وتقدمها السريع باحتلالها الموصل، ومناطق أخرى شملت ثلث مساحة العراق.

 

 

تفاؤل

في ختام العام، يأمل العراقيون بعام مقبل أفضل، يسوده الوئام الداخلي، وتتعزز فيه علاقات العراق مع محيطة العربي والإقليمي، التي بدأت مع سقوط حكم المالكي، ومجيء حكومة تتجاوب مع متطلبات المجتمع الدولي.

Email